الحياة دار العمل والإنتاج والبناء، والله جعل الإنسان المؤمن خليفته في الأرض، يقيم العدل، ويحفظ الأمن، ويحيي الأرض، وينشر العلم، ويرعى العهود والذمم، فهو سبحانه وتعالى لم يخلق هذه الحياة لتكون عرضة ورهاناً بأيدي العابثين أو المخربين والمدمرين لروحها الجميلة بالقتل، وإذا كان بيننا فئات مضللة جعلت من الجهاد أداة لتدمير الآمنين وترويعهم وقتل أرواحهم البريئة، وهذا ليس له من دليل في كتاب الله وسنة رسوله، بل جاؤوا به من أهوائهم المسمومة بالأهداف والمصالح، الخاصة بهم، أما الإسلام فجعل حياة الإنسان مقدسة، وسعي الإنسان في منفعته ومنفعة الناس جهاداً، لا ينقص فيه أجره عن المجاهدين في سبيل الله شيئاً، إذ قال"صلى الله عليه وسلم": من مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب المجاهدين في سبيل الله وقال: خير الناس أنفعهم للناس. العمل النافع، والعلم، والإنتاج، سواء كان زراعياً أو صناعياً أو كونياً، وينتفع به الناس، فهو الخير للآخرة. وعن علي بن أبي طالب"رضي الله عنه"قال:"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله. ألا ما ينفي عني حجة العلم؟ قال: العمل"، فالحياة عبادة بعملها، والعبادة ليست قصراً على المفروضات فقط، فالدعاء عبادة، والعمل عبادة، والكلمة الطيبة عبادة، وحب الإنسان لأخيه الإنسان ما يحبه لنفسه عبادة، وذكر الله في كل حال عبادة... سُئل أحد الشيوخ، وقد بلغ من الكبر عتياً وشاخ جسده وقلت حركته، ألا يفضل الممات على حاله هذه، فقال:"لماذا وأنا في ظل هذا الخير أستزيد من عملي كل يوم، إن رزقت شكرت الله، وإن قمت أو قعدت حمدت الله"، فالحياة للإنسان بخيرها وسوئها معمل للإنتاج والاختبار في قوة الصبر، والقدرة على مواجهة متغيراتها، ومغرياتها، بالإيمان الذي يجعل الإنسان متوازناً في حياته الروحية والمادية، فلا إفراط ولا تفريط. الإسلام دين الاعتدال، يكره التواكل والخمول. قال الأوزاعي:"إذا أراد الله بقوم سوءاً، أعطاهم الجدل ومنعهم العمل"، فمن كان طبيباً وترك طبه ليعتلي منابر الدعوة والوعظ، واشتغل بمجادلة الناس فلا خير فيه، ومن ترك هندسته وعطل عمله فلا خير فيه، وما انتكس المسلمون إلا بسبب إهمالهم للعلوم التطبيقية التي جعلتهم قديماً رواد الأمم وقادتها لكل المبتكرات، والرسول"صلى الله عليه وسلم"، مع أن الله اختصه بنشر الدعوة الإسلامية، لكنه لم يهمل العمل، إذ كان في صغره راعياً للغنم، وفي شبابه عاملاً بالتجارة، وفي نبوته زاول كل الأعمال مع المسلمين، فهو يحفر معهم"الخندق"قبل موقعة الأحزاب، وهو القائم بأعماله الخاصة بنفسه، فينصب خيمته، ويحلب شاته، ويخصف نعله، ويقضي حوائج الضعفاء والبائسين، ويحث على طلب الأعمال الشريفة بالغلة والمال. ونصح أحد أصحابه الذي أراد أن ينفق جميع ما اكتسبه قبل مماته قائلاً:"إن تدع عيالك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"ورأى عليه الصلاة والسلام عابداً قد انقطع للعبادة حتى أكلت جسمه ووصفوا له من زهده وعبادته، فقال عليه الصلاة والسلام ? من يعوله؟- أي ينفق عليه، قالوا: كلنا نعوله. فقال: - كلكم خير منه ? ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يسير في الطريق متماوتاً فسأل عنه فقيل له إنه ناسك فضربه بعصاه، وقال له: هذا نفاق، فالخشوع مكانه القلب، وليس الوجه، اعتدل ولا تمت علينا ديننا، أماتك الله. [email protected]