اليوم.. آخر مهلة لتوثيق عدادات المياه قبل إيقاف الخدمات الإضافية    البرتغال تدرس كافة الخيارات لاستبدال طائرات اف-16 الأميركية    القبض على باكستاني في جدة لترويجه (1.4) كجم (شبو)    هالاند يحقق رقم تاريخي غير مسبوق مع مانشستر سيتي    شركة المربع الجديد تشارك في مؤتمر MIPIM 2025 العقاري    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : بئير    الجالية الهندية في جازان تقيم مأدبة إفطار رمضاني    إنتاج العنب المحلي يتجاوز (122) ألف طن سنويًا    اندريك يعوض نيمار في منتخب البرازيل    الكشافة يحققون أكثر من 26 ألف ساعة تطوعية في خدمة زوار المسجد النبوي خلال النصف الأول من شهر رمضان    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. فلسطين    أكثر من 21 الف مستفيد.. "نور" تقدم برامج دعوية خلال أسبوعين من رمضان    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العظام ويحفظ تاريخًا يمتد إلى 14 قرنًا    في الوقت القاتل .. ضمك يخطف فوزاً ثميناً من القادسية    النصر يتغلّب على الخلود بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    ضبط (23865) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الوحدة يتغلّب على الخليج بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ( التطلي) والذكريات الرمضانية    من العقيدة إلى التجربة.. قراءة في أنسنة الدين    الدفاع المدني يكثف جولاته التفتيشية بالمدينة خلال رمضان    قصر ضيافة ومباني فندقية وسكنية في مزاد "جود مكة"    إنجاز سعودي في الأولمبياد الشتوي الخاص    ولي العهد يهنئ السيد مارك كارني    "ستاندرد آند بورز" ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "A+"    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب شبه جزيرة ميناهاسا في إندونيسيا    واشنطن تطرد سفير جنوب إفريقيا    تفعيل مبادرة صم بصحة في فعالية إفطار حي خضيراء الجماعي    فيديو.. غضب رونالدو بسبب استبداله أمام الخلود    إفطار رمضاني يجمع صحافيي مكة على إطلالة البيت العتيق    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    20 جولة تبخير وتطييب للمسجد الحرام يوميًا خلال رمضان    السفير المناور يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه سفيرًا لدى المكسيك    الكشافة يقدمون خدماتهم لزوار المسجد النبوي    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    أمير منطقة المدينة المنورة يطلق حملة "جسر الأمل"    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    تحقيق أممي: الاحتلال يرتكب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين    المملكة ترحب باتفاق ترسيم الحدود بين جمهوريتي طاجيكستان وقرغيزستان    أمانة القصيم تُعلن جاهزيتها لانطلاق مبادرة "بسطة خير السعودية"    قطاع ومستشفى بلّحمر يُنفّذ حملة "صُم بصحة"    قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل حملة "صُم بصحة"    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    محافظ الطائف يناقش تقرير لجنة الأسواق الشعبية    "بسطة خير السعودية" تنطلق لدعم 80 بائعًا متجولًا بالشرقية    جامعة الملك عبدالعزيز تحتفل بيوم العلم السعودي بسباق "راية العز"    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    طيبة الطيبة.. مأرز الإيمان    العلا.. تضاريس ساحرة ونخل باسق    عَلَم التوحيد    مكة في عهد يزيد بن عبدالملك بن مروان.. استقرار إداري رغم التحديات السياسية    المشي في رمضان.. رياضة وصحة    نصائح لمرضى الكلى في رمضان.. يجب الالتزام بأساليب التغذية السليمة    الصين تتفوق عسكريا على أمريكا    خناقة بمسجد!    مباحثات جدة الإيجابية "اختراق كبير" في الأزمة الروسية الأوكرانية    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    تعهد بملاحقة مرتكبي انتهاكات بحق وافدين.. العراق يعيد مواطنيه من «الهول» ويرمم «علاقات الجوار»    مشروع الأمير محمد بن سلمان يحافظ على هوية مسجد الجامع في ضباء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"يوبيلي" لمرغريت ووكر : العنصرية خارج كل النيات الطيبة
نشر في الحياة يوم 04 - 08 - 2012

كم كانوا بسطاء وطيبي القلب كل اولئك الكتاب والمفكرين الذين راحوا يؤكدون مع انتهاء القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ان الانسانية، بالحداثة الطارئة عليها وباستعادتها العقلانية القديمة، كانت مقبلة على عصر تزول فيه ضروب التمييز العنصري والعرقي واستعباد الانسان لأخيه الانسان. كانوا واثقين من ذلك، ولكن من دون ان يكون في ايديهم أي دليل على صحته، باستثناء تأملهم المتفائل لصورة العالم كما يرونها، وباستثناء وعود فوقية لم تكن في حقيقة امرها، سوى وقائع الامور الآتية: كان فكر مثقفين من ذوي النيات الطيبة لا اكثر. بالنسبة اليهم كانت الامور واضحة: انتصر ابراهام لنكولن على مستعبدي السود في اميركا... وما هذا سوى علامة على الازمان المقبلة.
