لا يكاد موظف أو مسؤول في أي من قطاعات الطاقة أو الكهرباء أو المياه يستطيع أن يقدر المدّة التي يمكن فيها للطاقة النفطية أن تستمر في تحمل أعباء تحلية المياه. ربما يكون الجواب مرتبطاً بشح الدراسات العلمية المتعلقة بالثروة المائية، وما يهددها من أخطار مستقبلية. في الوقت نفسه وعلى رغم هذا الحرص غير المبرر على عدم تقديم رؤية استشرافية قاطعة لمستقبل تحلية المياه، يطرح كثير من الباحثين عبر الدراسات والبحوث المختلفة أنه لا يوجد سوى بديلين اثنين لا ثالث لهما: الطاقة الذرية، أو الطاقة الشمسية المتجددة. إضافة إلى غنى الدول العربية (خاصة النفطية منها) بالطاقة الشمسيّة، وامتلاكها للقدرات المالية التي تؤهلها لإنتاج طاقة نوويّة نظيفة، فإن هذين المصدرين الأساسيين من مصادر الطاقة في العالم، اللذين يلهج المستقبل باسمهما لا يحملان أية أخطار على البيئة. من جهة أخرى، فإن القطاع الحكومي بدا مهتماً في الآونة الأخيرة بقضية البحث عن بدائل مغايرة للنفط، يتم من خلالها رفد صناعة تحلية المياه (أو ما يسمى ب«الزملحة») بإنشاء محطات تحلية للمياه بالطاقة الشمسية، إذ صرح أخيراً مسؤولون سعوديون باقتراب افتتاح محطة تحلية للمياه عن طريق الطاقة الشمسية، في عام 2013 كحد أقصى. وقال رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الدكتور محمد السويل إن الجهود تعمل على مشروع إطلاق تحلية المياه، وإن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تعمل على ذلك في مدينة الخفجي، وإنها لن تقتصر على تنفيذ حاجات التحلية محلياً، بل تم تلقي طلبات من بعض الدول للحصول على ترخيص تقنية المياه المحلاة بالطاقة الشمسية، وإذا تم الفراغ من المرحلة وثبت نجاحها في الداخل فسيتم السعي إلى ترخيصها من الخارج. يذكر أن موضوع استثمار الدول الخليجية للطاقة الشمسيّة في تحلية المياه ليس مشروعاً محليّاً وحسب، وإنما هو هم تضطلع به وتستشرف مآلاته دول خليجيّة عدّة، إذ سبق وأعلنت «هيئة البيئة» في أبوظبي أنها في صدد إنشاء 30 محطة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية، معلنة الانتهاء من إنشاء 17 محطة لتحلية المياه الجوفية العالية الملوحة باستخدام الطاقة الشمسية يقع 14 منها في المنطقة الغربية و3 في المنطقة الشرقية. وأكدت «هيئة أبوظبي» في إطار مشاركتها في «القمة العالمية لطاقة المستقبل 2011» والمعرض المصاحب لها، أن «استخدام مصادر الطاقة المتجددة في التحلية وإنتاج المياه يعتبر أحد أهدافها الاستراتيجية وجزءاً أساسياً في مستقبل صناعة التحلية في المنطقة لتقليص الكلفة والآثار البيئية وزيادة الكفاءة واستخدام المخزون الجوفي العالي الملوحة. وبلغت القدرة الإنتاجية لهذه المحطات - بحسب تقارير- نحو 15 ألف غالون من المياه العذبة يومياً للمحطة الواحدة، يتطرق استخدام مياهها إلى تشكيل بحيرات صناعية وقنوات مائية تستخدمها الحيوانات البرية للشرب، إضافة إلى ري المسطحات الخضراء، وإعادة تأهيل النباتات البرية الطبيعية الموجودة في هذه المناطق. وعلى صعيد مساهمة الطاقة الذرية في تخفيف الضغط على الطاقة النفطية في تحلية المياه يؤكد المحاضر بقسم الهندسة النووية في جامعة الملك عبدالعزيز البروفيسور إبراهيم بن إسماعيل كتبي أن الطاقة الذرية أضحت مصدراً للطاقة، وهي منتشرة في كثير من دول العالم المتقدم، وأثبتت جدواها بشكل فعال. ويضيف كتبي: «فرنسا تقدمت كثيراً في هذا المجال، إذ تستخدم 75 في المئة من الطاقة النووية التي تنتجها لخدمة مجتمعها، بل تعتبر دولة مصدرة لمنتجات الطاقة النووية إلى الدول الأوروبية المجاورة». وتابع: «نستطيع أن نقول إن مجال تحلية المياه توجد فيه دراسات أظهرت إمكان استخدام الطاقة الذرية في عمليات بأقل من الأسعار التي يتحكم فيها استخدام النفط لتشغيل معامل التحلية». ومن جهته، أكد الأستاذ المساعد في قسم الهندسة النووية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور ضياء العثماني أن الهندسة النووية من أقوى المجالات وأهمها للطاقة، وأن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ستعمل على تحديد الأولويات والسياسات الوطنية في مجال الطاقة الذرية والمتجددة من أجل بناء قاعدة علمية تقنية في مجال توليد الطاقة والمياه المحلاة وغيرها من المجالات.