لعلّ أخطر ما يواجه العالم اليوم، هو عدم إدارك الكثير لخطورة إحدى نتائج العولمة المتمثّلة في الانفتاح الاقتصادي العالمي وسيادة نظام الرأسمالية وتفرده، ولقد أدّى هذا الانفتاح الى ارتفاع التبادل التجاري بين دول العالم وظهور ما يُعرف بظاهرة"السوبر رأسمالية""Super Capitalism"، وهو نظام رأسمالي يدعمه المحافظون الجدد في أميركا، وقد حذّر منه الكثيرون مثل وزير العمل الأميركي السابق روبورت رايخ، حين بدأت معالمه بالظهور في أميركا ومنها انتشرت في أنحاء العالم كافّة. ولعلّ أبرز هذه المعالم هو ازدياد ثروات الأغنياء وتضاعف أعدادهم بنسب كبيرة، في حين ازداد الفقراء فقراً من ناحية أخرى، والعالم العربي ليس بعيداً عن هذه الظاهرة وأثرها بادٍ للعيان، ليس فقط في دول الخليج الغنيّة، بل أيضاً في الدول الأقل غنىً مثل مصر والأردن ولبنان وسورية، ويهدّد هذا الاختلال في التوازن الاجتماعي واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، السلم الأهلي، كما ينذر بمشكلات اجتماعية خطرة. فالعدالة الاجتماعية هي أحد أهمّ مقوّمات التنمية، إذ أنّه حيث وُجدت العدالة الاجتماعية، يكون هناك تطوّر ونموّ وسلم أهلي بين أفراد المجتمع، وخير مثال على ذلك الدول الاسكندنافيّة، التي تُعتبر مستويات الدخل فيها من أعلى النسب في العالم، حيث تجد ان الفجوة بين الأغنياء والفقراء ليست كبيرة أو على الأقل ليست ظاهرة للعيان. وبدأت المملكة العربية السعوديّة أيضاً تعاني من هذه المشكلة التي أصبحت جليّة للعيان، خصوصاً مع الانتعاش"الطفرة"الاقتصادية الأخيرة، وما نتج عنها من صفقات تجارية وارتفاع سوق الأسهم، فقد ظهرت طبقة ما يعرف ب"Super Riches"، في حين بقي الكثير من المواطنين السعوديين من ذوي الدخل المحدود، يعانون من تأمين لقمة عيشهم وتسديد الفواتير المترتّبة عليهم، خصوصاً الذين يعيشون في المناطق والقرى النائية، وفي إحصائية نشرت أخّيراً في إحدى الصحف المحليّة حول تملّك السعوديين لمساكنهم الخاصة، تبيّن أن غالبية الشباب السعودي لا يملكون مساكنهم الخاصة، وأصبح تملّك منزل خاص أو حتّى شقّة صغيرة، حلماً بعيداً يراود الشباب ويجهدون في سبيل تحقيقه، وغنيّ عن الذكر أنّ المسكن والتعليم والرعاية الصحية هي من أبسط حقوق الإنسان، وحاجات أساسيّة على الدولة أن تسعى لتأمينها للمواطن. أضف إلى ذلك، أنّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية كان له تأثير كبير على المواطنين ذوي الدخل المحدود، مّا استدعى تدخل وزارة التجارة أكثر من مرّة، سواء مع التجّار والموردين، أو في إلغاء التعرفة الجمركية، ودعم بعض السلع الأساسية بقصد خفض أسعارها، ولكن هذا التدخّل كان له تأثير محدود جدّاً في معالجة التضخّم، إذ عجزت الوزارة عن التحكّم في أسعار سلع البناء مثل الاسمنت والحديد، على رغم أنّه يتمّ تصنيعه في المملكة. وفي اعتقادي الشخصي، أن سياسة خفض أسعار المحروقات مثل البنزين لكن هذا الدعم شجّع المواطنين على الإسراف في استهلاك المحروقات، كما أن هذا الدعم كان له تأثير بسيط على ذوي الدخل المحدود، فالأجدى لو تمّ توزيع المبلغ الذي خُصّص لدعم المحروقات مباشرة على ذوي الدخل المحدود، عن طريق رفع رواتبهم بمبلغ مقطوع، وليس على أساس النسبية، على سبيل المثال، في حال زيادة الرواتب بنسبة 5 في المئة، يكسب الشخص الذي يقبض راتب 40.000 ريال، مبلغ 2000 إضافي، في حين يحصل الشخص الذي يقبض 2000 ريال شهريّاً على مبلغ 100 ريال فقط! فلو وُزِّع الدعم كزيادة على رواتب موظفي الدولة بمبلغ مقطوع على سبيل المثال 1000 ريال لجميع الموظفين في الدرجات كافّة، لكان تأثيره على ذوي الدخل المحدود أكبر، كما يجب على وزارة العمل فرض حدّ أدنى للأجور، بغض النظر عن جنسية العامل أو الأجير، مّا يسهم في خلق فرص عمل إضافيّة للسعوديين ويقلّل من العمالة الوافدة وغير المنتجة، ومن إسراف استخدام العمالة في الصناعات والاتجاه أكثر للمكنَنة، ممّا يزيد من الإنتاجيّة، وهذه السياسة اتبعتها الدول المتقدّمة منذ فترة طويلة من الزمن، مّأ أدّى إلى تحسّن مستوى الدخل والمعيشة عند ذوي الدخل المحدود في هذه الدول. ومن أكثر الوسائل فعاليّة لمحاربة الفقر والقضاء عليه هو فرض التعليم الإلزامي للجميع لكِلا الجنسين، وحتّى سن 16 سنة، حتّى لا يبقى هناك أيّ فئة من المجتمع متخلّفة عن الركب، كما أنّ التعليم هو السُلّم الذي يستطيع أن يتسلّقه الفقراء للخروج من مستنقع الفقر، بناءً عليه، يجب المحافظة والحرص على تأمين التعليم المجاني وصرف المكافآت في الجامعات على المحتاجين من الطلاّب المتفوّقين. كذلك يجب تأمين المسكن الميسر للشباب وذلك بمضاعفة قروض الصندوق العقاري من 300 ألف إلى 1,200,000 ريال سعودي في المدن، ومليون ريال خارجه، وأن يكون هناك إلزامية في تسديد هذه القروض، للتقليل من مدّة الانتظار ومساعدة الشباب في امتلاك بيوتهم الخاصّة. كما يجب فرض"رسوم"على أصحاب"الأراضي البيضاء"الموجودة داخل المدن في النطاق العمراني، والتي لم يتمّ بناؤها، حتى لا يكون تملّك الأراضي وسيلة أو خياراً استثمارياً، بدل استثمار الأموال في مشاريع أخرى تسهم في تدوير العجلة الاقتصاديّة وخلق الوظائف والتقليل من أثر ارتفاع اسعار الأراضي. [email protected]