بيت المال له وظيفتان: الأولى سد حاجات الناس اطلاقاً، والأخرى، القيام بمصالح الناس بمختلف أقسام المصالح، فبيت المال، مثلاً، يعطي المال للفقير ليغنى، ولابن السبيل ليرجع إلى بلده، وللأعزب ليتزوج، وللمريض الذي لا يتمكن من نفقة مرضه حتى يشفى، وللشخص الذي ليس له رأسمال، وهو يريد الكسب ليكتسب، والذي ليس له دار وهو بحاجة اليها، ليبني داراً، ولمن يريد طلب العلم ولا يتمكن من النفقة، لينفق في سبيل العلم... إلى غيرها وغيرها من سائر الحوائج. وبالجملة: فكل محتاج يراجع بيت المال وعلى بيت المال تموينه، على سبيل الوجوب والحق، لا على سبيل التبرع والاحسان. عرّف الفقهاء الزكاة بأنها: إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص اذا بلغ نصاباً، ويعطى لمستحقه ان تم ذلك الملك، وحال عليه الحول، غير المعدن والحرث، فالجزء المخصوص: هو المقدار الواجب دفعه، والمال المخصوص هو النصاب المقدر شرعاً، والشخص المخصوص هو مستحق الزكاة، وقد عرفها الحنفية بأنها: تمليك جزء مال مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص عيّنه الشارع لوجه الله تعالى. وهي اسم لحق واجب في مال مخصوص يعطى لطائفة مخصوصة على أوصاف مخصوصة. فالطائفة هي الأصناف الثمانية المشار اليها بقوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليه والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله، والله عليم حكيم، وعند الجمهور"أبي حنيفة ومالك والشافعي"، يقتل مانع الزكاة حداً ولم يحكم بكفره ويرثه أبناؤه. يتفاوت الناس في الأرزاق والمواهب وتحصيل المكاسب، وهو أمر واقع وموجود في شرعة الله وفطرته، وذلك في قوله تعالى: والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق أي أن الله فضل بعضنا على بعض في الرزق، وأوجب على الغني أن يعطي الفقير حقاً واجباً مفروضاً لا تطوعاً ولا منة، لقوله تعالى: والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم. إن الزكاة وسيلة لعلاج ذلك التفاوت الطبقي وتحقيق التكافل أو الضمان الاجتماعي في الاسلام، وهي عون للفقراء والمحتاجين فتأخذ بأيديهم الى استئناف العمل والنشاط إن كانوا قادرين، وتساعدهم في ظروف العيش الكريم إن كانوا عاجزين، فتحمي المجتمع من مرض الفقر، والدولة من الارهاق والضعف. والجماعة مسؤولة بالتضامن عن الفقراء وكفايتهم، فقد جاء في الأثر:"أن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وأن الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليماً". وورد في الأثر أيضاً:"ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة، يقولون: ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم، فيقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لأدنينكم ولأباعدنهم، ثم تلا صلى الله عليه وسلم: والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم". والزكاة تطهر النفس من داء البخل والشح، وتعود المسلم بذل المال والجود به فلا يقتصر على الزكاة، بل يسهم بواجبه الاجتماعي في عطاء الدولة عند الحاجة وتجهيز الجيوش، وصد العدوان، وفي إمداد الفقراء حتى يكتفوا، وكذلك يوفي بالنذر ويقوم بأداء الكفارات المالية بسبب الحنث في اليمين، او الظهار، أو القتل الخطأ، او انتهاك حرمة شهر رمضان، وكذلك تدفع للقائمين على أفعال الخير، والأوقاف والأضاحي وصدقات الفطر وصدقات التطوع ونحوها، والزكاة وجبت أيضاً شكراً لنعمة المال، وهي سبب لنيل رحمة الله تعالى، بدليل قوله عز وجل: ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة. إن الجهل بوجوب فريضة الزكاة يستدعي من الفقهاء والعلماء في المملكة العربية السعودية والدول الاسلامية كافة تحذير أغنياء المسلمين من التهاون والتقصير فيها، والتهرب منها، ومن مظاهر جهل بعض الأغنياء بفريضة الزكاة يلحظ في شهر رمضان احتشاد وتجمع بعض الفقراء والمساكين على أبواب بيوت الأثرياء والموسرين طمعاً في ما يجودون به من القليل من المال، وحدّث بعضهم أن الملياردير الفلاني لا يعطي إلا في شهر رمضان، كونه شهر عبادة ورحمة. وأن نصيب كل فقير يقف على بابه لا يتجاوز مبلغ 100 ريال، وأن مجموع من يقف على بابه في هذا الحر الشديد لا يتجاوز عددهم 200 نفر. أي أن مجموع ما يوزعه هذا الملياردير كل عام لا يتجاوز 20 ألف ريال، فيظن أمثاله أنه قد أدى ما عليه من فريضة، والتي يطلق عليها الناس مصطلح"حق الله"، وبعضهم لا يفعل هذا إلا رياء، والعياذ بالله. في المملكة العربية السعودية صدر المرسوم الملكي رقم 17/2/28/8634 بتاريخ 7 - 4 - 1951 باستيفاء الزكاة الشرعية من الأفراد والشركات السعوديين، ثم صدر القرار الوزاري رقم 393 بتاريخ 6 - 8 - 1370ه 13 - 5 - 1951 بتكليف مصلحة ضريبة الدخل بأعمال تحقيق وتحصيل الزكاة الشرعية، وتسميتها"مديرية مصلحة الزكاة والدخل"، تكون تابعة لوزارة المال والاقتصاد الوطني آنذاك. ثم صدر بعد ذلك الكثير من المراسيم الملكية والقرارات الوزارية والتعاميم الادارية التي تعالج كيفية تطبيق المرسوم الملكي باستيفاء الزكاة، وبالأخص في ما يتعلق بتقدير الزكاة وجوانب توزيعها والعقوبات المترتبة على مانعها. إن حجم الاستثمار التجاري للأموال والأسهم والذهب وعروض التجارة على اختلاف انواعها داخل المملكة يزيد على 900 بليون ريال سعودي سنوياً، وبحسبة بسيطة، فلو أخذنا الحق المعلوم في هذه الأموال من الزكاة 2.5 في المئة ووزعت على الأسر الفقيرة، لكان نصيب كل أسرة فقيرة فيها 250 ألف ريال سنوياً، أي أنه لن يبقى هناك اسرة فقيرة واحدة بعد السنة الأولى من التحصيل الشرعي والفعلي لهذه الزكاة، وقد نشرت بعض الصحف السعودية يوم 18 - 9 - 2008 أن حجم ثروات الشركات العائلية فقط في المملكة تقدر ب3 تريليونات ريال، وان حصيلة الزكاة لسنة 1428ه كانت 6.5 بليون ريال فقط، أي أن ما يدفع للزكاة لا يعادل 10 في المئة من الاستحقاق الشرعي، وهذا يشير الى تفشي ظاهرة التهرب من الزكاة. * باحث في الشؤون الإسلامية.