قبل ثلاث سنوات تقريباً، وفي مثل هذا الوقت كرّم الملك عبدالله بن عبدالعزيز الشاعر والأديب عبدالله الجشي بصفته الشخصية الأدبية الأبرز في ذلك العام، نظير عطائه الأدبي على امتداد ثمانية عقود وكأحد رواد الأدب العربي، وذلك في مهرجان الجنادرية عام 2005 وفي الوقت الذي كان فيه محبو الجشي والمهتمين بأدبه في انتظار حلول الذكرى السنوية الثالثة ليوم تكريمه للاحتفال بها، إلا أن"أبا قطيف"أبى عن الحضور بعد أن ترجل عن صهوة جواده، مودعاً أحباءه جميعاً بعد حياة أدبية حافلة. فقد توفي مساء الأحد الشاعر والأديب السعودي الكبير عبدالله الجشي بعد معاناة طويلة مع المرض، تاركاً خلفه إرثاً ثقافياً ضخماً، وكان أحد ابرز رواد الأدب المجددين في الحقبة الزمنية الماضية. فالفقيد الجشي، او كما عرف بأبي قطيف رحل عن محبيه عن عمر ناهز 82 عاماً جسّد فيها الانتماء الحقيقي، والروح الوطنية من خلال العديد من القصائد والأدبيات المختلفة، إلا أنه اشتهر بهذا الروح بعد تسميته لابنه الوحيد باسم قطيف تيمناً بالمدينة التي كانت مرتعاً لصباه، والرافد المستفيض الذي أسهم في بلورة حياته الأدبية. ولم يكتف أبو قطيف بذلك فحسب، بل أطلق اسم يمامة على مولودته الأنثى ليجسد بذلك معنى التلاحم الوطني، إذ كان يقول:"أنا أشعر بأصولي هنا في هذه الأرض، سميتُ ولدي قطيفاً وسميت ابنتي يمامة، ولو قدر لي وأنجبت مولوداً لكنت سميته ثقيفاً نسبة الى الطائف ولو رزقت بابنة أخرى لسميتها طيبة نسبة للمدينة المنورة". ومؤرخاً ذلك في قصيدته بين اليمامتين المشهورة التي قال فيها:"طوفي يمامة باليمامة حلوة الأنغام نشوى/طيري يمامةُ لليمامة فالذرى للطير مأوى/عودي لسربك عودة البطل الذي بالحب يقوى/إنَّ الديار لتزدهي بالقرب حيث البعد يطوى/إن اليمامة موطنٌ لك مثل دارينٍ وصفوى". وبدأ الراحل أولى خطواته الأدبية مستهلاً بالشعر عندما كان في سن الثالثة عشرة من عمره تقريباً، إذ كان في ذلك الوقت في مدينة النجف في العراق، برفقة والده الشيخ علي الجشي، وأسهمت النهضة الأدبية، والثقافية هناك في زيادة محصوله الأدبي، خصوصاً في ظل احتكاكه ببعض الشعراء والمثقفين الكبار هناك أمثال: محمد مهدي الجواهري، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، ويعد هؤلاء الثلاثة أحد ابرز أقطاب الشعر العربي في العراق خلال القرن الماضي متأثراً ببعض الشعراء كذلك في العالم العربي، ومنهم علي محمود طه في مصر، إيليا ابو ماضي في المهجر، وسليمان العيسى في الشام، وكان ابو قطيف يقول عن هذه الحقبة الزمنية. وعرف كأحد أبرز رواد الحركة الرومانسية في القطيف، وركائزها الذين أسهموا في صنع تطورها، وكان الراحل الجشي قد ولد لأم عراقية وأب قطيفي فامتزجت الثقافتان معاً في ظل الحركة الثقافية والأدبية في القطيفوالعراق في ذلك الوقت بالتحديد، إذ قضى في العراق فترتين 1937 حتى 1948 برفقة والده الذي سافر إلى النجف لدراسة العلوم الدينية، والثانية 1979 حتى 1993 حين حط ركابه بعد ترحال طويل في القطيف. أسرة الجشي أبدى ولده الوحيد قطيف الجشي حزنه الشديد على رحيل والده، معتبراّ ذلك بالفاجعة، التي حلت عليه لأنه لم يكن شخصية أب فحسب بل كان يجسد المعنى الحقيقي لها. وتحدث قطيف ل"الحياة"عن تكريم والده