كانت في ال16 من عمرها عام 1827 عندما تلقت صفعة أختها الكبرى على وجهها بسبب أوراق مليئة بالمشاعر الخاصة تصورت الأخت أن شقيقتها تعبّر فيها عن حب خفي، إذ كانت من العلاقات المستنكرة في المجتمع الأميركي، إلا أن الفتاة الصغيرة واسمها"هارييت"لم يكن في حياتها من حبيب مجهول أو مأمول، وإنما كانت تشغل نفسها بالكتابة التي تريحها، فتدرّب نفسها على الرضا بنصيبها المتواضع من الجمال ومن الحياة مع أبيها"بيتشر"القسيس، فإذا بلغت سن ال27 تعرّفت على أستاذ علم اللاهوت"كالفن ستو"فتزوجته ليصبح اسمها"هارييت بيتشر ستو"، وتنجب منه 6 أطفال... إنها ذات الأجواء التي كانت أميركا تجيز فيها نظام الرق، في ظروف مهينة عاشها الزنوج العبيد مع أسياد لا رحمة معهم، فتتحرك موهبة المرأة السوداء، وتبدأ بكتابة روايتها الشهيرة"كوخ العم توم"، فإذا قرأت على أطفالها ما خطت تأثروا واستغرقهم البكاء، فتنشر روايتها إحدى الصحف على حلقات متتابعة، فيتضاعف توزيعها وينتظرها قراءها، لتأت الرواية في جزأين، وتترجمها عواصم أوروبا، وتتحول هارييت إلى رمز أميركي، يتزاحم حولها الناس للمس ثيابها والاستماع إلى كلماتها، فتشتعل الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال والجنوب بعد 9 سنوات من صدور الرواية، ويعلن الرئيس الأميركي"إبراهام لنكولن"نداءه بتحرير العبيد في بلاده، ويواصل الحرب حتى يتحقق هدفه، وقبل أن يفقد حياته برصاصة أحد المتعصبين يدعو هارييت لزيارة البيت الأبيض، فيصافحها وهو يبتسم قائلاً:"إذاً، فهذه هي المرأة الصغيرة التي أشعلت الحرب الأهلية في البلاد..."فتكون قد بدأت مشوارها بصفعة وختمته بمصافحة. كلمة أخيرة: ليست هناك عبودية، بل رجال عبيد لبعضهم الآخر، أما العبث بكرامة الإنسان، فيعود إلى خضوع هذا الإنسان، فإن كان نظام الرق قد ألغي إلا أن العبيد ما زالوا إلى يومنا يرزحون تحت جبل من شهواتهم، ما لا ينفع معه إلغاء أو إبطال، فالمسألة تعود إلى من ارتضى لنفسه العيش ذليلاً، فهذه المرأة البسيطة تمكنت من هز حياة شعبها ووضعه أمام ضميره في أهم قضية عاشها، فدافعت عن مبدأ المساواة على اعتبار أنه مطلب إنساني لا يحتمل التهاون في شأنه، لتكون بذلك قد أدت ما عليها في إضافة لبنة إلى بناء الحياة ليأتي غيرها فيضع لبنة أخرى وهكذا، فلا تؤجل لبنتك مهما كان حجمها وحجمك! يقول إبراهام لنكولن:"انهضوا أيها العبيد، فإنكم لا ترونهم كباراً إلى لأنكم ساجدون"، وهو قول حكيم فلا حياة بلا حرية، ولا حرية بلا حق الاختيار وإيجاد بدائل لهذا الاختيار، ولكن لحظة! لقد قيل يوماًً: ليس هناك أحرار تماماً، لأن هناك عبيداً لحريتهم... فهل يكون قدرنا أن نظل ننشد الانعتاق حتى في وجود معبودة الجماهير المسماه"الحرية"!! وقالوا:"ليس من المنطق أن تتباهى بالحرية وأنت مكبل بقيود المنطق"ميخائيل نعيمة. [email protected]