إنَّ زواج طفلة القصيم من رجل ثمانيني هز المجتمع السعودي لأنَّه يعد جريمة في حق الطفولة والمجتمع ، وخاصة أنَّ الزواج تمّ بالدخول، وفي هذا مخالفة شرعية، لأنَّ الزوجة قاصر، بل طفلة والقاصر ذكراً كان أو أنثى يظل تحت الوصاية إلى أن يبلغ سن الرشد، وبالتالي لا يصح له عقد العقود بما فيها عقد الزواج الذي وصفه الخالق جلَّ شأنه ب»الميثاق الغليظ» في الآية 21 من سورة النساء (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، ولا يصح ولا يتم إلاَّ بموافقة طرفي العقد، ولا يعتد بموافقة القاصر،لأنَّها لا تدرك معنى الزواج وأبعاده ومسؤولياته، فإن كان لا يمنح حق التصرف في ماله، ويوضع تحت الوصاية خشية من هدر أمواله هباءً فمن باب أولى أن لا يعقد مأذون الأنكحة لقاصر، حتى ولو أعلنت موافقتها، لأنَّه في الغالب قد تمَّ خداعها والتغرير بها من قبل أبيها، كما حدث لطفلة القصيم، ولا يحق لوليها حتى لو كان أبوها أن يزوجها دون رضاها إن كانت بالغة رشيدة، فكيف إن كانت قاصراً، فليس للآباء من أمر بناتهم شيء، كما قالت الصحابية الجليلة التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته، فشكت أباها للنبي صلى الله عليه وسلم، فخيَّرها عليه الصلاة والسلام بين إجازة ما صنع أبوها، أو عدم إجازته،فقالت : ( أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن أُبيِّن أنَّ ليس للآباء من أمر بناتهم شيء)،وبناءً على هذا فإنَّ الشرع لا يعطي للأب حق تزويج ابنته دون بلوغها سن الرشد الذي يؤهلها لاتخاذ قرار مثل قرار الزواج، والذي يؤهلها لعقد العقود ، فمثل هذا الأب لابد من نزع ولايته على ابنته، كما قال فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان، لأنَّه ليس مؤهلاً للولاية، فهو لم يزوجها طفلة فقط، وإنَّما زوجها،وبالأحرى باعها لرجل في الثمانين من عمره مقابل ثمانين ألف ريال، بل نجده يريد شراء سكوت الأم بقوله لها سأجعله يعطيك خمسة آلاف ريال،أي أنَّ المسألة مالية بالنسبة له ، ثمَّ كيف يعقد مأذون الأنكحة لطفلة في الثانية عشرة لكهل في الثمانين ؟وتوصيته للزوج بعدم الدخول بها إلاَّ بعد سنة لا تحميه من ارتكابه لهذه الجريمة، بل تؤكد أنَّه يعلم بسنها، وكان الأولى أن يمتنع عن عقد مثل هذا الزواج حتى تبلغ الطفلة سن الرشد، ولا يقبل بقبولها، لأنَّها طفلة ومن السهولة بمكان إغراؤها والتغرير بها، وبالفعل قد تمَّ إغراؤها بجوال، وبتمكينها من رؤية أمها،فمثل هذا المأذون ينبغي سحب رخصة مزاولته لهذه المهنة منه، لأنَّ مثل هذا الزواج لا يحقق المقصد الإسلامي منه في تكوين أسرة،ولا يحقق الإحصان لهذه الزوجة عندما تنضج،وتصبح في سن العشرين مثلاً من زوج في التسعين؟ ثمَّ ما مصير هذه الطفلة المسكينة إن حملت، هل ستتحمَّل الحمل ؟، وإن تحمَّلته هل ستتحمَّل آلام الوضع، أم ستموت أثناء الولادة، وقد أثبتت الدراسات الميدانية التي قامت بها الأممالمتحدة أنَّ أكثر حالات الوفيات أثناء الولادة للأمهات الصغيرات؟ وما مصير الأطفال الذين ستنجبهم ؟هل سيولدون أسوياء أم معاقين ؟،فما أكدته الأرقام والبيانات المستمدة من دراسة أسباب الإعاقة في العالم أنَّ الزواج المبكر وإنجاب الأمهات الصغيرات للأطفال قبل أن يكتمل نموهن ويقوى عودهن يشكل أحد أهم أسباب حدوث الإعاقات لدى أطفال الدول النامية ولدى الأطفال في المجتمع العربي، وهذا ما أكَّدته وزارة الصحة السعودية، من هنا نجد الشرع لا يجيز زواج القاصرات لأنَّه لا يحقق المقاصد من الزواج، فكيف إن كان زواجهن من رجال مسنين؟ • أمَّا عن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي ابنة تسع سنوات، وهو في سن الخمسين، فمن خلال دراسة قمتُ بها وأخضعتها لعلمي الجرح والتعديل تبيَّن ضعفها، فلم يرد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدد سن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عند زواجه منها،وقد اختلفت الروايات في تحديد عمرها عند خطبتها وزواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أوجه هي : 1- أنَّ عمرها ست سنين،وقد أخرجها البخاري من طريق سفيان الثوري، ووهيب بن خالد، وعلي بن مسهر، وحمَّاد بن أسامة عن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجها آخرون منهم الإمام مسلم عن طريق هشام بن عروة، ومن طرق أخرى،وعند إخضاعهم لعلم الجرح والتعديل وُجد فيهم ضعف، وذلك طبقاً لما أورده عنهم ابن سعد في الطبقات، وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب وفي التقريب، والذهبي في ميزان الاعتدال،فمنهم من وصف بالتدليس، ومنهم من تغيِّر، ومنهم من له غرائب، ومنهم من أخذ عن أهل العراق. 2- رواية سبع سنين، وقد انفرد بها مسلم عن البخاري، ورواية مسلم في صحيحه قد وردت عن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، وهي مرسلة. 3 - رواية الشك « ست سنين، أو سبع». فهذه الروايات لا ترقى إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة، إضافة إلى وجود قرائن كثيرة لا تتفق مع زواج السيدة عائشة رضي الله عنها من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي ابنة تسع سنوات، منها: • ما ذكره ابن كثير في»البداية والنهاية» أنّ أسماء بنت أبي بكر كانت تكبر أختها عائشة بعشر سنوات، وقد توفيت أسماء عام 73 هجرية عن عمر يناهز مائة سنة، كما جاء في «البداية والنهاية» وفي «الأعلام» للزركلي، وغيرهما من كتب الأعلام والتاريخ، ومن ثم يكون عمر أسماء بنت الصديق عام الهجرة 27 عاماً، فكيف يكون عمر أختها التي تصغرها بعشر سنوات سبع سنوات في العام نفسه؟ لو حسبنا الأمر، لاتّضح لنا أنّ الرسول خطب أو تزوج السيدة عائشة وعمرها 17 عاماً تقريبا،.وبنى بها وهي ابنة تسعة عشر عاماً. • أجمع الرواة على أنَّ السيدة عائشة كانت مخطوبة قبل خطبتها من رسول الله « جبير ابن المطعم بن عدي « الذي أسلم في العاشرة للهجرة. فمتى خطبها؟ ليس معقولا أن يكون خطبها وأبو بكر مسلم وآل بيته مسلمون، فمن المحتم - أنَّها كانت قبل بعثة الرسول، أي قبل ثلاثة عشر عاماً. فإذا بنى بها الرسول في العام الثاني للهجرة، يكون سنها - آنذاك - قد جاوزت الرابعة عشرة، هذا إن خطبت لجبير عند ولادتها، وهذا مستبعد جداً، خاصة أنَّه ذكر أنَّها خطبت له عندما بدت عليها علامات الأنوثة، ولا تظهر علامات الأنوثة على الصغيرة إلاَّ إذا اقتربت من البلوغ . وهناك قرائن أخرى لا يتسع المجال لذكرها، من هنا أناشد معالي وزير العدل للمرة الثانية أن يسارع في إصدار نظام لتحديد سن أدنى للزواج، وهو سن (18) سنة باعتباره سن الرشد في المملكة العربية السعودية، ويتفق مع اتفاقية حقوق الطفل الدولية التي التزمت بها المملكة العربية السعودية، مع نزع ولاية ولي الفتاة التي يزوجها دون الثامنة عشرة، ومعاقبة المأذون الذي يعقد دون بلوغ الزوجين سن الرشد، مع سحب ترخيصه وحرمانه من مزاولة المهنة.