عَبَق يغطي الأفق، وليالٍ استثنائية تقضيها العاصمة"الرياض"كعروس مختلفة في أبهى حللها وفي عمرها البهي الزاهي الرابع والعشرين، تزدان في مساءات مختلفة الملامح والمشاهد، ومتشابهة الذاكرة والحنين، وتستحيل كرنفالاً من الفرح، متفردة بالجمال والتراث الساحر وكثير من الفكر، كل هذا بمهرجان"الجنادرية"الحدث المهم السنوي الذي يعيد لنا تراثاً أصيلاً وتاريخاً عملاقاً، ألقت عليه المدنية الزائفة والحضارة الخجولة شيئاً من قبلات الوداع، والتفاتات إغلاق الذاكرة، إنما كان للوطن العملاق سبق الإصرار على أن يشاهد الجيلان - الحالي والقادم - أبعاداً وطنية خالصة، وتربية وجدانية متأصلة، كرست بشكل تلقائي في الأبناء الذين هم على مسرح المشاهدة، وأولئك الذين غادروا بعظيم الانجاز كثيراً من معاني الاعتداد والفخر والاعتزاز بوطن معطاء له ويكفيه - هوية نقية واضحة - وقِيَمٌ أخلاقية مبهجة، وإرث ثقافي تتكئ عليه أجيال قادمة بفخر لا يُضاهى. لو لم يكن من هذا المهرجان التُحْفَة إلا انه يمسح بقوة صورة مختفية منزوية خلف عبارات تحضر بين حين وآخر"شرقاً وغرباً"عن وطن لا يشاهد فيه إلا مستودع بترول فقط، بينما الرسالة الناصعة البياض التي يحملها تعلن أن المكان بأكمله مستودع ومنجم لقيم حضارية عريقة، وتراث وتاريخ متفردين مجيدين، وثقافة تستعصي على خريطة التجاهل، بل إن لها وللتراث خصوصية عالقة بالقلوب والعقول، ولو كان الوقت متاحاً لعرض كل ما تحمله صفحات تاريخ ذهبي مليء بالعطاء والحب والولاء لاحتجنا إلى مهرجان يومي لكل مكان، لتتضح الرؤية الكاملة ولنستمتع بلوحة"إحالة الصحراء إلى واحة غنية"! في غير هذا الوطن، ومن مكان مختصر مدهش كالجنادرية، ائتوني بوطن واحد جميل متعدد الأطياف والألوان، مختلف الأمكنة، عظيم الذاكرة، ومن ثم شاهدوا ملابسنا الشخصية التي تختلف بها منطقة عن أخرى، وتتباهى بها لحظة الفرح الحقيقي، اسمعوا أهازيجنا المتنوعة، ورقصات فرحنا الغارقة في السمو، رددوا مواويل الحب الذي يولد جديداً مضاعفاً مع كل شطر بيت، انصتوا للهجات مختلفة تطرب لها الآذان وتحفظها القلوب! شاهدوا السهول والجبال وينابيع الماء، تلفتوا للزهور والتلال، المسوا السحاب والضباب، واطمئنوا دائماً ببيت الله الحرام ومثوى الرسول"صلى الله عليه وسلم"، احتفوا حين يلتقي الشرق والغرب والجنوب والشمال في القلب"الرياض"ملتقى كل أعضاء الجسد! "الجنادرية"... مشهد مختلف، يستدرج الدموع إذا شاهدنا كيف عاش الجد وأين؟ ويستحضر الابتسامة، إن عرفنا إلى أين سار الابن بالمكان على خطى الجد! ويأتي بالتفاؤل إذا قرأنا خط سير الجيل الحالي لزرع الانجاز في وطنه!... الوطن هو الوطن، نختلف في الأمكنة والوجوه، لكننا نتفق فطرياً في"العشق"، حين أتحدث عن الجنادرية فإن المشاهدة تغني عن الكلام، ولكن بدون"الوطن الموسوعة"لن نشاهد"جنادرية"مدهشة، وبدون مساحة الإدهاش هذه لن يعرف الطفل ولا الشاب من أين استمد"الوطن"كل هذا الضوء والحضور والإبهار! [email protected]