لم أملك دمع عيني حينما قرأتُ المقابلة الصحفية مع والدة الطفلة ذات الاثني عشر عامًا، التي دفع بها والدها لرجل ثمانيني مقابل 80 ألفًا، فأنا مثل كل أب يحمل مشاعر الأبوة، كما قال عمر البهاء الأميري حين ودّع أولاده: هيهات ما كل البكا خور إني وبي عزم الرجال أب فقلب الأم، وقلب الأب أرحم قلبين على ظهر البسيطة، ولذا لم يجد أحمد شوقي أرحم منهما ليشبّه بهما رحمة محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رحمت فأنت أم، أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء كان قلب الأم يتقطّع ألمًا، وهي تصف زواج ابنتها القاصرة إلى رجل كبير، وهي لم تبلغ سن الزواج، وهذا الأب لا يحمل قلب أب حتى لو كان الدافع الفقر للحصول على المال، وحتى لو كان الدافع الانتقام من الأم المطلّقة، فلا تزر وازرة وزر أخرى، كيف طاوعه قلبه ليقذف بقطعة منه تحت أقدام رجل ثمانيني؟ إنها القسوة، وإنها فقدان الرحمة، وإنها مأساة حقوق إنسان، ويبقى صامتًا عن القرار في وقف هذا الانتهاك. السكن كان في (بريدة)، وعقد النكاح كان في أم حزم (80 كيلاً عن بريدة)، وحفلة الزواج، أو مأساته في الغاط، وتقول الأم إن ذلك من أجل إخفاء الزواج عنها، وتقول: إن عاقد النكاح اشترط على الزوج تأجيل الدخول بالطفلة مدة سنة، وقد نكث بالعهد، وهو خطأ في أساسه، وحتى بعد سنة سيكون عمرها 13 سنة، وإذا كان قلب الوالد من حجر، فأين النظام من مأذون الأنكحة؟ وأين النظام ممّن يشتري عذاب البشر بماله؟ وليس اشتراط سنة سوى مخرج للخروج من المحاسبة لو صارت. مثل هذه الشريحة لا يحكمها دين، ولا خلق، ولا شيم، لا يحكمها سوى القانون الذي يلزم الأب والمأذون. وفي العام الماضي صرّح معالي وزير العدل أن الوزارة تقوم بإعداد دراسة نظام يتضمن آلية واضحة لتزويج القاصرات، ولم نسمع بصدوره، وإن صدر لماذا لم يطبّقه هذا المأذون؟ أمّا أولئك الذين يحتجون بزواج السيدة عائشة -رضي الله عنها- برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسوا أن محمدًا نبي له خصوصيات، منها زواجه بتسع، ولم يكن أبو بكر -رضي الله عنه- يريد المال، بل يريد الشرف برسول الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم أمهر بناته أقل المهور، ولم يأخذ المال الكثير، إنها حجج ضعيفة، يلجأ إليها أولئك الذين يعذّبون الصغيرات لحاجة في نفوسهم، لا لمفهوم ديني صحيح، وهل يملك الأزواج رحمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! يجب أن يحدد سن الزواج بثماني عشرة سنة، فهذا هو الغالب، بل عليه بعض مذاهب أهل السنة؛ لئلا يفتح الباب لمنهومي المال، أو راغبي المتعة، ولو كانت عذابًا لآخرين، ويجب أن يحتوي النظام على عقوبات للمأذون، وعقوبات للأب، حتى لو سحبت منه الولاية، فالأصل في الولاية هو ضمان حقوق الزوجة، فإذا فرّط فيها الولي فالأولوية لغيره، وبخاصة إن كان نفعيًّا. لا بد من إصدار تشريع، رحمةً بالصغيرات، ورحمةً بالأمهات، وحفاظًا على البناء الأسري، ولا بد من وضع حدٍّ لهذا التجاوز على حقوق الصغيرات، ومَن يفتِ بذلك فهو نصوصي حرفي، لا يفهم مقاصد الشرع، وإن مثل هذه الفتوى تفتح لهوات الآباء الفاقدين لمشاعر الأبوة، اللاهثين وراء المال، وهي تعطي مجالاً لأولئك الذين يستغلّون فقر الفقراء؛ ليأخذوا بناتهم القاصرات مرتعًا لشهواتهم. لا يضبط حقوق الإنسان عند فاقد الإنسانية إلاّ النظام الذي يعاقب المخالف، فبعض الناس لا تستقيم حياته إلاّ بالخوف من العقوبة، ولولا ذلك لملأ الأرض فسادًا، ارحموا الصغيرات من جور الآباء، وارحموا قلوب الأمهات من جور الآباء، وارحموا أولاد المطلّقات من جور الآباء، وصونوا براءة الطفولة من شهوات الذئاب، ومخالب السباع، تذكّروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رفرفت الحمامة بين يديه (مَن فجع هذه في صغارها؟!). الفاكس: 012311053 [email protected]