بعد نشر مقالي السابق تحت عنوان"العدالة الاجتماعية والسلم الأهلي"، يوم الاثنين الماضي، وصلتني ردودٌ وتعليقات من العديد من الأصدقاء والقرّاء الكرام، كان منهم المؤيّد والمعارض لما جاء في المقال، والحقيقة أن ما كتبته في مقالي الأول هو محاولة بسيطة لمناقشة موضوع بالغ الأهمية من منظور عالميّ، عربيّ ومحليّ، ولِلَفت النظر إلى أهميّته، خصوصاً أنّنا قد بدأنا نجني بعض ثمار"السوبر رأسماليّة"المتمثّلة في الانهيار الأخير لسوق الأسهم العالمية، وهي تفاعلات ناتجة عن أزمة قروض الإسكان في الولاياتالمتحدة الأميركيّة التي بدأت السنة الماضية تحت غطاء وعنوان"حريّة الأسواق"، ونتيجة لاحتكار البنوك وضعف الرقابة عليها. أمّا ما قدّمته من حلول، فهو عبارة عن رأيٍّ شخصيّ يمكن أن أكون به على خطأ أو صواب، وقد ناقشني، وبجديّة في موضوع المقال، أحد الأشخاص الذي أحترم رأيه، وغالباً ما آخذه بعين الاعتبار، وبعد نقاش مطوّل اتفقنا على أنّ الموضوع لا يزال يحتاج للمزيد من التوضيح والتعقيب، فحسب تعليقه"إنّني قد قدّمت اقتراحاتٍ مهمّة، ولكنّها تحتاج لمزيد من الشرح نظراً لأهميّتها بالنسبة للمواطن، وكونها تمَسّ حياته اليوميّة". فأولاً: بالعودة إلى موضوع دعم الدولة لأسعار المحروقات في المملكة العربية السعودية، بهدف خفض أسعارها، وبالتحديد أسعار وقود السيارات الذي يُباع بسعر45 هللة لليتر الواحد، فيُقدَّر هذا الدّعم بنحو أربعة بلايين دولارٍ أميركي سنويّاً، وهو على سبيل المثال ضعف ما تقدّمه الدولة لدعم المعوّقين سنويّاً، وذلك بعد أن تمّ مضاعفة هذه الموازنة بأمر من خادم الحرمَين الشريفَين الأسبوع الماضي، لتصل الى بليوني دولار سنويّاً، بحسب تصريح وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين. وبما أن دعم أسعار الوقود تأثيره غير ملاحظ على ذوي الدخل المحدود، فمن الأجدى صرف هذا المبلغ لدعم الشؤون الاجتماعية، أو التربية والتعليم، ولكن بحسب رأيي الشخصي والمتواضع، الطريقة الأمثل لصرفه هو بزيادة مقطوعة لرواتب موظفي الدولة، أصحاب الرواتب المحدودة، عِوضاً عن دعم المحروقات الذي يشجّع الناس على شراء وقيادة السيارات الضخمة، من دون التفكير بكميّة استهلاكها للوقود أو تسبّبها في ازدياد التلوّث، من دون أن ننسى أنّ هذا الوقود هو عبارة عن سلعة ناضبة، فلو أخذنا بعين الاعتبار أنّ 25 في المئة من السكان مصنّفون من ذوي الدخل المحدود، وقمنا بزيادة ودعم مدخول العائلة الواحدة المؤلّفة من خمسة أفراد، بمبلغ 5000 ريال سنوياً، فسيحاول أفراد هذه العائلة توفير بعض هذا الدعم لحاجاتهم الأوليّة من خلال اقتصَادهم في استهلاك الوقود، ومن ناحية أخرى نقوم بزيادة سعر المحروقات بنسبة بسيطة ومحدودة سنويّاً على غرار ما قامت به الحكومة البريطانية، إذ قامت بزيادة النسبة الضريبيّة 5 في المئة سنوياً وعلى مدى الثلاثين سنة الأخيرة، بعد انقطاع نفط