على رغم أن العمل الشريف «شرف» لصاحبه لأنه يجعله يكسب رزقه من عرق جبينه كما يقول المثل الدارج، وعلى رغم أننا انتبهنا أخيراً للتنويه أن الشغل ليس عيباً تحت شعار «من قال الشغل عيب» كما سمعناه في الإعلان الجميل الذي يحفز الشبان والشابات على الانخراط في الأعمال المهنية بعد أن امتلأ مجتمعنا بموظفي المكاتب! ما زلنا على رغم الثقافة الجديدة التي بدأت تغزو مناهجنا وقنواتنا «نسمع ونعلم» أن هناك عقولاً لا تزال تحتقر العمل المهني، وأن الفئة المحترمة والتي تلقى قبولاً اجتماعياً حتى اليوم محددة في الطبيب والمهندس والعسكري والموظف الإداري فقط والقاضي والإمام. أما بقية المهن «فلا تلقى ذات الاحترام والتقدير، وما زلنا نسمع من البعض صوراً مختلفة من السخرية من الآخرين والمعايرة بأعمالهم، على رغم أنها كلها شريفة ونحتاج لها ولسعودتها. كنت قد سمعت من بعض الممرضات تعليقات تنم عن عدم سعادتهن بنظرة بعض أفراد المجتمع لهن على رغم أنهن يؤدين دوراً رائعاً جداً، وأن من الممرضات السعوديات من أثبتت فعلاً جدارتها وقوتها في مواجهة مجتمع لا يحترم كثيراً الدور الراقي والإنساني الذي يقمن به، والذي يضعها بين مطرقتين «رغبتها الشديدة في العمل» ورغبتها المماثلة في الزواج وتكوين أسرة مع زوج يحترم هذه المهنة ويقدرها. ولكني لم أتوقع مطلقاً أن أسمع معايرة لطبيبة، فلقد ذكرت صحيفة إلكترونية شهيرة أن مواطناً أحضر والدته المريضة إلى أحد مستشفيات مكةالمكرمة وكان بصحبة أخواته البنات، وقام بالتعدي على طبيبة وممرض بحجة أن الطبيبة التي باشرت حالة والدته لم تأمر بدخولها لقسم التنويم، واكتفت بكتابة الأدوية المطلوبة بعد الإسعافات الأولية التي تتطلبها الحالة المذكورة. ما أضحكني وآلمني في الوقت نفسه هو ما ذكره الشاب السعودي في غمرة انفعاله لعدم تنويم والدته، موجهاً كلامه للطبيبة، إذ قال لها كما جاء في الخبر أعلاه «يا اللي بتشتغلي في المستشفيات»! ولا أدري حتى اللحظة ما العيب الذي وجده في المستشفيات حتى يكون العمل بها «عيباً كبيراً استدعى المعايرة» بهذه الصورة؟ «نعم هي حالة فردية» ولكنها موجودة ونعلم عنها جميعاً حتى لو أنكرنا ذلك علانية. ذكرني ما سبق ببعض الإخوة المتشددين الذين يرون عمل المرأة في المستشفيات وفي غيرها «فساداً كبيراً»، على رغم أنهم هم أنفسهم من يطالبون بأن تقوم بالكشف على زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم «طبيبات» وليس أطباء. ماذا لو استمعت النساء لهذه المطالب غير المنطقية، فمن الذي سيكشف على قريباتهن؟ هذا السؤال يشغلني كثيراً. عودة إلى الشاب الذي أعرف أنه يوجد غيره آلاف مؤلفة، فالتعليقات تحت الخبر تترجم ما أقول بحذافيره ما بين تلميح وتصريح! أتوقع أن أتلقى الكثير من الرسائل المهاجمة كالعادة، وأتوقع أن أجد فيها أيضاً معايرة بجملة ستحفر في عقلي إلى أبد الدهر «كفي عن ذلك يا اللي بتشتغلي في الكتابة»! [email protected]