«ما زلنا نتلقى الصدمات»، بهذه الجملة حاول مرافقنا محمد فتحي، مستشار محافظ الانبار، التخفيف من وطأة الاجراءات الامنية قبل دخولنا مكتب رئيس الحكومة المحلية، قاسم محمد عبد، الذي فقد يده اليسرى في كانون الاول (ديسمبر) 2009 اثر هجوم انتحاري ونجا من آخر مطلع العام الجاري. وقال عبد ل «الحياة» ان اختراق الاجهزة الامنية وضعف منظومة الاستخبارات وتواضع اعداد عناصر الامن والخلافات السياسية، كلها مجتمعة وراء تدهور الامن في محافظة الانبار». وشهدت الانبار خلال ايلول (سبتمبر) وتشرين الأول (اكتوبر) هجمات انتحارية استهدفت مقر الحكومة المحلية وسط الرمادي واخرى تعرضت لها مقار حكومية ومراكز شرطة في مدن تابعة لها، وأشد هذه الهجمات عملية نفذها عناصر سابقون من «القاعدة» قتلوا فيها 22 شخصاً من محافظة كربلاء الشيعية المجاورة بهدف تفجير فتنة مذهبية. وأكد عبد ان «العامل الأكثر خطورة على امن المحافظة هو الصراع السياسي بين القوى». وانتقد الاحزاب بسبب «القرارات والتوجهات التي دائماً ما تكون وفق مصالح شخصية او حزبية او فئوية». وأضاف: «الاجندة الخارجية موجودة في الانبار، وكل دول الجوار بلا استثناء تعمل على بسط نفوذها فيها، والصفحة الدموية تمثل واحدة من اشكال هذا الصراع. هذه الدول شكلت حكومات في الانبار وعينت محافظين». وختم جملته بابتسامة ساخرة: «انا لي الآن زملاء كثيرون». وأضاف: «كما ان صراع الاحزاب الكبيرة في بغداد ينسحب على امننا هنا من خلال محاولة بعض الكتل خلق فوضى في المحافظة للضغط على الحكومة الاتحادية». اجندة طائفية وتعد الانبار من اكثر محافظات البلاد التي عانت من العمليات المسلحة، ومن قتل وتشريد واستغلال اراضيها من قبل «القاعدة» عبر تنفيذ اجندة طائفية ومن خلال اتخاذها مركزاً ل «دولة العراق الاسلامية» التي شكلها «مجلس شورى المجاهدين» التابع الى «كتائب التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين» وهو الاسم الذي تعمل به «القاعدة»، منذ الخامس عشر من تشرين الأول عام 2006، عندما تعرضت مدينة الفلوجة في الانبار، الى عمليات عسكرية عنيفة قامت بها قوات التحالف الدولي والقوات العراقية بين عامي 2004 و2005 وجاءت بعد استهدافات متكررة للجنود الاميركيين. وأضاف عبد: «في الانبار اليوم تنظيمات قاعدية عدة كل واحد منها يعمل لحساب دولة». وأكد ان الخطر الذي يهدد محافظته «متمثل بعودة العشرات من قادة المسلحين الذين سبق ان قاتلوا مع «القاعدة» قبل عام 2008 وتم اعتقالهم من قبل رجال القبائل ضمن ما يسمى ب «الصحوة» المدعومة من الحكومة العراقية والقوات الاميركية، وافرج عنهم ضمن صفقات سياسية قبيل الانتخابات التشريعية الماضية، في آذار (مارس) 2010». وقال: «تحول معتقل بوكا الى اكاديمية عليا للارهاب خرج اناساً بعقليات لا تمت للتاريخ بصلة». وكشف عن وجود موارد بشرية تتسلل من الخارج لرفد تنظيم «القاعدة»: «هناك تزايد في عدد المتسللين وفق قاعدة المعلومات المتوافرة لا سيما ضمن