أكد تقرير متخصص أن الفائض المالي غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي سيظل مرتفعاً، لا سيماً في السعودية، وذلك فوق معدل 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. فيما يتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة 27.9 في المئة إلى نحو تريليون دولار في 2008. وأشار تقرير نصف سنوي عن الأداء الاقتصادي لدول المجلس صادر عن اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي حول تطور الأداء الاقتصادي فيها من بداية العام 2008، إلى أنه مع بقاء أسعار النفط في نطاق 85- 90 دولاراً للبرميل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، وبلوغ إنتاج دول الخليج 16 مليون برميل يومياً، واصل الانتعاش الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي نموه بمعدلات متسارعة، حيث أعاد صندوق النقد الدولي تقديراته لمعدلات النمو الاقتصادي في دول المجلس خلال 2008. وأتاحت الزيادات في أسعار النفط زيادة وتيرة الاستثمارات العامة والخاصة ويتركز معظم هذه الاستثمارات في البنية التحتية والمشاريع العمرانية والعقارية والسياحة والمشاريع الاجتماعية. وتوجد هناك جهود للتوسع في قاعدة التصنيع والخدمات. إلا أن مخاطر التضخم وزيادة الأسعار زادت خلال الربع الأول من العام في حين ظلت أسواق الأسهم الخليجية حذرة بشكل عام بسبب اضطرابات أسواق الأسهم العالمية. وبين التقرير انه بات من المؤكد أن يستمر الرخاء الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي في الأجل المتوسط. وإن أسعار النفط المرتفعة تساعد على الاندفاع في الاستثمار، كما أن العدد الكبير من المشاريع الكبرى التي يجري تنفيذها ستوفر زخماً لنمو قوي للقطاعات غير الهيدروكربونية لسنوات عدة مقبلة. ومع توقع بقاء متوسط سعر النفط مرتفعاً في 2008، يتوقّع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة 27.9 في المئة إلى نحو تريليون دولار. وعلى رغم من الإفراط المستمر في الاستثمار، سيعوض ارتفاع أسعار النفط بصورة اكبر ذلك الارتفاع وسيسمح بتحقيق فائض حساب جاري يبلغ 31.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2008 بالمقارنة مع 28 في المئة عام 2007، مما يسمح لمختلف الدول الخليجية بإضافة مبالغ كبيرة إلى احتياطياتها وثرواتها المالية. ونظراً إلى القيود المفروضة على التوسع في حجم الإنتاج، يتوقع أن تبقى أسواق النفط حساسة خلال العام 2008، مع بقاء أسعار النفط فوق معدل 95 دولاراً للبرميل. ولا يتوقع زيادة إنتاج الدول خارج منظمة الأوبك سوى بقدر قليل، في حين لا يتوقع زيادة إنتاج الأوبك نظراً إلى الركود الاقتصادي الذي تشهده الدول الصناعية. في الجانب الأخر، يتوقع استمرار ارتفاع الطلب بمعدلات متوسطة. لذلك، فأن اتجاه أسعار النفط سيبقى بمسار تصاعدي في المدى القريب نظراً إلى حساسية الأسعار تجاه قيود الإنتاج وعدم الاستقرار السياسي. وفي هذا الإطار، ستبقى السعودية تلعب دوراً إيجابياً وأساسياً في استقرار أسواق النفط. وتخطط المملكة لاستثمار نحو 80 بليون دولار في المدى المتوسط لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل وزيادة طاقة التكرير بنسبة 43 في المئة إلى نحو 6 ملايين برميل. كما تعتزم دول المجلس الأخرى استثمار نحو 170 بليون دولار. كما يتوقع أن تبلغ أسعار الغذاء مستويات عالية خلال عام 2008، ولكنها ستتراجع تدريجياً بعد ذلك. ولكن في المدى المنظور، ستظل الأسعار في مسار تصاعدي بسبب استخدام المحاصيل الزراعية في إنتاج وقود الطاقة والطلب المتزايد من الدول النامية. ويتوقع أن يكون النمو الاقتصادي العالمي معتدلاً بنحو 3.7 في المئة عام 2008 بالمقارنة مع 4.9 في المئة عام 2007، ولا يتوقع تغير ذلك المعدل عام 2009. وقد بني هذا التقدير على أساس بقاء أسعار السلع عند مستوياتها في نهاية عام 2007 واتجاه أسواق المال مستقرة نوع ما في مطلع العام 2008. كما يتوقع انخفاض معدل النمو الاقتصادي في الدول الصناعية إلى 1.3 في المئة عام 2008 بالمقارنة مع 2.7 في المئة عام 