شددت الروائية أميمة الخميس على ضرورة انضمام المرأة لعضوية مجالس إدارات الأندية، مستغربة طرح مثل هذا الموضوع للنقاش، طالما أنه حق طبيعي، وبما أن المرحلة اتخذت من"الإصلاح"هوية لها. وقالت في حوار مع"الحياة"إن"الجميع يؤمن بوجود المرأة، وإثباتها لوجودها على المستويين المحلى والإقليمي إن لم نقل العالمي". وأبدت الخميس قلقها من الرقابة الذكورية، التي ينتهجها الرجل ضد أعمال المرأة الإبداعية، ومحاسبته لأي عمل أنثوي إبداعي يعكس واقعاً معيناً في المجتمع، بحجة أن مثل هذا التناول من شأن الرجال"وبالتالي كيف تجرؤ أنثى على تناوله؟"مضيفة أن"الرجل يتعمد أن يجلب الضوضاء حول تجربة المرأة، فأخذت الأنثى هذا المنحى كنوع من التمرد علىه"... فإلى تفاصيل الحوار: لماذا لا تطلبين فسحاً لرواياتك من الجهات المختصة في السعودية؟ - لأنني متحرزة، ودائماً ما تؤرقني رؤية تكدس بعض الروايات على رفوف السوبرماركت، أو المكتبات العامة، فروايتي الأولى"البحريات"على رغم أنها لم تفسح إلا إنها طُبعت طبعة ثالثة، لأنني لا أرى ضرورة الفسح ما دام باستطاعة القارئ الوصول إلى الكتاب الذي يريد، إضافة إلى أنني أرى أن توزيع الكتاب على مستوى كبير سيجعل منه سلعة تجارية كبقية السلع، بينما يهمني القارئ المتذوق المسؤول الذي لا تغريه الإثارة والفرقعات وهذا ما استهدفه. هل يعني هذا أنك تكتبين للنخبة فقط؟ - أنا أكتب للمتذوق، لأن الأدب يصبح مبتذلاً وتجارياً إذا ما استهلك. روايتك الثانية"الوارفة"لماذا اخترتي لها هذا الاسم؟ - قارئ الرواية سيتأكد بأن"الوارفة"اسم مناسب جداً للرواية، ومتفق مع محتواها. هل تعتقدين أن"الوارفة"أضافت شيئاً لروايتك الأولى"البحريات"؟ - حقيقة أنها تناولت زاوية مختلفة، فالبحريات تناولت بُعداً معيناً في بيئتنا المحلية، والوارفة بُعد آخر، لذا أستطيع القول إنها ليست إضافة بقدر ما هي نافذة أخرى على مشهدنا المحلي، كالبيئة والزمان والمكان والتجربة. كيف تردين على من يقول إن"الوارفة"لم تضف شيئاً؟ - هذه دائماً إشكالية نجاح العمل الأول، فبعضهم يتوقع أن العمل الثاني تكملة للعمل الأول، كأن تكون الوارفة امتداداً للبحريات، هم الآخر ينشغل بالمقارنة بين العمل الأول والعمل الثاني. والحقيقة أن"البحريات"خدمت بُعداً مختلفاً تماماً، إذ كانت تتناول حياة النساء الشاميات اللائي جئن من البحر، وتزوجن بسعوديين، وكانت تجربتهن كزوجات مميزة. بينما"الوارفة"تتحدث عن الطبيبة السعودية وكيف اقتحمت مجال العمل، واستطاعت أن تتغلب على الصعوبات التي واجهتها في البيئة النجدية خصوصاً. كيف تقومين آداء المثقفة السعودية؟ - إذا أردنا أن نقوّم شيئاً فلا بد من وجود مقياس، ومقياسنا هنا مقارنة المثقفة السعودية بشقيقاتها الخليجيات، بالفعل ستجد أنها مميزة أكاديمياً وأدبياً على رغم أن الفضاء عندنا ليس صديقاً للمرأة، بل هو فضاء متحرز ومتخوف، ولذلك تحتاج المرأة إلى أن تكون واثقة بنفسها وطرحها، كما ينبغي أن يكون طرحها تقدمي ضمن مسيرة الإصلاح التي نعلق عليها آمالنا. هل تقصدين الضجة التي أثارتها صراحة الدكتور عبدالمحسن القحطاني، بقولك إن الفضاء ليس صديقاً للمرأة عندنا؟ - يبدو أن القحطاني تراجع عن مقولته بعد أن تعرض لهجوم مضاد، وهذا يوحي بأن المرأة موجودة وتستطيع أن تنتزع حقها، فالأخوات الأديبات والمثقفات في جدة أخذن حقهن وأطرن تلك المقولة. تراجع القحطاني هل كان عن قناعة أم خوف من حملة ستقودها المرأة ضده؟ - أعتقد أن كلام القحطاني فُهم وفُسر بشكل خاطئ، ولكن طبيعة المرحلة لا تحتمل هذا الطرح، فالمرأة موجودة سواء شاء القحطاني أم أبى. يرى آخرون أن النقد حقل خاص بالرجل، وبالتالي يستغربون خوض المرأة لتجربة النقد، ما رأيك؟ - معظم الأسماء النسائية النقدية مميزة مثل سعاد المانع، لمياء باعشن، سهام القحطاني، فاطمة الوهيبي، نورة القحطاني وأسماء فازت مؤلفاتهن بجوائز عربية كالدكتورة فاطمة الوهيبي. توجه الكاتبات السعوديات نحو الرواية... إلام يعود في رأيك؟ - لعل كتابة الرواية هو المسرح الوحيد المناسب للمرأة السعودية لتعبر عنه فنياً. فالمرأة السعودية لا تستطيع أن تغني، ولا أن تقدم دراما، ولا أن تصبح ممثلة، ولكنها تستطيع أن تكون روائية، وبالتالي قد يكون هذا المبرر لهذا ال"تسونامي"الروائي. هناك من يرى أن السرد حقل تفوق فيه الرجال، بعكس النساء اللائي يرى آخرون أن كتاباتهن جعجعة بلا طحن، ما تقولين؟ - السرد عبر التاريخ أرض أنثوية، فالأنثى هي التي تتكلم وتحكي القصص، كأمهاتنا وجداتنا عندما كنا صغاراً، فهن اللائي يحكين لنا الأرض الخيال والأحلام والحدس والتوقعات والالتزام والانضباط. ولذلك فالسرد أرض أنثوية كما أسلفت، والرجل في هذه الأرض مجرد غاز ومقتحم لها، لأن الرجل بطبيعته شاعر وفارس، وبالتالي أي قصة أو رواية لمثقفة ما، هي استعادة لأرض سليبة. ولكن بعض الروائيات والقاصات يسوّقْنَ أعمالهن الأدبية بتناول الفضائح؟ - لا اعتقد انه مطروح محلياً بشكل واضح حد الظاهرة، ولكن يجب أن ننظر لها بمنظور فني، فالفني لا يقاس بالخلقي إذ إن للفني أدواته، فإذا ما أُقحمت الفضائح بشكل مبتذل ورخيص تشمئز لها النفوس تلقائياً، لكن إذا جاءت ضمن السياق فهذه المشاهد ضمن الحياة في إطارها ومسارها السردي. ودعني أقول لك أن هذا التحرز جاء كنوع من الرقابة الذكورية، بمعنى كيف تجرؤ أنثى على الحديث عن هذه المواضيع بينما الرجل متاح له أن يتكلم بحرية، فالرجل هنا يحاول أن يجلب الضوضاء حول تجربة المرأة، والأنثى أخذت هذا المنحى كنوع من التمرد. لكن الرجل يقول إن المرأة تكتب بعيداً عن الواقع؟ - لربما الواقع هو بعيد عنها، فهي معزولة عن الواقع، وبالتالي فهي تعبر عن نطاقها الضيق، ولأن الواقع مقصيُّ عنها فهي تعبر عن محيطها. ماذا يعني لك عبدالله بن خميس؟ - انه يخالط البلازما في دمي، إلى درجة انه يستحيل دائماً أن أفصل ال"أنا"عن ال"هو". فأحياناً يكون حاضراً في تجربتي بشكل واع وغير واع. بحكم تجربة والدك عبدالله بن خميس في الشعر الشعبي ودفاعه عنه مرات عدة... هل تقرضين الشعر الشعبي؟ - الحقيقة أن لي موقفاً من الشعر الشعبي، فالقيم الموجودة في الشعر الشعبي قيم صحراوية، وعندما تحاصر القصيدة حضارياً تختبئ بخاصة الموقف من المرأة والموقف من العمل، فالشاعر الشعبي صحراوي لا ينتظم بعمل ولا يبني حضارة. إذاً ما رأيك في القنوات الفضائية الشعبية؟ - لا أشاهدها، ومن هنا أقول كلما تطورت الذائقة المحلية ابتعدت عن الشعر الشعبي، ولتطوير ذائقتنا المحلية يجب علينا تبني المزيد من الفعل الثقافي الجاد والمسؤول، عن طريق تضافر الجهود بين المؤسسات الرسمية والجمعيات الأهلية المعنية بالثقافة. هل تعتبرين ما حدث بين الغذامي والعلي معركة أدبية، على غرار ما كان يحدث بين والدك وأقرانه آنذاك؟ - نستطيع أن نقول انها معركة صحافية أكثر من كونها معركة أدبية، فردودهما لم تتجاوز العبارات والمفردات المعدودة، ولأن الصحافة تحتاج إلى وقود، نجحت في تأجيج ما حدث بينهما. معارك والدك الأدبية، هل لها تأثير الآن على علاقتك بأبناء خصومه آنذاك؟ - اولاً المعارك الأدبية في حقبة والدي وأقرانه كانت سمة تتميز بها صحفنا، ولذلك اشتهرت معارك والدي مع عبدالله بن إدريس، ويحيى المعلمي عندما وقف والدي مدافعاً عن الشعر الشعبي أمام من يرون خطره على الشعر الفصيح، إضافة إلى موقف أبي ضد الشعر الحر، فوالدي كان يرى أن الشعر الشعبي"خزّان"للتراث والثقافة والتاريخ، لذلك فان إلغاءه خطأ جسيم. أما علاقتي بأبناء من خاضوا مع والدي معارك ثقافية فهي ولله الحمد علاقة تقدير واحترام، فعلى سبيل المثال كنت اعمل سوياً مع ابن عبدالله بن ادريس في إدارة الإعلام التربوي، والسبب في بقاء علاقاتنا نحن الأبناء على ما يرام، لأن المعارك الأدبية كانت نزيهة وصادقة ومن اجل الأدب والثقافة، وليست لأمور شخصية. كيف ترين هيئة الصحافيين السعوديين بعد مرور أربع سنوات على تأسيسها؟ - لم نر شيئاً ملموساً، ونطمح لانجاز شيء ما في الدورة الثانية. عندما تكاثرت الظباء ... "انسحبتُ" تؤكد الروائية أميمة الخميس أن السنوات الثلاث الأخيرة"شهدت حراكاً ثقافياً مطرداً تزامن مع حراكٍ على مستويات أخرى، لا سيما ان المرحلة الآن تأخذ من الإصلاح هوية وعنوان لها، فبالتالي قفزت خطوات الحراك الثقافي، بيد أن هناك أموراً نطمح إليها، وهناك أسقف نأمل بأن ترتفع، فضلاً عن الأنشطة الثقافية المهمشة والتي نأمل بأن تعود إلى واجهة المشهد الثقافي، فتقدمنا خطوتين إلى الأمام بشكل مدروس أفضل من تقدمنا ثلاث خطوات مبنية على الانفعال". وتطمح الخميس إلى المزيد من مشاركة المرأة في مجالس إدارات الأندية الأدبية، وكذلك صناعة القرار في وكالة الوزارة للشؤون الثقافية، وجمعيات الثقافة والفنون"كما نأمل مزيداً من الاهتمام بالمسرح والسينما والعديد من الأنشطة الثقافية الجديرة بالاهتمام"، وتستغرب أن تطرح عضوية المرأة في مجالس إدارات الأندية، وتعتبره حقاً طبيعياً لها"ما دمنا اتخذنا الإصلاح هوية لهذه المرحلة، ونؤمن بتواجد المرأة، علماً أن المرأة أثبتت وجودها على المستويين المحلى والإقليمي إن لم نقل العالمي". مشيرة إلى أن غيابها عن نادي الرياض الأدبي، على رغم عضويتها فيه، كان بسبب أنها قدمت ما لديها وتستدرك:"بسبب ارتباطات أخرى فضلت الانسحاب، إذ إنني مرتبطة بوكالة الوزارة للشؤون الثقافية الآن، وعندما تكاثرت الظباء على خراش فضلت الانسحاب".