ليالٍ استثنائية تقضيها العاصمة «الرياض» بدءاً من اليوم، كعروس مختلفة في أبهى حلة، وبعمر بهي زاهٍ يلامس السادس والعشرين، ستزدان في مساءات مختلفة الملامح والمشاهد، متشابهة الذاكرة والحنين، وتستحيل كرنفالاً من الفرح متفردة بالجمال والتراث الساحر واشتراك الأرواح العاشقة. كل هذا بمهرجان «الجنادرية»، الحدث السنوي اللافت الذي يعيد بتوازن وتنافس تراثاً أصيلاً، وتاريخاً عملاقاً ألقت عليه المدنية الزائفة والحضارة الخجولة شيئاً من قبلات الوداع، ورغبات إغلاق الذاكرة. للوطن العملاق عبر فكرة المهرجان - سبق الإصرار على أن يشاهد الجيلان - الحالي والمقبل - أبعاداً وطنية خالصة، وتربية وجدانية متأصلة كرست بشكل تلقائي في الأبناء الذين هم على مسرح المشاهدة، وأولئك الذين غادروا بعظيم الإنجاز، كثيراً من معاني الاعتداد، والسمو، والاعتزاز بوطن معطاء له ويكفيه - هوية نقية واضحة - وقِيَمٌ أخلاقية مبهجة، وإرث ثقافي تتكئ عليه أجيال مقبلة بفخر لا يضاهى، ولو لم يكن من هذا المهرجان التُحْفَة إلا أنه يمسح بقوة صورة مختفية منزوية خلف عبارات تحضر بين حين وآخر «شرقاً وغرباً» عن وطن لا يشاهد فيه إلا مستودع نفط فقط، بينما الرسالة الناصعة البياض التي تنقلها مربعات الصورة تعلن أن المكان بأكمله مستودع قيم حضارية عريقة، ومخزن تراث وتاريخ متفردان مجيدان، وثقافة تستعصي على خريطة التجاهل، بل إن لها وللتراث خصوصية عالقة بالقلوب والعقول، ولو كان الوقت متاحاً لعرض كل ما تحمله صفحات تاريخ ذهبي مليء بالعطاء والحب والولاء لاحتجنا إلى مهرجان يومي ليشارك كل جسد بطريقته ورقصته وبوحه وعشقه، لتتضح الرؤية الكاملة ولنستمتع بلوحة «إحالة الصحراء إلى واحة غنية»! في غير هذا الوطن ومن مكان مختصر مدهش كالجنادرية ائتوني بوطن واحد جميل متعدد الأطياف والألوان، مختلف الأمكنة، عظيم الذاكرة، ومن ثم شاهدوا ملابسنا الشخصية التي تختلف بها منطقة عن أخرى وتتباهى بها لحظة الفرح الحقيقي، اسمعوا أهازيجنا المتنوعة، ورقصات فرحنا الغارقة في النقاء، رددوا مواويل الحب الذي يولد جديداً مضاعفاً مع كل شطر بيت، أنصتوا للهجات مختلفة تطرب لها الآذان وتحفظها القلوب! شاهدوا السهول والجبال وينابيع الماء، تلفتوا للزهور والتلال، المسوا السحاب والضباب، واطمئنوا دائماً - ببيت الإله الحرام ومثوى الرسول، احتفوا حين يلتقي الشرق والغرب والجنوب والشمال في القلب «الرياض» ملتقى كل أعضاء الجسد! «الجنادرية» مشهد مختلف يستدرج الدموع إذا شاهدنا كيف عاش الجد وأين؟ ويستحضر الابتسامة إن عرفنا إلى أين سار الابن بالمكان على خطى الجد! ويأتي بالتفاؤل إذا قرأنا خط سير الجيل الحالي لزرع الانجاز في وطنه! الوطن هو الوطن، نختلف في الأمكنة والوجوه لكننا نتفق فطرياً في «العشق»، حين أتحدث عن «الجنادرية» فإن المشاهدة تُغني عن الكلام، ولكن من دون «الوطن الموسوعة» فلن نشاهد «جنادرية» مدهشة، وبلا مساحة الدهشة هذه لن يعرف الطفل ولا الشاب من أين استمد «الوطن» كل هذا الضوء والحضور والإبهار. [email protected]