قبل أيام قرأت حواراً مطولاً مع أحد المسؤولين أجرته صحيفة محلية، الذي أكن له على المستويين الشخصي والإنساني كثيراً من التقدير، كونه رمزاً ثقافياً من رموزنا التي نعتز بها في الجانبين الفكري والثقافي، لكن هذا لا يمنعني من الاختلاف معه، خصوصاً في الجانب الذي يمسنا كمواطنين بشكل مباشر، فما زلنا حتى اللحظة نعاني من مراجعة أي دائرة من دوائره المسؤول عنها، وما زلنا حتى اللحظة نشعر أن ثمة فجوة كبيرة وشاسعة بين ما يقوله في وسائل الإعلام بمختلف قنواتها، وبين ما هو حقيقي على أرض الواقع، وتكفي زيارة واحدة أو حتى المرور على أي مكتب من مكاتب إدارته، وقتها سيتبادر إلى الذهن أن تصريحاته الجميلة بعيدة كل البعد عن أرض الواقع. نحن لا نريد تصريحات قدر ما نريد تلمساً لهمومنا وتفاعلاً جيداً معها، فما زال حتى اللحظة في كل بيت من بيوتنا شاب يبحث عن عمل، رغم المدن والمشروعات الاقتصادية العملاقة التي أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين، ورغم البلايين التي رصدت من أجل تحقيقها، ورغم يقيننا بأنها في الأساس وضعت لنا ولصالحنا نحن الشعب السعودي، ولم توضع لصالح شركات أو عمال أو مهندسين أجانب. ليس مبرراً بحال من الأحوال أن نعلق على شماعة عدم تأهلنا استقطاب كل هذه الأرقام المخيفة من عمالة أجنبية وجلبها لداخل مجتمعنا، وليس مبرراً الادعاء بأن بعض شبابنا غير قادر على تحمل مسؤولية العمل، أو أن رجال الأعمال والمؤسسات الخاصة لا تتجاوب مع النداءات المتكررة ب"السعودة"، فالسعودة ليست عنواناً أو قصيدة، أو لوحة زيتية نرسمها في معزل عن الشارع وعن البيوت وعن الحكايا والقضايا، إننا ولله الحمد أكبر اقتصاد على مستوى العالم، ومع ذلك ما زال بيننا من لا يتجاوز راتبه الألف وخمسمائة ريال، وما زال بيننا من يعاني من فصله التعسفي ومن ضياع حقوقه المادية من هذه الشركة أو تلك، وما زال بيننا من لا يستطيع أن يلبي أبسط متطلبات بيته واسرته، وما زال بيننا من يعاني إحباطاً يزداد كلما سمع تصريحاتكم عن قضائكم على مشاكل سوق العمل في المملكة. إنني هنا أؤكد فخري، وكثير من السعوديين غيري، بكم كرموز ثقافية نعتز بها، لكننا في المقابل متذمرون نتيجة الهبوط المستمر لأداء موظفيكم... إنها رسالة محب أكثر منها مقالاً انتقادياً، رسالة من شخص يحمل لكم في قلبه كل الحب والتقدير، يؤلمه مثلما أنا على ثقة تامة بأنه يؤلمكم أيضاً أن يقرأكم شاب ليقلب الصفحة مختزلاً كثيراً من تاريخكم الناصع في المهام كافة التي توليتموها، والتي كنت لها أهل ثقة وعمل، تاريخك هذا ليس حقاً خاصاً بك، بل هو حقنا جميعاً، وحرصنا على عدم تشويهه يفوق ربما حرصكم، لذلك ومن منطلق أن المؤمن مرآة أخيه أنقل لكم هذه الرسالة، التي بلا أدنى شك ستلتقطونها كعادتكم دائماً في انحيازكم لمن هو أكثر حاجة إليكم، وأكثر حاجة إلى جهدكم الذي اعتدناه كمواطنين طوال سنوات مضت. [email protected]