2007. وفي الدول المصدرة للنفط يتوقع بقاء معدلات النمو الاقتصادي فوق 6.5 في المئة خلال العام 2008 ودول مجلس التعاون الخليجي فوق 7.5 في المئة. ويعزز ذلك الاستثمارات الكبيرة في القطاعات غير النفطية. وفي هذه الدول ونظراً إلى امتلاكها موجودات استثمارية أجنبية كبيرة، يتوقع بقاء برامج الاستثمار الكبيرة متواصلة حتى في حالة انخفاض أسعار النفط. كما يتوقع بقاء الضغوط التضخمية في مسار تصاعدي خصوصا أنها تتزامن مع الانتعاش الاقتصادي. وفي دول مجلس التعاون الخليجي بالذات، ونظراً إلى ربط عملاتها بالدولار الأميركي، فأنها مضطرة لإرخاء سياستها النقدية كذلك، مما يسهم في زيادة الضغوط التضخمية. وقد تودي جهودها في إزالة اختناقات الطلب خصوصاً على المساكن إلى التخفيف من تلك الضغوط، إذ تواصل كل من الكويت وقطر والإمارات تنفيذ برامج إسكانية ضخمة تخطط للانتهاء منها قريباً. وستبقى الأجور في مسار تصاعدي نظراً إلى ضعف الدولار الذي يخفض القيمة الحقيقية لمداخيل العمالة الأجنبية التي تحول جزء كبير منها لبلدانها. كما يتوقع استمرار الفائض المالي بمستويات كبيرة في الدول المصدرة للنفط لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي. والملاحظة المهمة أن التوسع في الإنفاق في هذه الدول يذهب معظمه في برامج استثمارية خصوصاً مشاريع البنية التحتية والقطاعات الاجتماعية. بينما سيظل الفائض المالي غير النفطي مرتفعاً لاسيما في السعودية، وذلك فوق معدل 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى رغم نمو حجم الصادرات، يتوقع بقاء أرصدة الحسابات الجارية إيجابية وفوق معدل 18 في المئة في الدول المصدرة للنفط وفوق 31 في المئة في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يسهم في استمرار تراكم الاحتياطيات والموجودات الأجنبية، وعلى رغم الارتفاع الملحوظ في عجز الحساب الجاري غير النفطي. غير أن الركود الاقتصادي في الدول الصناعية مع استمرار اضطراب أسواق المال قد يجبر دول المجلس على توجيه جزء متزايد من استثماراتها خارج الدول الصناعية. واستفادت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا سيما مصر والمغرب وتونس والجزائر والأردن بصورة كبيرة من التدفقات الاستثمارية الخليجية، إذ يقدر معهد التمويل الدولي إجمالي تلك التدفقات بنحو 60 بليون دولار خلال الفترة من 2002 - 2006، بينما تقدر إحصاءات ارتفاع هذه التدفقات إلى نحو 85 بليون دولار عام 2007، وقد ناهزت ال 100 بليون دولار مطلع عام 2008. وهي تمثل 11 في المئة من إجمالي التدفقات الاستثمارية الخارجة من دول مجلس التعاون والتي تقدر بنحو تريليون دولار خلال الأعوام السبعة الماضية. وقال التقرير، إن دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رغم الصورة المشرقة للجوانب الرئيسية في اقتصاداتها ستبقى تواجه تحديات رئيسية. ولطالما أبقت هذه الدول ربط عملاتها بالدولار الأميركي، ستظل تواجه ضغوطاً تضخمية مع توجه الاحتياطي الفيدرالي للمزيد من الخفض في أسعار الفائدة. كما أن قيام دول المجلس بتغيير سياسة ربط عملاتها بالدولار الأميركي قد يلحق الضرر البالغ على خططها الرامية إلى إقامة الاتحاد النقدي عام 2010. كما أن الدعوات إلى كبح الإنفاق تصطدم بالحاجة إلى مواصلة الإنفاق الاستثماري خصوصاً إزالة الاختناقات في جانب العرض على الخدمات ولا سيما الإسكانية، كذلك تحسين القطاعات الإنتاجية ومستويات الأجور. ويتوقع أن تؤدي هذه الجهود في المدى المتوسط من التخفيف من التأثيرات الاجتماعية الضارة لارتفاع معدلات التضخم. وستكون هذه الدول بحاجة متزايدة لتوسيع طاقتها الاستيعابية وبالذات في مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاجتماعية لكي لا يؤدي التوسع في الإنفاق إلى ارتفاع مباشر في الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين. وخلص التقرير إلى أن دول المجلس مطالبة بالاستمرار في برامجها الرامية لتأسيس الاتحاد النقدي في موعده نظراً إلى تأثيراته البالغة على مستقبل تكاملها الاقتصادي واستمرار برامج التنمية.