قبل ثلاث سنوات في مهرجان الجنادرية، قائلاً: وافق أبي على التكريم على رغم المرض الشديد وتقدم السن، إلا انه أصر على الذهاب من القطيف إلى الرياض، ليس من أجل التكريم فحسب، بل من أجل الالتقاء بالملك عبدالله والتأكيد على أهمية هذه المهرجانات الثقافية والالتقاء بالأدباء هناك. ويختتم قطيف حديثه قائلاً إن أباه لم يكن أديباً فحسب"بل كان رجلاً يعشق وطنه بجنون بدليل ديوانه المطبوع"الحب للأرض والأنسان"، الذي جسد من خلاله حبه لوطنه وحبه للإنسان وكرامته". من جانبها، أكدت يمامة الجشي ابنة الشاعر أبو قطيف أنها خسرت الكثير برحيل والدها عنها، إذ كان يمثل لها الشيء الكثير. وتقول يمامة حول سبب تسميتها بهذا الاسم:"والدي كان يقدس الوطن بكل أطيافه وثقافاته ومعانيه، وعرفت ذلك من خلال تسميته لي باسم اليمامة تيمناً بمدينة الرياض، فانعكس هذا المعنى على شخصيتي وتأثرت جداً بهذه التسمية، فقرأت الحب العميق لوالدي لوطنه على رغم غربته في العراق في ذلك الوقت، إذ كان الجميع يبحث عن الأسماء الجميلة إلا أبي كان يبحث عن الأسماء الوطنية ليعكس مدى احترامه وتقديره للوطن". وتحدثت أنيسة عبدالجليل، أم قطيف، قائلة:"عطاؤه الأدبي والوطني لن يغيب عن عيون محبيه، فقد رافقته طوال فترة هذه العطاء، وما زلت أتذكر قصائده الجميلة التي كان يقرأها بصوته العذب، خصوصاً تلك القصيدة بعنوان:"وفاء"، التي كتبها بمناسبة مرور 25 عاماً على زواجنا". سيرة عمل الفقيد في وظائف عدة منها العمل في التجارة والوظيفة في دوائر الدولة ومنها وزارة العمل، وكانت وقتها مصلحة ثم تحولت إلى وزارة. إذ أسهم وشارك في تكوين إدارات الوزارة وتشكيل نظام العمل. وكانت المصلحة"مصلحة العمل"وقتها دائرة تتبع وزارة المالية. ومع توسع العمل توسعت دوائرها وأعمالها. كما أسهم ابو قطيف في صياغة نظام العمل والعمال وآثار في ذلك الوقت جدلاً واسعاً عن المادة ال 12 في قانون العمل، إذ كانت تعطي المقاول صلاحية فصل العامل من دون أي تعويض، وهذا كان محل إشكال، وعمل أبوقطيف على تغيير هذه المادة، وانتدب على أثرها لمجلس الشورى في مكةالمكرمة ليدلي بتوضيحات عن السبب لتغيير هذه المادة، وكانت هناك مخاوف من أن ينسحب الأمر على الشركات الموجودة في الحجاز، وحاول طمأنة الأعضاء بأن المادة تخص الشركات الكبيرة التي تحتوي على آلاف عدة من الموظفين ووقتها لم تكن مثل هذه الشركات موجودة في الحجاز. وفعلاً تم تبني تعديل هذه المادة التي جاءت لمصلحة العمال. علاقته مع الجاسر في نهاية الأربعينات، كان حمد الجاسر يعمل ممثلاً لوزارة المعارف في المنطقة الشرقية، وكان باحثاً، ويأتي إلى مكتبه في منزل الحاج حسن صالح الجشي عم أبو قطيف، فالتقى به هناك، وتوطدت العلاقة بين الاثنين، إذ أسهم العلامة الجاسر في إيصال أدبيات أبي قطيف ونشرها في مجلته"اليمامة"ومجلة"العرب". مؤلفاته صدرت لأبي قطيف مؤلفات عدة، منها: ديوان"الجشي"، كتاب"تاريخ القطيف"، ملحمة شعرية عن الخليج العربي، من كل ربيع زهرة شعر، غزل وغناء شعر، بحوث تاريخية حول القرامطة، شراع على السراب ملحمة قصصية شعرية تاريخية تحتوي ما يقارب 3000 بيت، الحب للأرض والإنسان شعر، قطرات ضوء رباعيات شعرية، الدولة القرمطية في البحرين، تاريخ النفط في القديم.