طبعاً نعرف اليوم انهم اخطأوا في نظرتهم الى الامور. كانوا متفائلين اكثر مما يجب بكثير. كانوا يحكمون على ما يحدث، انطلاقاً من أمانيهم. ومن عاش منهم عقود القرن العشرين المتلاحقة كان في امكانه، بالتأكيد، ان يشهد عصراً لم تعرف البشرية من قبل مثيلاً له في عنصريته وأحقاده والكراهية - كل صنوف الكراهية - التي ملأته. ومرغريت ووكر، هي واحدة من هؤلاء... ولدت عند بوابات القرن العشرين، وأصرت دائماً على ان الخير هو الذي سينتصر لا محالة... وأن"الانسان طيّب في أصله"... وما الشر"سوى دخيل عليه". لقد عاشت مرغريت حتى نهاية القرن العشرين، وشهدت منه ما شهدت، وناضلت خلاله من اجل قضية السود في اميركا، ميدانياً وبالقلم. اما أشهر علامات نضالها فرواية"يوبيلي"التي اصدرتها في العام 1966، لمناسبة مرور مئة عام على ازالة الرق في الولايات المتحدة الاميركية. فاعتبرت الرواية فتحاً جديداً في عالم الكتابة الاجتماعية، تقف في موقع وسط بين"كوخ العم توم"لهارييت بيتشر ستو، وروايات توني موريسون صاحبة جائزة نوبل لاحقاً.
منذ بداية روايتها، حددت مرغريت ووكر هدفها: انها تكتب عملاً أدبياً، لكنها في الوقت نفسه تنتج مرافعة عميقة وعالية الصوت ضد الكراهية والحقد. وهي في خلال ذلك تتحرى ما آلت اليه قوانين منع الرق في بلد نما جزء اساس من اقتصاده على استعباد الزنوج الذين استقدموا من افريقيا، وعوملوا قروناً طويلة معاملة البهائم... منذ البداية ايضاً تقول لنا مرغريت ووكر ان حرب الانفصال الاميركية - التي اخفقت - كان محورها الاساس مسألة ازالة الرق. ومن هنا أتت تلك الحرب لتخلق لدى السود آمالاً كبيرة. فهل أتت الوقائع لتساند تلك الآمال؟
بطلة الرواية تدعى فيري وقد اقتبست مرغريت ووكر هذه الشخصية من جدة بعيدة لها، عاشت - تقريباً - الحياة نفسها التي تصفها لنا مرغريت في"يوبيلي"، والتي تعيشها فيري في الرواية. وفيري هي، كما تقدم لنا منذ البداية، واحدة من العبيد الذين يعيشون ويعملون في مزرعة في جورجيا، لدى المالك السيد جون موريس داتون... وسنعرف بسرعة ان جون هذا هو في حقيقة الامر والد فيري - غير الشرعي - انجبتها له عبدة اخرى. ومنذ كانت في سن الطفولة اعتادت فيري على تمضية الوقت رائحة آتية في مطبخ العزبة، تراقبها بعينين مملوءتين بالحقد والكراهية، السيدة صاحبة البيت، زوجة السيد جون. وسرعان ما نكتشف ان حياة الرقيق الذين يخدمون داخل البيت الكبير ليست افضل كثيراً من حياة العبيد الذين يعملون في الحقول، تحت وقع رعبهم من سوط الوكيل الابيض غرايمز. هناك في الحقول أُجراء بيض فقراء. وهناك سود أشد فقراً منهم. لكن هذين النوعين من الفقراء، غير متّحدين. بالأحرى ثمة صراعات بينهم. وثمة في ما بينهم كراهية تفوق كراهيتهم معاً للسادة. وتلك هي دائماً، نتيجة اللعبة التي يتقن هؤلاء السادة لعبها، بغية امساك الامور في شكل دائم، وجعل العبيد السود دائمي الخوف من... العبيد البيض، وهي اللعبة نفسها ايضاً التي اشتهرت خصوصاً الديبلوماسية الإنكليزية بلعبها خلال النصف الأول من القرن العشرين وعرفت بإسم"سياسة فرّق تسد".
