تريستان برنار أديب فرنسي ساخر، مشهور بقفشاته اللاذعة، وسخريته الطريفة، وكانت أكثر معاناته مع الطعام وقوائم الأسعار وأصحاب المطاعم، وذات يومٍ دخل مطعماً من مطاعم باريس بعد الظهر، وكان ذلك المطعم أقل من المتوسط في جودة طعامه وطريقة الخدمة، فنادى الأديب تريستان الخادم، ولما حضر طلب منه أن يأتيه بقطعة جبنٍ وشريحة لحمٍ مشويةٍ من دون إبطاءٍ لارتباطه بموعدٍ بعد ربع ساعةٍ. فذهب الخادم وجاءه بما طلب، فأكل تريستان اللحمة والجبن على رداءتهما، ليطلب بعدها قائمة الحساب، فإذا بالمبلغ 60 فرنكاً، وهو مبلغ ضخم يطلبه صاحب مطعمٍ من الدرجة المتوسطة في مثل تلك الأيام، فلم يكن منه إلا أن نادى صاحب المطعم فجاءه مسرعاً، وهو رجل طويل القامة له لحية كثة كلحيتي فلما رأيته قلت له: هيا بنا نتعانق! - نتعانق لم يا سيدي؟ - تسأل لم العناق؟ لأنك لن تراني بعد اليوم! ويحكي عن نفسه فيقول: إنه في ليلةٍ من ليالي سنة 1921، كنت أشاهد روايةً تمثيليةً في احد المسارح الباريسية لا يحضرني اسمه الآن، وكان النعاس يراود عيني، فأبذل قصارى جهدي لطرده، فلم يكد ينتهي الفصل الأول وتضاء الأنوار للاستراحة بضع دقائقٍ حتى قمت من مكاني وتوجهت شطر باب الخروج بعد أن تناولت ردائي المعلق على المشجب، وفيما أنا على أهبة الانصراف وقع نظر المراقب العام عليّ، وهو يعرفني معرفة جيدة، فهرول نحوي قائلاً: - أذاهب أنت يا سيد برنار؟ - أجل... - ولكن الرواية لم تنته بعد! - صحيح... أنا ذاهب لأنها لم تنته! ومن أقواله الساخرة الداعية إلى الكسل: الإنسان لم يخلق ليعمل! والدليل على هذا أن العمل يتعبه. هذا الكسول الزائف كتب عدداً من المسرحيات الناجحة التي بقيت بعضها على رغم تعاقب السنين روائع أدبيةً بحقٍ، وطوال نصف قرنٍ كانت باريس تعزو إليه كل الأقوال الظريفة التي كانت تدور في عالم المسرح، وأحياناً كانوا يعزون إليه ما لم يكن صادراً عنه، وذلك أمر معروف، فما معه يكفي ويزيد.