سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أكد أنه ليس "حداثياً" ومعظم طلابه الحداثيين يحصلون على تقدير "ممتاز" في دراستهم عنده . عاصم حمدان ل "الحياة" : الغذامي لا يقبل "الآخر " ... ولست مسؤولاً عن عودته ل "الرياض"
في دروب المدينة كانت خطاه تتهادى في طريقها نحو البياض، بساطة في المعيشة وجدية في التعليم والتعلم، من المسجد النبوي وبين النخيل ومع سواقي الماء كانت هناك نشأته وانطلاقته إلى بريطانيا، ليصنع عاصم حمدان مليئاً بكل الخيرات... له مع الحداثة قصص لم يحبها، ولكنه في المقابل لم يكرهها، مارس نقدها من الداخل والخارج ... خاض تجارب صحافية وسرقته السياسة من الأدب على رغم أنه دخل إليها من بوابه الأدب... عموده الصحافي تسكنه إثارة دائماً كحياته وقراءته للأحداث تجعلنا نهرع إليه لنستضيء بقراءته أكثر. ما نصيب عاصم حمدان من الألقاب والتصنيفات التي أفرزها الحراك الثقافي الذي يمر به المجتمع؟ - لم أتأدلج في يوم من الأيام ولا أؤمن بالتصنيف القبلي أو الإقليمي أو المذهبي، ومن يؤمن بالله رباً ومحمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً فهو أخي في الإسلام، والمؤسف أن التقاذف موجود بيننا. وسبق أن نهى خادم الحرمين الشريفين في زيارته للقصيم عن تصنيف الناس واتهامهم في عقائدهم، لذا فالتصنيف مرفوض في تفكيرنا ومنهجنا، وبالتالي يكون خادم الحرمين الشريفين قد رسم لنا منهجاً واضحاً يجب علينا نحن المواطنين أن نسير عليه. لماذا اخترت الدراسة في بريطانيا ولم تدرس في أميركا؟ - عملت بكل الوسائل أن أكمل تعليمي في الخارج، وكانت بعض الجامعات لا تحبذ الابتعاث للخارج، ولعله مما حبب إلى اختيار بريطانيا من دون غيرها، هو تأثري بأساتذتي الذين درسوني في قسم اللغة العربية في كلية الشريعة - آنذاك - في مكةالمكرمة. ولم ينقذني بعد الله من رغبة البعض في أن أكمل دراستي العليا في بعض الجامعات العربية سوى قرار جريء من الدكتور رشدي أورقنجي الذي كان عميداً لكلية التربية، وكنت غير ملم باللغة الإنكليزية الإلمام الكافي، فآزرني كلاً من الرجلين الفاضلين الدكتور ناصر الصالح، وكذلك الدكتور أمين كشميري، وسافرت إلى أدنبرة فتلقاني هناك إخوة كرام من أمثال: مرزوق بن تنباك وعدنان وزان وعبدالرزاق سلطان. وفي بريطانيا أدركت الجيل المتعمق في الدراسات العربية والإسلامية من عرب وإنكليز، بعضهم التقيته مثل المستشرق مايكل ماكدونالدز، الذي كان مشرفاً على جيل من الطلبة العرب والسعوديين. وكان ماكدونالدز مناصراً للقضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى، وسمعت قبل مدة أنه توفي من دون أن أجد لذلك صدى في صحافتنا. مَنْ كان يدير الملحقية الثقافية في لندن عندما كنت طالباً في انكلترا؟ - كان الملحق الثقافي عبدالعزيز بن منصور التركي، الذي كان في بداية حياته من سكان المدينةالمنورة، ويمتلك مكتبة علمية بجوار الحرم لبيع الكتب، وتزوج بابنة الأديب المعروف عبدالحميد عنبر رئيس تحرير صحيفة"المدينة"في أول عهد المؤسسات الصحافية في الثمانينات الهجرية، ثم انتقل من المدينةالمنورة إلى المنطقة الشرقية بوظيفة مدير تعليم، ومنها إلى لندن ملحقاً ثقافياً. يرى بعض زملائكم المبتعثين معكم آنذاك أن عاصم حمدان ومرزوق بن تنباك من أكثر المبتعثين مشاغبة للآخرين؟ - مرزوق بن تنباك كان بمكانة الأب للمبتعثين آنذاك، إذ كان يدفع من جيبه لمساعدة زملائه الطلبة. لقد وضع ابن تنباك والمطرودي وعبدالرزاق سلطان أسساً واضحة لأندية الطلاب السعوديين في بريطانيا، لقد كان ابن تنباك ومنذ أن عرفته وسطياً في فكره، غير مؤمناً بالفئوية ولا بالقبلية ولا بالأصولية. وكنت بعيداً عن الجمعيات العربية في بريطانيا، ولم يجذبني لها سوى الدكتور مرزوق بن تنباك. الطالبات أكثر اهتماماً ما الفرق بين تدريس الأولاد وتدريس البنات بالنسبة إليك؟ - من تجربتي في التدريس في الجامعة كنت دوماً - أجد نسبة المهتمين بالمادة التي أدرسها بين الطالبات أكثر من الطلاب، والفتاة السعودية وصلت إلى مرحلة متقدمة في البحوث والدراسات والرسائل التي تقدمها. ولعلي أشير هنا إلى أول رسالة تقدم عن المسرح في بلادنا وهي للابنة المبدعة حليمة مظفر، وأول دراسة علمية كتبت عن الأستاذ محمد حسن عواد كانت للباحثة أمينة عبدالحميد عقاد، وعربياً كانت أول رسالة ترصد حركة الشعر الحديث هي للباحثة سلمى الجيوسي من جامعة لندن، وأول رسالة تناقش فكر مالك بن نبي كانت للباحثة الدكتورة نورة السعد، وغير ذلك من الريادات العلمية والفكرية. ولكن نفترض أن يتساوى مع هذا الإبداع حضور واع للمرأة وتكريم لها، فهي الأم والأخت والزوجة والابنة، ونحن نعرف دور السيدة خديجة الكبرى - رضي الله عنها - في تاريخ الرسالة الخاتمة، ودور السيدة عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث، ودور أسماء بنت أبي بكر الصديق في مواجهة طاغية مثل الحجاج بن يوسف، وكثير من النساء الفضليات لعبن دوراً مهماً في حياتنا الاجتماعية والفكرية. ولكن التقاليد والأعراف حالت في بعض الأحيان بين المرأة وبين أخذها حظها ونصيبها ودورها في المجتمع. كتب مبدعينا نشتريها من الخارج لماذا نستمتع ب"معارض الكتاب"في خارج السعودية أكثر من داخلها؟ - الوضع الذي أشرت اليه هو وضع نفسي صنعناه نحن بأيدينا، فكل ممنوع مرغوب - أتذكر أنني قبل أقل من عقد من الزمن كنت عائداً من منتدى أدبي عقد في القاهرة، واشتريت عدداً من الكتب، من بينها ثلاثية الروائي تركي الحمد غير المتوافرة في المكتبات الداخلية. ولما وصلت إلى المطار فتشوا حقائبي قطعةً قطعة ? صدقني لا ألومهم - الرقيب فهمه للثقافة فهم ضعيف أو غير موجود أصلاً، وربما هو الفهم الذي ورثه ممَّن قبله، قبل أن يصبح العالم قريةً كونية، مع أن أستاذ الجامعة يفترض أن يقرأ كل كتاب حتى لو كان هذا الكتاب يتحدث عنَّا بصورة سلبية. ألم يسألوا أنفسهم كيف يمكن لنا أن نرد على بعض التهم الجاهزة الموجَّهة إلينا إذا لم نقرأ ما يكتبه الآخرون عنا؟ والكتاب الممنوع في معارضنا لا يقتصر على قصَّة أو رواية بل أحياناً يشمل كُتباً دينية ولكن قد نتفق أو نختلف عليها، مثل كتاب الإمام أبي حامد الغزالي "إحياء علوم الدين"، وأزعم أن فيه جزءاً عن الصلاة كتب بلغة هذا الزمن، وكتاب آخر لو وضعناه بين شبابنا لاستفادوا منه وأفادوا وهو كتاب الغزالي أيضاً"المنقذ من الضلال"، وهو كتاب يتحدث عن تجربة أبي حامد الغزالي الإيمانية، ولكن الوضع - اليوم - هو أفضل من السابق، لكن يفترض أن نحرر عقولنا من سوء الظن بالآخرين أو التشكيك في عقائدهم - وإذا سادت ثقافة حُسن الظن سنجد متعة كبيرة من خلال إقامة معارض الكتاب في بلادنا، وهذا الأمر لا ينفي أو يلغي أبداً أن تكون الأمور المقدسة - دينياً - موضع احترام ورعاية في كل ما يُكتب أو يؤلف وينشر. كيف ترى الأندية الأدبية تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام؟ - الأندية الأدبية مقارنةً بالوضع الذي انتهى إليه بعضها في الحقبة الأخيرة، هي أفضل حالاً، ودعونا نكون صُرحاء، فكثير من دعوات التعددية التي كان يرددها بعض المنظرين في محاضراتهم أو حواراتهم الفكرية لم تجد تطبيقاً على أرض الواقع، فكان التعيين على أساس معايير ثقافية وأدبية، فالأندية أضحت تضم من تصح تسميتهم بالمثقفين جنباً إلى جنب مع الأدباء والأكاديميين والمبدعين. وقد عبَّر كثير ممن ارتادوا الأندية بعد الخطوة التطويرية الأخيرة التي أقدمت عليها وزارة الثقافة والإعلام، عبَّروا عن سرورهم بأنهم أضحوا جزءاً من العملية التثقيفية داخل هذه الأندية، كما أضحوا يفهمون ما يُقال أو يُناقش، بينما كان البعض من داخل هذه الأندية يخاطبون بعضهم بعضاً بكلام غامض يحتاج إلى كثير من العناء لفك رموزه. ولكن من وجهة نظر أخرى نفترض أن تكون هذه الخطوة هي البداية لتأسيس جمعيات عمومية تضع توصيفاً واضحاً لمن يحق له التصويت لانتخاب أعضاء مجالس إدارات الأندية الأدبية، كما إنني من وجهة نظري الخاصة أرى ضرورة أن يوضح مَنْ يريد ترشيح نفسه للعضوية - برنامجه الفكري أو الثقافي أو الأدبي، بمثل هذا الوضوح وهذه الشفافية - وبضوابط - تقترحها الأندية بمعزلٍ عن أي مؤثرات شخصية - يمكن لنا أن ننتقل إلى مرحلة أخرى من تفعيل هذه الأندية كمؤسسات مستقلة، ولا يمنع هذا إشراف وزارة الثقافة والإعلام عليها. المرأة السعودية والإبداع هل وجدت المرأة المناخ المناسب للإبداع في السعودية؟ - هناك أدباء ناضلوا من اجل أن تحتل المرأة مساحة مهمة في ثقافتنا، وفي مقدمهم الراحل الأديب محمد حسن عوَّاد، الذي دخل في معركة أدبية مع الناقد عبدالعزيز الربيع - يرحمه الله - بسبب ديوان الشاعرة"ثريَّا قَابل"التي كرَّمها أخيراً عبدالمقصود خوجة، والموسوم "الأوزان الباكية"، كما دفع عدد من الرعيل الأول ببناتهم ليكنّ جزءاً من العملية الإبداعية في بلادنا، مثل حمزة شحاتة الذي كانت ابنته شيرين - رحمها الله - صوتاً إذاعياً مثقفاً، وكذلك دلال عزيز ضياء، وفاتنة أمين شاكر، وشعاع الراشد ومريم الغامدي. كانت مشاركة هؤلاء المبدعات ضمن التقاليد المرعية، نعم: لقد كان البعض في تلك الحقبة ينظر إلى الأمر وكأنه خروج على تقاليدنا