بدأت الهجرة العربية الأولى لأميركا في أواخر القرن التاسع عشر، إذ توافدت على الولاياتالمتحدة السفن المحملة بعرب الشام"المسيحيين خصوصاً"الذين فضلوا الهجرة إلى العالم الجديد هرباً مما اعتبروه تمييزاً ضدهم من الدولة العثمانية، وخلال 24 عاماً امتدت ما بين عامي 1892 و1924 وصل أميركا نحو 213 ألف عربي من دول لبنان وفلسطين وسورية"عدد المهاجرين الكلي في تلك الفترة إلى أميركا يساوي 12 مليوناً يشكل أحفادهم اليوم 40 في المئة من الشعب الأميركي"، ولولا قانون"الأصل القومي"الذي صدر في العام 1924"ألغي في العام 1965"الذي حد من الهجرة غير الأوروبية لأميركا، لكان عدد العرب اليوم في أميركا - ربما - يفوق العشرين مليوناً وليس أربعة ملايين تقريباً، بحسب الإحصاءات الأخيرة. لكن على رغم هذا الحضور العربي في أميركا الذي يمتد لأكثر من مئة عام إلا أنه لم يكن له - وليس له الآن - أية أهمية تذكر مقارنة بحضور عرقيات أخرى مهاجرة أسهمت بشكل فعال في الحياة الاجتماعية الأميركية، وصار لها ثقل ملموس في موازين القوى الاقتصادية والسياسية، ويرجع سبب ذلك إلى أن العرب يمتهنون في الغالب مهناً عمالية ليس لها تأثير كبير في صناعة القرار في المسائل الاقتصادية والسياسية، خصوصاً في التجمعات العربية التي يمكن لها أن تؤثر في الرأي العام والانتخابات المحلية والقومية، كما هي الحال في مدينتي ديترويت وديربورن"يوجد بها اكبر جالية عربية"في ولاية ميتشيغان... إضافة لذلك فإن عدم وجود منظمة عربية واحدة"شبيهة بمنظمة إيباك، أو المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي"تجمع الأطياف العربية المختلفة وتوحد رأيها وقراراتها أسهم أيضاً في ضياع الأصوات العربية القليلة في الفضاء الأميركي الشاسع"يمثل العرب 1.3 في المئة من مجموع سكان أميركا". العرب الأميركيون ساعدوا جورج دبليو بوش في الفوز بولايتيه الرئاسيتين، ولطالما كانوا في جانب الجمهوريين خلال السنوات الماضية، لكن انحيازهم هذا لم يكن ليقدر أبداً أو يمثل أية قيمة وزنية من جانب الجمهوريين بسبب غياب التفعيل الإعلامي للرأي العربي، وأهمية الصوت العربي في الانتخابات المحلية أو القومية، فالصوت العربي يأتي في الظلام ليدفع المسيرة الجمهورية ثم يعود للظلام من حيث أتى، من دون طنطنة قنوات تلفزيونية كال"سي إن إن"، و"فوكس نيوز"، أو شنشنة جرائد قومية كبرى كالواشنطن بوست، والنيويورك تايمز، وبالتالي فلا يظهر له تلك الأهمية الكبيرة التي تظهر لبعض الأقليات الأخرى كاليهود مثلاً الذين تساوي نسبتهم من الشعب الأميركي نسبة المسلمين تقريباً، لكنهم على عكسهم، منظمون جداً، ومدعومون بآلات إعلامية ضخمة تستطيع أن توجه الرأي العام الأميركي إلى الوجهة التي تريدونها، إضافة إلى ذلك فإن الكثير جداً من أفراد الجالية العربية لا يرهنون أصواتهم لصناديق الاقتراع بسبب الخلفية العلمية الضئيلة أو بسبب ما يحملونه في رؤوسهم من إرث عربي يكفر بالانتخابات في كل زمان ومكان، أو بسبب عدم تقديرهم لأهمية الصوت العربي في تغيير وجهة الانتخابات. بعد مرسوم آشكروفت سيئ السمعة المسنون بواسطة وزير العدل السابق جون