يدّعي أنه مختلف عن بقية الرجال. وقد راهن منذ أحبّ من كل قلبه وتزوج من أحبّ، أنه لن يولي امرأة أخرى اهتماماً، وأنه مستمرٌ في دفقه العاطفي لزوجته الوديعة الوفية، حتى أنّ أصدقاءه الكثر بدأوا يشعرون بالضيق من أفكاره الغريبة. وحقاً كان كذلك. زوجته تؤكد وفاءه، نظراته الحالمة، خطواته على كل الطرقات، وحديثه المتّزن في مجمل الجلسات التي غالباً ما يكون محورها. لم يستطع الروتين أن يختطفه من عالمه المليء بالتجديد والمغامرات والمفاجآت. إنه يكتب السيناريو ببراءة ويؤديه ببراعة، ليغدو في مقدوره أن يحافظ على حلمه الأول وحبه الأول. بمناسبة أو من دون مناسبة، يختطف النظرات من زوجته كعاشق ولهان، يُطرِها بكلمات الغزل الرقيق، يباغتها بالهدايا. ما ألطفه وأرقه وهو يلعب مع أولاده الصغار، يعود طفلاً ليلج عالمهم ببراعة. وكم تعلوا ضحكاتهم، وهو يروي لهم الطرائف. يدّعي أنه مختلف تماماً. وقد نجح في مجابهة الإغراءات الكثيرة التي اعترضت طريقه. وكم من مرة نجا بنفسه من نظرة خطرة أو كلمة لها وقع الصاعقة، أو موقف بلغ من الإحراج أقصاه. زوجته مطمئنة راضية، هانئة في تزجية أيامها، وها هي تزداد تألقاً وجمالاً. لم تُهمل قط الاعتناء بمظهرها وجوهرها، لتكون عوناً له في مواجهاته المستمرة والتجارب التي يمر بها. واضحٌ ذلك الرجل. صريحٌ في طرح آرائه. يحب الضوء والأضواء. لكن كل ذلك لم يوقعه في الرتابة، فكل يومٍ يأتي هو يوم جديد تماماً عليه، يبدأه بطريقة مختلفة ويُنهيه بطريقة تُبعده عن نهايات الأيام السابقة. حاضرٌ هو على الدوام، فإن لم يكن في المنزل تجده في مكتبه منهمكاً إلى الحدود القصوى لإنجاز أعماله. وإن لم يكن في المكتب، فهو في السوق ليشتري كل ما تحتاج إليه الزوجة الوديعة والأولاد الجميلين. وإن لم يكن في السوق، فلابد من أنه في المتنزهات يرقب أولاده يلعبون فرحين. حاضر هو على الدوام، وفي إمكانه في أي محكمة، أو محضر تحقيق، أن يثبت وجوده في مكانٍ ما، فشهوده كثر وأدلته قاطعة. فقط في اليوم الرابع من كل أسبوع، وفي الساعة الرابعة تحديداً، يتوارى عن الأنظار لساعتين. ومن الغريب في الأمر أن أحداً ممن يعرفه، وعلى مدى ثلاث سنوات يسأل عنه في تلك الساعتين. لقد اختار وقتاً مهملاً لا يشغل بال أحد ليمضي إلى ما يمضي إليه. في الرابعة تحديداً من اليوم الرابع، يمضي إلى حي شعبي، يستل مفتاحاً صغيراً، صغيراً، لا يراه أحد ويدخل شقة منزوية في أحد الأبنية هناك. يستل مفتاحاً صغيراً، صغيراً خفياً لا يكاد يراه أحد. خلف الزاوية بنيت قصراً من الأشواق أسكنه ما همني كل من كانوا بمجتمعي يحلو المكان ويغدو جنة أبداً ما دمت تسكن في هذا المكان معي [email protected]