وعاداتنا، ولكنني أعتقد أن الوقت حان للإشادة بهذه البدايات وتقويمها بعيداً عن الأوهام التي كانت جزءاً من ثقافة سائدة، وكلنا يعرف كيف أن تعليم المرأة مرّ بأطوار عدة وكانت بدايته صعبة، ولكن شجاعة القرار السياسي آنذاك كان لها دور في تثقيف المرأة وتعليمها من دون المساس بالتقاليد والآداب. إبداع المرأة اليوم هو استمرار لدور كاتبة ومبدعة مثل سميرة محمد خاشقجي، وربما كانت كغيرها تكتب بسبب النظرة التقليدية - تحت اسم مستعار أظنه - بنت الجزيرة - ولكن بعضهن اليوم يكتبن بأسماء مستعارة لأسباب مختلفة، والبعض مثل سهيلة زين العابدين وعزيزة المانع ووفاء الطيب ورجاء عالم وبدرية البشر وزينب حفني وليلى الجهني وغيرهن يكتبن بأسماء صريحة، وقد يتفق المرء أو يختلف مع بعض ما يكتبنه أو يبدعنه. لكن يظل الإبداع في الهواء الطلق خيراً من الكتابة تحت الأرض، في الأجواء التي يتنفس فيها الإنسان بملء رئتيه يمكن فرز ما هو صالح مما سواه، أما الحالة الأخرى فلا يمكن أن نجني منها سوى الكبت، ومعلوم ما للكبت من أضرار ومفاسد. المثقف السعودي والجوائز لماذا لم يفز أي مثقف سعودي بجائزة عالمية؟ وما الذي يقف حائلاً بيننا وبين العالمية؟ - نحن جزء من العالم العربي، وقد يسأل المرء لماذا يفوز أدباء أميركا اللاتينية بجوائز عالمية: السبب بسيط جداً، هو أنهم عبّروا عن حياتهم وتقاليدهم ومشاعرهم بأسلوب بسيط، بمعنى آخر هذه هي الأصالة الحقيقية في العالم العربي - والمثقف السعودي - جزء منه - يظل هذا المثقف يكرر أصواتاً غربية داخل إنتاجه، فلا تجد فيه المؤسسات المعنية بتقويم أدبنا صورة واقعية عن حياتنا. نسأل أنفسنا لماذا انجذب المستشرقون الأوائل للمعلقات الجاهلية؟ لماذا اهتموا بشعر الصعاليك؟ لماذا ترجموا قصص ألف ليلة وليلة التي كانت أول ترجمة لها في القرن الثامن عشر؟ وبين يدي دراسة نقدية رائعة عن أسلوب القصّ في ألف ليلة وليلة وأثره في الأدب الإنكليزي يحمل عنوان: "قصص ألف ليلة وليلة في الأدب الإنكليزي"The Arabian, Nights in English literature كتبه باحث إنكليزي في جامعة لندن اسمه: Peter L. Caracciolo، كيف يمكن لأدبائنا في العالم العربي أن ينتقلوا إلى العالمية ولا يزال يسكن بعضهم صوت ت.س. إليوت، هذا لا يعني أنني لا أتأثر ب"إليوت"، ولكن يجب أن نتجاوز مرحلة التأثر هذه إلى مرحلة الأصالة، أم تريدنا أن نفوز بكتاباتنا عن البنيوية والشكلانية وقد انتهت كموضة أدبية منذ التسعينات الميلادية وانتهى فكر ماركس في الغرب؟ ولكن البعض منا يتوهم أنه لا يزال مؤثراً وفاعلاً. عندما تسمع أن هناك مثقفين يتسوّلون بعد خروجهم إلى المعاش... على منْ تلقي باللائمة؟ - المثقف في الغرب يعيش حياة رغدة لأن الأمة تقرأ، والمؤسسات المعنية بتقويم الإنتاج الأدبي تعرف قيمة الفكر ودوره في الارتقاء بالمجتمع والأمة حضارياً وثقافياً واجتماعياً، ونحن في بعض الأحيان - كذلك - تنطبق علينا مقولة الراحل محمد حسين زيدان - بأننا مجتمع دفان - في اعتقادي أن الزيدان قالها في أخريات حياته تعبيراً عن وضع مؤلم، فهو كان يشارك في تقويم إنتاج الأدباء الذين فازوا بجائزة الدولة التقديرية، ولكنه لم يحظ بها مع انه يستحقها. لا أريد أن ألقي باللوم فقط على - المؤسسات الرسمية للحال التي يمر بها بعض أدبائنا مثل"جار الله الحميد"وفي الماضي مثل: حمد الحجي، وعبدالله سلامة الجهني، وسليمان سندي، ومحمد عالم أفغاني - الذي رأيته بنفسي في أوائل الثمانينات الهجرية - يمشي في"شارع العينية"في المدينة وحيداً حاسر الرأس، حافي القدمين، مع أنه من رواد فن القصة في بلادنا، وقد أحسن أستاذنا الدكتور محمد العيد الخطراوي عندما جمع شيئاً من إنتاجه في كتاب أصدره عنه وتحمس له عبدالفتاح أبومدين - إبان رئاسته لنادي جدة الأدبي - فنشره، الحال التي وصل إليها بعض هؤلاء الأدباء يتحمل جزءاً كبيراً منها المجتمع، ويطرح السؤال مرة أخرى: ما قيمة الأديب والمبدع في عالمنا العربي؟ هل ترى أن المؤسسات الحكومية مقصّرة في تكريم الأدباء والمثقفين؟ ولماذا لا توجد جائزة سعودية للمثقف السعودي؟ - الأدباء والمثقفون هم ثروة الأمة، هم الذين يرسمون بكتاباتهم وإبداعاتهم مستقبلها ويصنعون تاريخها الحقيقي، فهم يحتاجون إلى أكثر من جائزة، ما الفائدة أن نحتفي ب"عبدالعزيز مشري، أو عبدالقدوس الأنصاري أو حسن الصيرفي، بعد وفاتهم، وفاء جميل، ولكن الأجمل منه أن يشهدوا صور الوفاء هذه في حياتهم، وكنت أرى الفرح والسرور على وجه الرائد الشاعر الكبير محمد حسن فقي - رحمه الله - عندما أنشأ المفكر أحمد زكي يماني جائزة بأسمه، وقد حضر أكثر من احتفالية لها قبل وفاته. لست ضد الغذامي كيف قرأت كتاب الغذامي"حكاية الحداثة"؟ - الغذامي قامة فكرية لا يختلف عليها اثنان، ولكن مشكلته أنه لا يقبل"الآخر"، ولذا هضم حقوق بعض زملائه الذين كانوا معه في ركب الحداثة.... فالجميع يعلم أن الدكتور سعيد السريحي هو الوحيد الذي دفع الثمن جراء دفاعه عن الحداثة، وكيف تراجع الغذامي وقدم سعيد السريحي. والسريحي زميل دراسة وشاب لماح وذكي، أما الغذامي فقد جاء من دراسته في الخارج ووجد حركة الحداثة قائمة أمامه في السعودية، وشهد عام 1400ه الاصطدام بين الحداثة والتيار المتشدد، وهذا يؤكد أن الحداثة كانت قبل مجيء الغذامي من بعثته، إذ إن التيارات لا تنشأ في يوم وليلة، بل تحتاج إلى سنوات، كما أن محمد العلي هو الأب الروحي للحداثة في السعودية. هل تعتقد أن محمد العلي أكثر تمكناً من الغذامي؟ - نعم، وصاحب ثقافة واسعة وشاملة. كما أن محمد العلي وسعد الحميدين وعبدالله نور من جيل واحد، ولكن الغذامي أكثرهم جرأة عندما جاء بخلفيته النقدية وتقدم المركبة. شفافيتك هذه، هل نفسرها بأن لك موقف ضد الغذامي؟ - إطلاقاً، بل إن الغذامي صاحب السبق في إرساء دعائم قسم اللغة العربية في جامعة الملك عبدالعزيز، وعندما هوجم من المتشددين، في أعقاب كلمته في مؤتمر الحوار الوطني الثاني، وصمت حواريوه، لم ينصفه سوى عاصم حمدان، من خلال مقالتي عنه في ملحق"الرسالة"، إذ أنصفته وأنا لست حداثياً، بل إن معظم طلابي الحداثيين يحصلون على تقدير"ممتاز"في دراستهم عندي، وأمنحهم التزكيات العلمية إذا ما سألوني. من هم طلابك الحداثيون؟ - حسين بافقيه، فهد الشريف، جبريل أبو ديّه، محمد المنقري، عبدالله المراغين، علي مكي. إذاً لماذا تنتقد الحداثيين أحياناً؟ - لا أنتقد الحداثة والحداثيين لمواقف بيني وبينهم، وإنما أنتقد الأشخاص الذين ينادون بالتعددية ولم يأخذوا بها، إلى درجة أنهم لا ينشرون بعض القصائد العروضية في الصفحات الثقافية التي يشرفون عليها. ولكنك متهم بصفتك أحد الذين ضيقوا الخناق على الغذامي حتى خرج من جامعة الملك عبدالعزيز باتجاه الرياض؟ - لم أشارك أحداً ضد الغذامي، والخلافات كانت بين الأساتذة الكبار في القسم، إذ كنت أيامها للتو عائد من بعثتي. وللأمانة، كان الخلاف بين الغذامي وعمر الساسي، ولم أدون بقلمي كلمة واحدة لأي منهما، بل كنت مع الجميع عف اللسان. وأتحدى من يثبت لي عملي ضد الغذامي أو ضد الحداثيين بشكل عام، ولك أن تسأل الابن حسين بافقيه الذي يُعد من جيل الحداثيين المعتدلين العاقلين، ومحمد المنقري ومحمود تراوري ومنصور الحازمي وعبدالله المعيقل. فجميعهم يعرف أنني وسطي في كل شيء. كيف ترى أداء الأندية الأدبية؟ - أرى أنها تمر بمرحلة انتقالية، وينبغي أن تجدد لوائحها بعد كل أربع سنوات. وأنا شخصياً لا أخشى على الثقافة لدينا مع وجود شخص في قامة إياد مدني، المثقف الذي دائماً ما يستشرف الأفق، فقبل أن نبدأ الانتخابات البلدية، بدأ إياد مدني بانتخاب المؤسسات في وزارة الحج. وإياد مدني يجمع بين الثقافة وسعة الاطلاع والتدين الطبيعي، وهذا ديدن والده السيد أمين مدني وعبيد مدني، أسرة العلم والفضل في المدينة. الرواية عندنا من يعجبك من كتاب القصة؟ - الحقيقة أنني أقرأ لجيل حامد دمنهوري وعبدالله الجفري وحمزة بوقري وعلي حسون وحسين علي حسين، ومن الكتاب الآن، ليلي الجهني ومحمود تراوري في روايته"ميمونة"، والأمير سيف الإسلام بن سعود في روايته"طنين"، إذ استطاع أن يوظف الجانب التاريخي توظيفاً فنياً في روايته. وبالمناسبة فالرواية لا تزدهر إلا في ظل تحولات المجتمع، لكن بعض الروايات والقصص الآن تعتبر سيراً ذاتية، وهذا يدعونا للقول بأن ما كتبه الدكتور غازي القصيبي يندرج تحت مسمى"السيرة الذاتية"أكثر من كونه القصة أو الرواية. هل يُعد القصيبي"روائياً أم"قاصاً"؟ - لا أعتبره كذلك، وكان بإمكان القصيبي أن يبدع في القصيدة التقليدية وقصيدة التفعيلة مثل"بدر شاكر السياب"و"نازك الملائكة"وأسامة عبدالرحمن عثمان لو ركز على الشعر من دون غيره. ودائماً ما يكون شعراء البحور الكاملة أو ما يسمون بالتقليديين على دراية وتمكُن في كتابة قصيدة التفعيلة، لأنهم انتقلوا مما هو أقوى إلى ما هو أضعف، وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة نجحا لأنهما تحولا من كتابة الشعر في بحوره الكاملة إلى شعر التفعيلة. وغازي القصيبي مؤسس لمدرسة شعرية حديثة، وكذلك محمد العلي وسعد الحميدين وعبدالمحسن حليت وفاروق بنجر، إضافة إلى الجيل الناشئ كأحمد البوق ومسفر الغامدي وصالح الزهراني وعبدالرحمن العشماوي، على رغم أن بينهما فروقاً إلا أن كل واحد منهما متمكن في أدواته، إذ يُعد عبدالمحسن حليت الشاعر الذي استطاع أن يبعث الحياة من جديد في القصيدة التقليدية. الحليت والثبيتي و...! ولكن عبدالمحسن حليت شبه اختفى الآن.... هل تعتقد أنه نضب معينه كما يرى البعض؟ - لا أتصور شاعر كبيراً مثل عبدالمحسن حليت ينضب معينه بهذه السهولة، فهو ما زال يكتب شعراً جميلاً، ولكن سياسته في النشر ضد الظهور المتكرر، وعلينا أن نحترم رغبته. طالما أنك من متابعي إنتاج الشعراء، كيف ترى تجربة عبدالله الزيد ومحمد الثبيتي وعبدالله الصيخان؟ - جميعهم شعراء كبار، ولكن محمد الثبيتي يجيد كتابة القصيدة التقليدية والتفعيلة العذبة، لأنه عاش الحياة الريفية وحياة البادية، لذا استطاع أن ينقل من حياة البادية الصور الجميلة بصفائها وسماحتها واتساعها، وهذا يحسب له مبدعاً. ماذا عن كتّاب القصة إذاً؟ - هناك أسماء مبدعة في هذا الفن، واستطاعت أن تسجل لها حضوراً عربياً، فعلى سبيل المثال عبدالله الناصر يكتب القصة والمقالة الصحفية بشكل مبدع، ومجموعته القصصية الأخيرة"سيرة نعل"تؤكد ذلك. كما أن كتاباته المتعددة تعكس ثقافة واسعة وشاملة. وهنا أستطيع أن أقول إنه رجل مثقف والمثقف قد يجمع إلى ثقافته نواحي إبداعية عدة. كما أن الناصر استطاع أن يبدع إدارياً إذ سخر جهوده في بناء الملحقية الثقافية في لندن بعد ذهاب جيل عبدالعزيز التركي وخضر الشيباني، وأضاف بُعْداً آخر في حضور الثقافة السعودية في بريطانيا من خلال الأنشطة التي أقامتها الملحقية إبان رئاسته، وكنت أتمنى أن المجلة لم تتبع للملحقية بقدر ما تتبع أندية الطلبة السعوديين، ويبقى الإشراف للملحقية. الطابع السياسي عندي أدبي مقالاتك الأسبوعية في"ملحق الأربعاء"في صحيفة"المدينة"يغلب عليها الطابع السياسي من خلال تتبعك للشأن البريطاني بدقة، ما سر ذلك؟ - حسناً، في بريطانيا اهتممت بتتبع مسار القضية العربية في أروقة السياسة البريطانية، وقادني ذلك إلى قراءة المذكرات المتعلقة بفترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وكيف سلمت أول حكومة عمالية جاءت بعد الحرب العالمية 1945 فلسطين لليهود. كما كنت مهتماً أيضاً بكيفية تسلل الفكر الصهيوني إلى السياسة والفكر البريطاني، إذ كان أول رئيس لدولة إسرائيل حاييم وايزمان طالباً في جامعة مانشستر فكتوريا التي درست فيها لاحقاً. وحاييم وايزمان كان من الذكاء بمكان ? وهذا الذي يجب أن يتعلمه العرب ? إذ تعرف على رئيس تحرير"مانشستر جارديان"مستر سكوت، واستطاع عن طريقه أن يتسلل إلى أروقة السياسة البريطانية. وايزمان لم يكن يتحدث الإنكليزية عندما جاء إلى بريطانيا وفيها تعلم اللغة وأجادها، بعد ذلك التقى بلفور الذي لم يكن في تلك الفترة وزير خارجية، بل كان رئيساً لوزراء بريطانيا، وبغض النظر عن بعض الدراسات الأخيرة، التي تصف بلفور بأنه ذو أصول يهودية، فإن بعض اليهود ليسوا أشد وطأة من معتنقي الفكر الصهيوني من الأميركان والإنكليز وغيرهم.