يرى الدكتور خالص جلبي أنه من المهم جداً الانطلاق بمشروع الجينوم القرآني"حالياً يعكف الألمان على مشروع الماموت من هذا النوع. وكما فعل العلماء بفك الجينوم البشري في لوس آلاموس، كذلك يعكف حالياً فريقان من العلماء الألمان على فك الجينوم القرآني". ويضيف:"كان الجينوم البشري لفك الكود الوراثي الراقد في بطن كل نواة خلية، كذلك الجينوم القرآني راقد لوحاً محفوظاً في نصوص تتلى للضمير إلى قيام الساعة. يتمتع الجينوم البشري بثبات مذهل خلاف الميتوكوندريا في السيتوبلاسما، كذلك النص القرآني يتعالى على قول البشر بنظم خاص فليس هو بشعر ولا نثر بل قرآن عربي غير ذي عوج. يحوي الجينوم البشري العضوي 3 بلايين حمض نووي مترابطة على شكل جسر ملفوف صعوداً، ويتكون الكود القرآني من 114 سورة و6200 آية في 18 جزءاً مكياً و12 جزءاً مدنياً، نزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا ، ثم نزل على مكث تنزيلاً، ونفهم ذلك الآن حين نرى أقراص الليزر ونقل المعلومات عبر القارات بكبسة زر. وكما فتح مشروع الجينوم البشري الطريق إلى فهم الإنسان، كذلك فإن مشروعاً من هذا القبيل ينتظره العالم الإسلامي كوصفة خلاص نفسية اجتماعية للجنس البشري". ويوضح:"مشروع الجينوم القرآني يبدأ حالياً من أرض الجرمان بمشروع سموه"مشروع الماموت Mammutproject"نسبة للفيل العملاق المنقرض، بدأته عالمة ألمانية مستشرقة هي انجيليكا نويفيرث Angelika Neuwirth بموازنة مليوني يورو ولفترة ستمتد ثماني عشرة سنة. سيقوم الفريق الأول بوضع بنك معلومات Databank لكل ما يتعلق بالقرآن، والثانية في تحليل العمل الأول، ما يشبه دراسة التشريح والفيزيولوجيا في الطب، وما يلحقه مع علم النسج والتشريح المرضي، في محاولة فهم الجو الديني والحقبة التاريخية التي عاصرت انبعاث الإسلام، في محاولة إعادة تصنيعها للاقتراب من فهم أفضل للنص القرآني" ويؤكد :"أنا شخصياً كنت قد عرضت على الناشر في المؤسسة السعودية للأبحاث والنشر أن نقوم بوضع لوغارتم قرآني، على شكل آيات مفتاحية، وأجنة قرآنية، لتسهيل فهم القرآن على المسلم وغير المسلم المعاصر، فتحمس رحمه الله هشام حافظ للمشروع ثم جاء من أفسد الفكرة وطمس النور. ومازال في نفسي هذا المشروع، وأنا أرى غيري من الألمان يسبقونني إلى مشروع عملاق من هذا النوع، الذي نحن بأمس الحاجة إليه. هذه المرة سيؤدى بالدقة الألمانية المعهودة. والفريق الأول الذي سيعنى ببناء بنك للمعلومات القرآنية سيحشد ويجمع كل ما يتعلق بالقرآن". ويستطرد :"تقول مجلة المرآة الألمانية في عددها الأخير من عام 2007 والتي جاءت معنونة عن القرآن"الكتاب الأعظم أثراً في حياة الناس"وتقول كيف يمكن فهم الآيات التي تدعو للتسامح وتلك التي تدعو للقتال، وهل يمكن ان يظهر"تأويل"جديد للآيات؟ وأن يحدث إصلاح ديني كما تم في أوروبا بنهوض البروتستانت من رماد الكاثوليك والحروب الدينية". ونحن اليوم محاصرون مثل موسى من جهتين، فكان كل فرق كالطود العظيم بين المخابرات والمتشددين، الأول طاغوت سياسي يغتال الحريات بالكرباج و"لجندرما"والثاني جبت يغتال العقول بالوهم الديني، والرسالات جاءت ضد الجبت والطاغوت لتحرير الإنسان. والسيدة نويفيرث 64 عاماً عاشت في الشرق فترة ويساعدها اثنان من الباحثين هما نيكولاي سيناي Nicolai Sinai وميشيل ماركس Michael Marx وهي التي ابتدعت هذا المصطلح الجسم القرآني Corpus Coranicum ودعت إلى دراسة متأنية لفهم المسلمين على نحو جدي. وتقول السيدة ان القرآن سيوضع تحت المجهر كلمة كلمة، وسوف يدرس كرونولوجياً، ودراسة السور ستكون مثل البناء الميكروسكوبي microstructural. فالقرآن لم تنزل فيه أطول سورة ابتداء بل من المعروف أنه نزل على مكث بسور قصيرة وبكلمة اقرأ لفتح الدماغ وتنشيط الوعي، ولكن العرب اليوم لا يقرأون، ولو قرأوا ما فهموا ولا ينبئك مثل خبير. ويؤكد:"لأن الألمان بوجه خاص، ليس لهم تاريخ استعماري مع العرب، رُشِحت لغتهم الألمانية إلى ان تكون اللغة الثانية بعد العربية في دراسات المستشرقين، ومن ينظر في عملهم للحديث الشريف يصاب بالذهول من دقة عملهم وصبرهم وطول اشتغالهم وإنفاقهم على الأبحاث. وحين ظهر كتاب فهرس الحديث الذي ضم مدخلاً لكل حديث ومظنة وجوده في أي صحيح من الصحاح التسعة، كان ثمن الكتاب يومها 25 ألف ريال، حتى سرقه البعض واشتريناه بأقل من ذلك بكثير، وهو في مكتبتي، ويستفاد منه. وبعد الانترنت وأقراص الليزر تسهلت الأمور كثيراً. وتقول السيدة نويفيرث ان مستشرقاً ألمانياً من جامعة بون هو ستيفان فيلد 70 عاماً Stefan Wild دُعي إلى السعودية وإلى المدينةالمنورة تحديداً للمرة الأولى للمشاركة في مؤتمر الإسلام والدراسات الاستشراقية، وضم جدول التوصية في فقرته ال 29 ما اقترحه الرجل من الجهد المشترك من المسلمين وغيرهم في الدراسات القرآنية. وهكذا فعلينا الانتظار حتى عام 2025 لنرى ماذا يتولد عنه المشروع، ولعله سيكون مثل كتاب الكرونيك الرائع الذي تنتجه الثقافة الألمانية في كل فن عن تاريخ المرأة وتاريخ الطب والمسيحية والقرن العشرين والجنس البشري، وسيضم له الآن"الجينوم"القرآني".