هل كل ناقد يستطيع نقد الشعر أم أن هناك نقاداً للسرد وآخرين للشعر؟ - هناك نقاد مختصون بالشعر وآخرون بالسرد، والبعض بالمسرح ونقد النقد وهي ترجع في النهاية الى الذائقة الجمالية. ولا أتصور أن هناك ناقداً يمكنه أن يُلمَّ بكل الأشكال الأدبية بشكل دقيق، لكن هناك بلا شك نقاد يكتبون في الشعر والسرد، لأن المسألة في النهاية مَلَكَة من اكتسب هذه الملكة واكتسب المنهج استطاع أن يطبقها على الأشكال الأدبية والفكرية كافة. وأتذكر تعريفاً لفلاسفة الوضعية المنطقية يعرفون من خلالها الفلسفة"أن الفلسفة منهج بلا موضوع"أي بإمكان هذا المنهج أن يطبق على أشكال الحياة والثقافة بألوانها المختلفة. أنا أستطيع القول إن النقد الأدبي الآن هو منهج وعلم بلا موضوع، والناقد الحقيقي الذي يمتلك المَلَكة النقدية التي هي في الأساس ذائقة جمالية رفيعة، وتسلّح بجملة من الأدوات اللغوية والجمالية والفلسفية بإمكانه أن يقرأ ويفحص الأشكال الأدبية والثقافية المختلفة. مَنْ من النقاد يمتلك هذه الملكة في رأيك؟ - هذه الملكة نقرأها لدى نقادنا القدامى، خصوصاً ابن سلام وابن قتيبة والجرجاني وعند النقاد الكبار في العصر الحديث، من التراثيين محمود شاكر في كتاباته العميقة حول القصيدة الجاهلية، وعبدالله الطيب المجذوب، ومن نقاد الحداثة كمال أبو ديب وسعيد السريحي ومحمود الربيعي إلى مختلف النقاد الذين يتمتعون بذائقة نقدية، قبل أن يتصلوا بالمناهج النقدية سواء كانت التراثية أو الحديثة. يرى بعض النقاد السعوديين في تجارب الشعراء الجدد، أن القصيدة التي يكتبونها إذا لم تكن ثبيتيّة ? نسبة للشاعر محمد الثبيتي - فليس لها من وِدّهم النقدي نصيب، أنت ماذا تقول؟ - لم أسمع هذه المقولة التي ذكرت وقد يكون لها رواج، لكني أعتقد أن هناك شعراء شباب تمردوا على الثبيتي نفسه، ويحترمون تجربته طبعاً، لكن لهم تجاربهم، وهم قلّة استطاعوا أن يعبّروا عن أنفسهم وان يكونوا أكثر صدقاً مع ما يكتبون. ونحن نعرف أن قصيدة الثبيتي مجلجِلة وأقرب ما تكون الى النص الأسطوري، بإيقاعاته ومجازاته وباقتباساته التراثية وتفاعله مع اللغة، في حين أن عدداً كبيراً من الشعراء الجدد الآن يميلون الى النص الخافت الهادئ المختصر، النص الذي لا يحتفل كثيراً بجلجلة الكلمات والأصوات، فهم حققوا أنفسهم بعيداً عن الثبيتي وعن غيره. هل أنت متفائل بعودة الشعر الى مكانه الصحيح؟ - حينما أقرأ لبعض الشعراء المبهجين أشعر بالتفاؤل، لكن الشعر في حال خفوت الآن، لكن لا نطلب أن يكون لدينا مئات الشعراء، فالقارئ الآن يقرأ في الرواية مثلاً ما لا يقرأه في الشعر. بمعنى أن الرواية لها بلاغتها الخاصة، ويمكن أن تقرأ الرواية قراءة تقليدية بحتة وتبحث فيها عن الحكاية ? الحدوتة - فقط، وهذا ما يطلبه القارئ العادي، في حين أن القراء يطلبون من الشعر مقاييس معينة، ويكونوا في منتهى الطمع من قصائد الشاعر. هل قصيدة النثر ما زالت تعاني من مشكلة الاعتراف بها؟ - بالعكس، الآن الذي يشكو من مشكلة الاعتراف القصيدة البيتيّة العمودية، وأصبحت غريبة الوجه واليد واللسان، أما قصيدة النثر فأصبحت شائعة في كل المواقع الأدبية والثقافية. ولا أظن إطلاقا، أنها تشكو من الاعتراف بها. من يكتب القصيدة العربية على صورتها القديمة، هو الذي أصبح غريباً، وأنا أتعاطف مع شعرائها وذائقتي الجمالية تراثية، لكن طبعاً لا يعني ذلك أن أي قصيدة تأتي على الشكل التراثي هي القصيدة التي أبحث عنها، فمعظم الذين يكتبون قصائد عمودية لا يطربونني.