قاطع الحدود مع سورية خصوصاً مع بدء الحراك الشعبي هناك ضد النظام». وتابع: «لا يخلو اسبوع واحد من تسلل ارهابيين، وهناك اكثر من مكان ضمن هذا القاطع نشكو فيها من اختراق واكثرها منطقة طريفاوي التي تقع شمالاً بالقرب من حدود محافظة نينوى». وذكر مصدر امني في الانبار فضل عدم الكشف عن اسمه، ان «الهضبة الغربية التابعة للمحافظة حولها الزرقاويون الى قواعد مركزية لادارة عملياتهم في عموم البلاد ويتمركزون حالياً في الكهوف ويتخذون من الاودية ستاراً لتدريب المجندين الجدد وغالبيتهم من اليافعين وتم اختيارهم من عائلات فقدت افراداً لها في عمليات الجيش الاميركي ضد الفلوجة بين عامي 2004 و2005 اضافة الى ذوي المعتقلين وتم استخدامهم كانتحاريين». وأكد عبد صعوبة السيطرة على هذه الهضبة لكونها «تمثل ثلث مساحة العراق». وأضاف: «نعم هذه المنطقة تحولت الان الى ملاذات آمنة ومنحتهم التضاريس ميزاتها واستغلوا هم خصوصيتها». وحول الاجراءات الامنية التي اتخذتها الحكومة لمجابهة تحدي القاعدة، قال: «الخطة الامنية التي نفذت تتمثل في السيطرة على عقد استراتيجية للمواصلات للحد من تحركاتهم وتحجيم فاعليتهم». ولفت الى ان «عملية السيطرة على منطقة كهذه تحتاج الى جيش بقوام الجيش العراقي باكمله». وأكد قائد شرطة الانبار اللواء هادي رزيج كسار ل «الحياة» عودة غالبية الجيل الاول من «القاعدة» ومن المعتقلين سابقاً. وقال: «90 في المئة من نزلاء بوكا المطلق سراحهم عادوا الى العمل المسلح ومنهم من التحق بالعصابات الارهابية حتى قبل ان يزور عائلته». وكشف عن تلقي هؤلاء دعماً من سياسيين وبعض القوى السياسية، احتضنتهم واستخدمتهم وهي تدافع عنهم». وأوضح كسار مستوى التحدي الذي يواجهه قائلاً: «توجد خلايا نائمة مدعومة من الداخل والخارج تقوم بأعمال ارهابية معتمدة في مخططاتها على اليافعين من الصبيان». تبادل المناطق وعن الاستراتيجية او التكتيك الذي تستخدمه هذه المجموعات، قال: «الاستراتيجية التي اكتشفناها خلال تحقيقاتنا الجنائية هي ان قادة العصابات الجدد اعتمدوا آلية جديدة لاستخدام اليافعين عبر تبادل المناطق، فمثلاً اكتشفنا ان منفذ عملية اغتيال احد المسؤولين غرب المحافظة كان من اهالي بغداد، وله جد يسكن في المنطقة، وبعد العملية عاد الى منزله في حي الخضراء بالعاصمة وتمت ملاحقته الى هناك والقي القبض عليه. هم الآن يكلفون عناصر من اهالي الرمادي بتنفيذ عمليات في بغداد او محافظات اخرى وبالعكس». وأضاف: «عملوا على ايجاد اوكار تأويهم من مطاردة الاجهزة الامنية يفرون اليها في محيط المحافظة مثل ابو غريب والتاجي والكرمة، واحياء الخضراء والعامرية والشرطة في بغداد، اضافة الى تلال البعاج التابعة الى محافظة نينوى». الى ذلك عزا الشيخ احمد ابو ريشة، رئيس «صحوة العراق» في تصريح الى «الحياة»، نجاح تنظيم القاعدة في تنفيذ هجماته الاخيرة الى عدم تعاون الحكومة مع رجال القبائل في المحافظة، وأكد ان «رفض الحكومة التعامل معنا انعكس