أشكروفت في تشرين الثاني نوفمبر من العام 2003 والذي نتج عنه تضييق الخناق على العرب والمسلمين بعد هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر، بعد صدور هذا المرسوم مال الكثير من العرب إلى الجهة الديموقراطية بعد رحلة تاريخية مع الحزب الجمهوري، ولحقتهم البقية الباقية بعد ترشح باراك أوباما ممثلاً للحزب الديموقراطي في الانتخابات المقبلة، لأنه يمثل من وجهة النظر العربية انتصاراً للأقليات العرقية في مواجهة الغلبة الأوروبية"البروتستانتية خصوصاً"، إضافة إلى أنه ندٌ لجون ماكين الجمهوري الذي يسير على خطى الإدارة الجمهورية الحالية. كل المؤشرات تشير إلى أن العرب سيصوتون لصالح الديموقراطيين في الرابع من نوفمبر المقبل، لكن هل ستصل أصواتهم إلى صناع القرار الأميركي؟ أو السؤال بصيغة أكثر وضوحاً، هل: ستحترم أصواتهم ويكون لها ثقل في موازين القوى الأميركية؟ أم أنهم سيسيرون على الخط نفسه الذي كانوا يسيرون عليه في السنوات الماضية، يأتون من الظلام ثم يدفعون العربية الديموقراطية للأمام ثم يعودون إلى الظلام من جديد؟ يبدو أن الوقت متأخر الآن لإحداث أية أهمية للصوت العربي في الانتخابات المقبلة، قد يكون للعرب كلمتهم في ترجيح كفة أحد المرشحين للرئاسة في ولاية ميتشيغان التي يوجدون فيها بكثرة، لكن في المقابل لن تكون لهم أية قوة ضاغطة في المستقبل المنظور المتمثل في السنوات الأربع المقبلة، لكن عليهم إذا ما أرادوا أن يحترم وجودهم في أميركا في المستقبل الذي يلي السنوات الأربع المقبلة أن يبدأوا من اليوم في الترويج لأهمية أصواتهم من خلال التجمع في منظمات مدنية تحمي مصالحهم وتحمل صوتهم الموحد، وعليهم أيضاً أن ينشئوا وسائل إعلامية قومية تروج لأصواتهم. عليهم كذلك أن يقايضوا أصواتهم في مقابل الحصول على ضمانات سياسية معينة داخلية أو خارجية تتماس مع قضاياهم الحاضرة والمستقبلية... عملية التبرع بالصوت لمرشح معين على أمل أن يكون له سياسة معينة تتوافق مع حاجات الناخب ليست بذات معنى بالنسبة للناخب المنتمي لأقلية معينة، والأفضل - إن لم يكن لهذا الصوت وعد معين يضمن له حقوقاً معينة في مقابل وضعه في صندوق الاقتراع - الأفضل له أن يظل في فم صاحبه، لأنه في هذه الحال سيذهب كما الرماد الذي تذروه الرياح! يجدر كذلك بالجالية العربية، التي يمثل المسيحيون نصفها، أن تبحث عن وسائل معينة تتحد بها مع أقليات أخرى لدعم مواقفها الانتخابية كالجالية المسلمة غير العربية، أو الجاليات الآسيوية، أو حتى الهيسبانيك الذين تتقاطع مصالحهم مع مصالح الجالية العربية. أتمنى أن يكون الصوت العربي مدوياً في انتخابات 2012 إلى الدرجة التي تمنع المترشحين للرئاسة الأميركية حينذاك من التعرض بسوء لبلدان الشرق الأوسط في حملاتهم الترويجية، وأتمنى ذلك رحمة بالعرب الأميركيين الشرق أوسطيين، ورحمة برأسي أنا العربي الشرق أوسطي الذي أصابه الصداع من خطب أوباما، وماكين الانتخابية اللذين لا يفوتان شاردة أو واردة من دون حشر كلمات معينة"مغلفة أو مكشوفة"تعبر عن عدائهم للشرق الأوسط الشرير الذي يزوّد أميركا بالنفط! * كاتب وصحافي سعودي [email protected]