طفلتان بريئتان كانتا ضحية الوصاية الظالمة، تناقلت صحفنا المحلية قبل أيام قصتيهما المحزنتين، إحداهما في مرحلة الطفولة المبكرة وتبلغ من العمر ثمانية أعوام وهي ما تعارف عليها بطفلة عنيزة، التي عقد والدها قرانها على رجل تجاوز الخمسين من عمره، أي الطفلة في منزلة واحدة من حفيداته الصغيرات... والأخرى فتاة في مرحلة الطفولة المتأخرة تسمى"شيخة"في السادسة عشرة من العمر، وزوّجها والدها لرجل تجاوز السبعين من عمره في مقابل زواجه هو من بنت العريس البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً، أي أن المسألة زواج بدل أو"شغار"كما يسمونه بالمعنى الدارج، فما كان من الفتاة إلا أن قررت أن تضع لحياتها حداً فابتلعت عبوة من محلول الكلوركس، لولا أن تداركتها عناية الله وتمكن الأطباء من إسعافها، وليعرف الناس قضيتها. الحادثتان لصيقتان ببعضهما البعض، منبثقتان من مخلب الوصاية أو الولاية على القصر من الصغار، خصوصاً الإناث، في الوقت الذي يأمر فيه الدين الإسلامي برعاية هؤلاء الصغيرات وحمايتهن وتوفير الأمن والطمأنينة لهن في طفولتهن حتى يبلغن سن الرشد ليقررن مصيرهن بالقبول أو الرفض بعد أن يخبرن بذلك! تُغتال طفولتهن، وتُسلب حقوقهن بأيدي آبائهم الذين من المفترض أن يكونوا هم مصدر الحماية لهن، ولكنهم جعلوا من الولاية عليهن جسراً يعبرون به إلى أهدافهم الجشعة، كما هو واضح من قضية طفلة عنيزة التي قد يكون المال هو الدافع فيها، إذ إن المبرر الذي ذكره والدها للصحافة كان واهياً ومضحكاً، إذ قال إنه يريد الحفاظ على شرفه، وحمايتها وسترها، كما اتفق هو والزوج المنتظر على اتخاذ الدين الإسلامي مطية لتبرير فعلتهما، مستشهدين بسن زواج السيدة عائشة"رضي الله عنها"من الرسول"صلى الله عليه وسلم"متناسين عمداً أو جهلاً أن الرسول"صلى الله عليه وسلم"لم يتزوجها إلا بأمر من الله سبحانه وتعالى لحكمة أرادها، كما زوجه بالسيدة زينب بنت جحش"رضي الله عنها"، وهذا أمر يخص الرسول"صلى الله عليه وسلم"وحده من دون غيره من البشر... وهكذا كان له"صلى الله عليه وسلم"الزواج بعدد من النساء لغايات دينية، وسياسية، واجتماعية، اختصه الله بها ولم يجعلها سنة يتبعها الناس من بعده، وقد اختلف العلماء في تحديد سن السيدة عائشة"رضي الله عنها"، واتفق معظمهم على سن الثامنة عشرة، ماعدا البخاري. أما قضية الفتاة شيخة فالغاية من زواجها واضحة وهي تمتع الوالد بالزواج من ابنة من زوجه ابنته، وفي كلتا الحالتين جعل هؤلاء الدين الإسلامي سبيلاً لإشباع النزوات والشهوات، عن طريق حق الوصاية الذي ملكهم له الشرع بقصد حماية صغارهم وكبارهم على حد سواء، فجعلوه منفذاً لرغباتهم وأهوائهم وفي ظل موت تصرفات جانبت الصواب. هاتان الحادثتان ليستا الأولى أو الثانية ولن تكونا الأخيرتين، وهنالك الكثير من الضحايا الواقعين والواقعات في قبضة مخلب الوصاية، إما بفعل ما يسمونه العنف الأسري، وأنا أسميه"الإرهاب الأسري"وإما بفعل سلب الحقوق، وإهانة الذات الإنسانية، وقتلها بالتعذيب، والترهيب حتى غدا عدد المعوقين لدينا يتضاعف بيد الإجرام الأسري! إننا نطالب القضاء، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وجمعية حقوق الإنسان، وكل جهة لها علاقة بحماية الأسرة، بوضع قوانين رادعة في حالتي الزواج والطلاق، إذ من الواضح أن هذه القضايا كلها ناتجة عن انفصال الوالدين، وكذلك معاقبة كل مأذون يقوم بعقد الأنكحة من دون أن يتأكد من عمر الزوجة وأخذ موافقتها بنفسه، وأن يكون مؤهلاً لكشف ألاعيب الاحتيال والتمويه والتمثيل في هذه المسألة، وكّف أيدي الأوصياء العابثين بصلاحيات الوصايةحتى لا تضيع حقوق الموصى بهم من الأطفال"ذكوراً وإناثاً". [email protected]