حين تشب فيري عن الطوق، تتعرف الى شاب أسود منعتق هو الحداد راندال وور، وتنجب منه ولدين ثم تتزوج منه في السر. ذلك ان الوالد السيّد، لا يريد لفيري ان تتزوج اسود حراً، لأن هذا سيعتقها بدورها فتصبح منعتقة. وهنا عند تلك اللحظة تقع حرب الانفصال... ويبدأ الافراد، بيضاً وسوداً، عبيداً وسادة، بالموت تباعاً: لدى البيض يموتون في حوادث أو بفعل القتال... أما السود فيختفون. وأما فيري فإنها، حتى بعد عامين من انتهاء القتال، تظل في انتظار عودة راندال... لكنه لا يعود. وأخيراً، اذ تيأس هي، وتصبح مجبرة على ان يكون ثمة أب لطفليها، تجد نفسها مضطرة الى الزواج من الاسود اينيس براون، المزارع في الحقول والذي يحبها حباً جماً. وإينيس شخص طيب وشريف صاحب مهنة، وهو مزارع وبنّاء في الوقت نفسه. ومن هنا لا يجد صعوبة اذ يرحل مع زوجته وطفليها، في بناء بيت للعائلة الصغيرة. بيت تقوم فيري على شؤونه، بفضل خبرتها من الملابس والطبخ وبقية شؤون البيت. امام هذه السعادة الجديدة يحاول اينيس وفيري العثور على قطعة ارض صغيرة يزرعانها ويعيشان بفضلها. غير ان القدر لا يتركهما. اذ ها هو طوفان كبير يطردهما من ارض عثرا عليها... وها هو مالك ارض أبيض يحتال عليهما. وفي نهاية الامر تدخل منظمة"كوكلاكس كلان"الارهابية العنصرية لتحرق بيتهما. وإزاء هذا كله تبدأ العائلة رحلة تشرد تقودها الى مدينة يكون استقبالها للعائلة افضل.
ولكن حتى هنا، لا يمكن البائس ان يأمل في حياة هانئة. اذ في المدينة سرعان ما يظهر راندال وور، الذي يعثر عليهما... ويبدأ محاولته استعادة ابنه، وهو أحد طفلين انجبتهما له فيرى كما اسلفنا، لأنه يريد لهذا الابن ألا يعيش حياة الفقر والعبودية: انه يريد له ان يتعلم حتى يصبح مدرّساً. فراندال، الذي كان تعلم القراءة والكتابة، وأمضى حياته عاملاً بجهد واكتسب معرفة طيبة، يعلم ان ليس ثمة مستقبل للسود، سواء أكانوا مثقفين أم رقيقاً خارج التعليم. ان هذا التعليم هو السلاح الوحيد الذي يمكّن السود من مجابهة الحياة والكراهية والعنصرية... وراندال كان تعلّم هذا خلال عمله مع الجيوش الشمالية في الحرب الاهلية. كذلك تعلّم ان ليس في الإمكان ان يثق السود بالبيض... كل البيض. في المقابل لا ترى فيري هذا الرأي. فهي التي كانت منذ البداية فتاة طيبة، ظلت حتى الآن فتاة طيبة.. ولذا نراها لا تتوقف عن الايمان بإمكان الحصول على السعادة وإمكان ان يعيش المرء حياة لا كراهية فيها ولا أحقاد. تقول فيري: اجل ان غالبية البيض تحتقر السود... وهي نفسها واينيس وراندال عانوا ما عانوه من ملاحقة فاشيي"الكوكلاكس كلان"لهم... لكنّ الامور ليست بالسوء الذي نتصور. بل ان فيري، ذات اللون الفاتح الى حد ما، تبدو قادرة على ان تشهد - وغالباً رغما عنها - على ما يدّعيه البيض من ان الحكومة المنتصرة تحابي السود... وأن هؤلاء يحصلون دائماً على الأفضل من دون أي جهد. وتقول فيري ان"علينا ان نشكر الرب على هذا".
ابعد من الاحداث، التي ليس فيها أي جديد مفاجئ على أية حال، تعتبر رواية"يوبيلي"رواية مواقف... خصوصاً ان فيري بعد كل مرافعاتها الطيبة، ستدرك في نهاية الامر ان طريق الحرية لا تزال طويلة، وأن الكراهية لا تجابه بطيبة القلب... ولكنها لن تدرك هذا إلا بعد ان تدفع الثمن غالياً. اما مرغريت ووكر، كاتبة الرواية، فإنها ادركته منذ زمن بعيد. ومن هنا اعتبرت، على نسق ما يراه راندال، ان التعليم سلاح فعّال ضد الكراهية والكذب... ومن هنا لم يتوقف قلمها عن الكتابة، فتركت اعمالاً كثيرة غير"يوبيلي"ومنها:"من اجل شعبي"و"يوم اكتوبر".
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.