على الوضع الامني سلباً. الخلل الرئيسي هو في عدم توافر معلومات استخبارية. لم تعد للتنظيم حواضن داخل المدن، ومشكلتنا في المطلق سراحهم من نزلاء بوكا». وانتقد ابو ريشة سياسيين لم يسمهم «سعوا الى اخراج هؤلاء القتلة من السجون واستخدموهم كاوراق انتخابية لكسب الاصوات». واستدرك: «لم نسمع الى الآن بإعدام امير من تنظيم القاعدة». كما انتقد ابو ريشة منظمات دولية معنية بحقوق الانسان تضغط باتجاه منع الحكومة عن تنفيذ احكام الاعدام بحق مدانين: «39 اميراً من تنظيم القاعدة كانوا سجناء في وزارة الداخلية طالبنا باعدامهم فدافعت عنهم منظمات انسانية». واعتبر الخبير العسكري، اسماعيل المشكوري، وهو لواء سابق في الجيش العراقي، ان «عودة الزرقاويين لقيادة تنظيم القاعدة من جديد يعني مزيداً من القتل». وقال: «هذه العودة بقدر ما تمنح الجيل الثالث من «القاعدةط ثقة اضافية بالنفس وطاعة عمياء، تعني ايضاً العودة الى التكتيك السابق الذي اعتمدوه في اعوام 2004 و2005 و2006 و2007 عبر السيطرة على المناطق من خلال الية القضم، التي تبدأ من القرية القريبة من المدن لا سيما تلك التي لا تسيطر عليها قبيلة بعينها وتفتقد الى ادارة مشيخة قوية، ثم ترتكز عليها كقاعدة للاغارة على قرى أكثر قوة لتخضعها. والأسلوب نفسه يعتمد داخل المدن بعد ان تزحف «القاعدة» عليها من هذه القرى القريبة حتى تصل الى المراكز التجارية اولاً ثم مناطق نفوذ الحكومة ومقراتها». عودة الزرقاويين وأضاف: «الذين قاتلوا مع الزرقاوي يتمتعون بمزايا عدة اكتسبوها من ادارة زعيمهم آنذاك على الارض اهمها استخدام الرعب من خلال القيام بعمليات قتل جماعية وتوريط السكان بها لاخضاعهم». ولفت المشكوري الى استراتيجية وتكتيك عمل الجيل الثالث الذي يقوده الجيل الاول الآن: «الجيل الثالث من «القاعدة» اعتمد استراتيجية وتكتيكاً مختلفين تماماً لكونه عمل في بيئة تسيطر فيها السلطات على الشارع الامر الذي دفعه الى اعتماد قتال العصابات، الذي يركتز اولاً على توفير ملاذات آمنة قرب الاهداف، وايضاً العمل بالخفاء بعيداً عن انظار الناس او علمهم بانتساب هذه العناصر الى منظمات مسلحة، وتنفيذ عمليات محدودة، وهذه ميزة تضيف الى تخطيط الجيل الاول نسبة جديدة في امكانية نجاح العمليات». مسؤول مدني آخر في الانبار افاد عن دعم ديني يساند الارهابيين من خلال مباركة عملياتهم ضد المدنيين، وقال ل «الحياة» انه «بعد احدى الهجمات على مجمع الدوائر الحكومية في الرمادي حصلنا على تسجيل مصور من كاميرا مراقبة قريبة من المكان كان يظهر فيه موقع العملية قبل التفجير ببضع ثوان وقد خرج منه رتل للقوات الاميركية مر بجانب سيارة كانت متوقفة بالقرب من مدخل المجمع وما ان انتهى حتى انطلق سائقها بسرعة فائقة ليقتحم البوابة ويفجر العجلة. عرضت هذه الصور على رجل دين له سطوة شبه مطلقة على خطباء مساجد المحافظة فنهرني واستنكر ما يوحي به التسجيل من انهم (المسلحون) اصدقاء الاميركيين واعداء العراقيين».