لفت العدد الجديد من المجلة العربية لشهر صفر فبراير/ شباط الأنظار، بعد مغايرته الشكلية والموضوعية للأعداد السابقة، اذ وضع رئيس تحرير المجلة الجديد الدكتور عثمان الصيني رؤيته لخطة تطوير"العربية"في افتتاحيته لأول عدد بعد توليه المنصب، موضحاً أن المجلة أفادت من ظروف المرحلة الثقافية الدولية والقومية والوطنية، منسجمة مع التطور الكبير الذي يعيشه المشهد الثقافي السعودي المتمثل في مؤسسات الهيئة الثقافية. جاء التطوير الذي بدا خلال مواضيع العدد، متوازناً يشي بأنه لا يزال هناك الكثير الذي يمكن تقديمه خلال الأعداد المقبلة. وفي دلالة واضحة على البعد العربي الذي تتخذه المجلة منهجاً بدءاً من اسمها تعرض أول مواضيع المجلة لقضية"فض الاشتباك بين الأزهر والمبدعين"، وهي التي شغلت الرأي العام المصري أكثر من مرة، وكان آخرها ما أثير حول قصيدة"شرفة ليلى مراد"للشاعر المصري حلمي سالم، التي نشرت في أول عدد لمجلة"إبداع"بعد سنوات من توقفها. وحفل العدد بكتابات تستعرض المشهد الثقافي العربي، من خلال كتابات من تونس، سورية، مصر، الأردن، المغرب، سلطنة عمان، قطر، متخطياً ذلك إلى دول أخرى مثل تركيا، من خلال تحقيق صحافي حول فيلم"تقوى"الذي اختارته وزارة الثقافة التركية ليمثل تركيا في مسابقة الأوسكار، بعد أن نال العديد من الجوائز في المهرجانات الأوروبية، ويقدم الفيلم معالجة سينمائية للصراع بين التشدد والاعتدال في الإسلام. ويلفت الصيني في افتتاحية العدد، إلى أن المجلة تحتفل بإكمالها ثلث قرن، مشيراً إلى سعي المجلة إلى"إسكان التقاليد الأدبية والتاريخية التي استقرت في ذاكرة ووجدان الأمة العربية، في الجغرافيا المعاصرة"، من خلال رحلة المجلة إلى القطيف أو هجر أو الخط"التي عرفت قديماً بالرماح الخطية والسمهرية والردينية وبتمر هجر"، في محاولة للتعريف بشاعرية المكان، منوهاً برحلة أخرى إلى"إرم ذات العماد"التي دفنتها ريح صرصر عاتية في صحراء الأحقاف، حتى كشفتها أقمار ناسا الاصطناعية. وفي عرض للتقرير السعودي الأول عن أوضاع المرأة الذي ناقشته الأممالمتحدة، أوضحت سمر المقرن أن التقرير كشف عن وجود 12508 نساء سعوديات تشغلن مناصب قيادية عليا، من بينها منصب وكيلة وزارة. وفي قراءة كتبها حسين الوادعي عن تاريخ الأدب اليمني المعاصر، قسم فيها المرحلة الأدبية المعاصرة في اليمن إلى ثلاث موجات رئيسة، مشبهاً الموجة الأولى"التجديد في الأربعينات"بالثغرة التي فتحت في جدار العزلة، إذ أدخلت المؤثرات الحديثة في الشعر والقصة والمسرح إلى الأدب اليمني، فيما عدَّ الوادعي التحول الجذري في الستينات موجة ثانية، شهدت التأثر بالمجتمع الجديد، والأفكار السياسية الجديدة، وتيارات الأدب الحديث، إذ أطلق على هذه المرحلة اسم"الثورة"، ذاكراً أن الشعر كان المسيطر إبداعاً وكماً وانتشاراً، معللاً بذلك أن أشهر وجهين ثقافيين لليمن في القرن العشرين هما الشاعران: عبدالعزيز المقالح وعبدالله البردوني، معتبراً موجة التسعينات"الثالثة"، واصفاً إياها بلحظة المد الكمي والنوعي الهائل في الأدب اليمني. وتحت عنوان"التاريخ الشفهي عند العرب"، ذكر السوري محمد السموري أن العربي"أهمل تاريخ الأحداث وتدوينه"، معزياً ذلك على جديته التي أملتها بيئته الثقافية، مشيراً إلى تأثر العرب في ظل الإسلام بالمنهج القرآني في ذكر القصص، إذ لم يدون القرآن الكريم الأحداث بتاريخها بشكل مباشر، ولفت السموري إلى استخدام الظواهر المناخية في التأريخ، ومن أهمها حالة نزول الثلج، باعتبارها من الحالات النادرة في الجزيرة ذات الجو الصحراوي "الحار صيفاً والبارد شتاءً"، ضارباً أمثلة عدة على هذا الأسلوب في التأريخ منها:"سنة الغلاء"1916،"سنة الوسمية"1917،"سنة الجدري"1942،"سنة السبع ثلجات"1943،"التي تجمد فيها نهر الفرات". الغذامي للمرة الأولى وفي مشاركة تعد الأولى من نوعها له في المجلة العربية، كتب عبدالله الغذامي تحت عنوان"معرض الكتاب الأول وتلقين الدروس"، حول ملابسات ندوة"التعليم والإصلاح"التي أقيمت ضمن فعاليات معرض الكتاب في 2 فبراير شباط 1427، لكن السؤال لماذا يعيد الغذامي الكتابة عن هذه الندوة، التي أثارت جدلاً آنذاك؟ غير أن الجديد في المقال أنه ينشر قبل أقل من شهر، على انطلاقة الدورة الجديدة من معرض الرياض الدولي للكتاب، وفيه يشير إلى وعي المنظمين لتلك الدورة، أي وزارة التعليم العالي، قبل أن ينتقل المعرض إلى وزارة الثقافة، و"علو تصوراتهم". وتنشر المجلة للكاتب محمد الصادق عبداللطيف دراسة يستعرض فيها سيرة شاعر سعودي أقام في تونس، وهو أحمد بن عبدالله أديب المكي الشافعي. ويوضح الكاتب أن المكي أسهم في إثراء الحركة الأدبية التونسية آنذاك بما كان ينتجه من القصائد ويلقيه في المجالس الأدبية، إلى أن أصبح رواة شعره وعشاق أدبه يسبقونه حيث يحل. وجاء الكتيب المرافق للمجلة، حول"اغتراب الثقافة الكل عن المجتمع الكيان"قراءة للثقافة المجتمعية والتغيرات الفكرية للدكتور علي الخشيبان مميزاً، يحسب للمجلة العربية في عهدها الجديد، تماماً مثل الكتيب السابق، الذي تضمن دراسة للناقدة فاطمة إلياس حول الشعر النسوي في إيرلندا. والتنوع الذي تتميز به مواضيع العدد الصادر في 128 صفحة، يوحي برغبة في إيجاد توازن بين الأشكال الأدبية والفنية المتنوعة، واستكتاب أقلام جديدة، تخرج القارئ عن طور الملل. يبقى أن ننتظر ما ستقدمه الأعداد المقبلة من وجبات ثقافية، لتكشف ما إذا كان الصيني سيستمر وهيئة التحرير في التطوير تدريجياً، أم أن تحديات ستبرز لتواجه المجلة العربية في عهدها الجديد؟