العرب عنها سنة 1973 ما جعل أسعار الوقود فيها ترتفع إلى أن بلغت أعلى المستويات عالمياً، ولست أتمنّى أن تصل أسعار الوقود لمستوى أسعار بريطانيا نفسه، ولكن أتمنّى أن نوقف الدعم الحكومي نهائياً وتدريجياً وأن يوجَّه الدعم لما هو أهمّ. ثانياً: أقترح فرض الرسوم على الأراضي البيضاء الموجودة داخل النطاق العمراني للمدن، إمّا بنسبة 2.50 في المئة سنوياً، أو بقيمة مقطوعة للمتر الواحد، كما يُفرض رسم 1 في المئة من قيمة الأرض عند بيعها، كما هو معمول في دول خليحية أخرى... وسبب مطالبتي بفرض الرسوم هو تشجيع الناس على عدم استخدام الأراضي البيضاء كوسيلة للاستثمار وركود الأموال، فالأجدى هو أن يتمّ تشغيل واستثمار هذه الأموال في مشاريع تخدم المجتمع وتحرّك الدورة الاقتصاديّة، كما أن استخدامها كوسيلة استثماريّة، يرفع من سعرها ويجعلها بعيدة المنال على ذوي الدخل المحدود، وحتى متوسطي الدخل، ويجعلهم يتجهون لبناء المساكن في المناطق البعيدة عن المدينة ما ينتج عنه العديد من السلبيات منها، تشكّل المناطق الجديدة والبعيدة عِبئاً على الدولة يتمثّل في إيصال الخدمات كالماء والكهرباء والمجاري والهاتف وغيرها، فضلاً عن بناء المدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات، في حين تقبع الأراضي التي وصلتها هذه الخدمات منذ سنين خالية من دون أيّ استخدام، ومن دون أي مدخول لشركة الكهرباء التي أوصلت الخدمة للموقع أو شركات الهاتف أو الماء والمجاري، ومنها - أيضاً - إنّ من يسكن في المناطق البعيدة يُضطّر إلى قيادة مسافات من والى مكان عمله أو إلى السوق لقضاء حاجاته مستهلكاً الوقود المدعوم بآلاف الملايين. ويمكن تحصيل هذه الرسوم للبلديّة لصرفها على إصلاح الشوارع وإنارتها، وإيصال الخدمات للمنازل، اوإنشاء الحدائق العامّة، ومن المعلوم أن معظم دول العالم عندما تعطي ترخيصاً لتحويل أرض إلى وحدة سكنيّة تشترط أن تتمّ عمليّة البناء عليها خلال فترة معيّنة، وإلاّ تُسحب هذه الرخصة وتُعطى لآخر، لذلك نادراً، بل من المستحيل أن تجد أراضي بيضاء وسط أحياء سكنية، وداخل النطاق العمراني في أي دوله أوروبية أو غربية، ويتم تطبيق هذا النظام في المدن الصناعيّة السعودية. ما سبَق هو بعض الأمثلة التي سقتها هنا لإيصال نقطة مهمة، وهي أنّ المجتمع الذي يُهمل فئة أساسيّة من عناصره، سواء جهلاً أو طمعاً، سيُضطرّ يوماً ما إلى أن يدفع الثمن الباهظ عندما تبدأ البطالة بالانتشار، والجريمة بالتفشّي، ما يهدّد السلم الأهلي، ويُزعزع أركان المجتمع، ويخلق طبقيّة بغيضة. فالمجتمع المتقدّم والمتطوّر يرعى الأقل حظاً ويخلق لهم الفرص ويمكنّهم، ليرتقي المجتمع بأكمله، وهذا ليس بغريب عن مجتمعنا السعودي الكريم الذي فطر على عمل الخير، ويستقي تعاليمه من ديننا الحنيف، وكلّ ما يفتقر إليه الآن هو الآلية لتطبيق هذه العدالة المطلوبة دينياً واجتماعياً. [email protected]