بألفاظ مختلفة ومضمون واحد، اتفق علماء دين سعوديين على انضمام شريحة جديدة إلى مستحقي الزكاة، تتمثل في صغار الموظفين، خصوصا تزامنا مع ارتفاع الحد الأدنى من المصاريف اللازم لتأمين متطلبات الحياة الأساسية. وفيما يبدو تجسيدا لمقولة لا صوت يعلو فوق صوت الغلاء، يتداول الشارع السعودي منذ مدة أحاديث عن الحال التي وصلت إليه فئة من الموظفين في مواجهة تكاليف المعيشة، مما أرهقهم وجعلهم أهلا لدفع الزكاة إليهم، حسب وصف تلك الأحاديث. لكل حالة خصوصيتها وفي هذا الصدد أوضح الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع أن العبرة باستحقاق الزكاة هو أن يكون المستحق من ضمن الأصناف المذكورة في قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ}، فإذا كان الموظف من ضمن الفقراء الذين ليس لديهم ما ينفقون أو المساكين الذين لا يكفيهم ما عندهم لتلبية حاجاتهم الضرورية، فإن هذا الموظف يكون بلا شك مستحقا للزكاة. وأبان عضو هيئة كبار العلماء في حديثه ل"الأسواق.نت" أن تحديد مقدار الراتب الذي يوجب لصاحبه الزكاة عند 3 أو 4 آلاف ريال (الدولار = 3.75 ريالات) مثلا أمر غير ممكن، فحد الكفاية ليس منضبطا برقم معين، ولكل حالة فتواها الخاصة بها، مذكّرا أن الموظف المسرف في إنفاقه على الكماليات لا يتساوى مع نظيره المقتصد الذي يقْصر نفقاته على الضروريات، وكذلك الأمر بالنسبة للموظف الذي يعيل أسرة كبيرة مقابل راتب متواضع، فهذا لا يقارن بالموظف صاحب الأسرة الصغيرة. وحذّر الشيخ المنيع من تشبه بعض صغار الموظفين بمن يفوقونهم غنى، ما يدخلهم في دائرة التبذير المنهي عنه، ويلجئهم فيما بعد لطلب الصدقة من الناس، التي وصفها الشيخ بأنها "أوساخ عباد الله"، مستدركا "من الأحوط والأمثل لأي موظف محتاج أن يبذل وسعه في سبيل تحسين دخله بعمل إضافي قبل أن يقبل بالزكاة التي "لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب"، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالقدرة على الكسب وتهيؤ أسبابه تحجبان عن الشخص حقه في الزكاة. ومع ذلك أكد الشيخ المنيع أن الغلاء الذي طاول كل شيء زاد أعداد مستحقي الزكاة من صغار الموظفين، قائلا "لو افترضنا جدلا وجود حد أدنى من الراتب يوجب الزكاة لصاحبه، فإن هذا الحد ارتفع بلا شك من 4 آلاف سابقا إلى 5 آلاف ريال حاليا، تماشيا مع تصاعد الأسعار". حدود تحصيل الرزق.. وعبّر د. يوسف الشبيلي -الفقيه الاقتصادي المعروف- عن اعتقاده بأن رواتب معظم صغار الموظفين لم تعد كافية لسد احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب ولباس وسكن وعلاج، مما جعلهم أقرب للدخول في الأصناف المستحقة للزكاة. وأضاف "من الطبيعي أن يسهم الغلاء بانضمام شريحة جديدة من المجتمع إلى قائمة مستحقي الزكاة، في حين كانت هذه الشريحة خارج القائمة أيام انخفاض الأسعار سابقا". وحول إذا كان البحث عن عمل ثان أفضل من تعريض الموظف نفسه لطلب الزكاة، رأى الشيخ الشبيلي أن لبذل الجهد في تحصيل الرزق حدودا، ومن غير المستساغ أن نطالب أحدا بشيء يتجاوز طاقته، بحيث يستهلك كل وقته في تحصيل الكفاف وينشغل عن تأدية واجباته الأسرية والتربوية، فالأصل هنا أن يبذل وسعه دون إفراط أو تفريط في طلب الرزق، فإن كفاه وإلا دخل في عداد من تجب لهم الزكاة. وحمّل الشبيلي في ختام كلامه جزءا كبيرا من مسؤولية الغلاء للتجار، داعيا إياهم أن يراجعوا أسعار سلعهم في سبيل التخفيف عن محدودي الدخل، مع الاحتفاظ بهامش ربحي يسير. وكانت إحدى الدراسات الميدانية التي أعدها مركز البحوث بغرفة الرياض التجارية، قد خلصت إلى أن 20% من الأسر التي تقطن العاصمة السعودية تنفق كامل دخلها الشهري وتقترض فوقه، فيما تستهلك 80% من الأسر أكثر من ثلثي مدخولها. ويبدو أن النسب الواردة في هذه الدراسة قد تبدلت لصالح الزيادة في نسبة الأسر غير المكتفية بدخلها الشهري، بعدما حطم التضخم مستوياته القياسية منذ 10 أعوام في 2007، ملحقا بمعظم السلع والخدمات ارتفاعات سعرية متفاوتة، كان أبرزها في قطاع الإيجارات الذي شهد قفزات تراوحت بين 30 و50%، فيما يُتوقع أن يواصل التضخم تأثيره بشكل أعمق وأوسع في العام الجاري 2008. هل يحق للمحتاج أن يطلبها؟ وفي اتصال مع أحد مدراء المعاهد العلمية (الشرعية) بالرياض، وسؤاله عن استحقاق الموظفين للزكاة، نفى المدير مباشرة أن يكون موظفو المعهد ممن تجب لهم الزكاة، لأن رواتبهم "طيبة" على حد وصفه، مضيفا باختصار أنه لا يعلم عن أوضاع الموظفين في قطاعات أخرى حتى يعطي رأيه. من جانبه شدد د. عصام بن صالح العويد على أن مصارف الزكاة مذكورة في القرآن الكريم بدقة وتحديد يلائمان كل زمان ومكان، وأن الفقهاء متفقون على أن من لا يكفيه راتبه أو دخله لحاجاته يصبح مستحقا للزكاة، لكن هناك اختلافا بين ثلة منهم حول تقدير بعض الحاجات الملحة. وضرب عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لاختلاف الفقهاء مثلا بجهاز الجوال، الذي قد يعده البعض احتياجا يوجب إعطاء الزكاة لطالبه، على عكس ما يتعلق بالطعام والشراب والسكن مما تم الإجماع عليه. وتابع د. العويد "يقينا وبلا شك فإن الغلاء الذي نشهده ألحق جزءا من الموظفين بمستحقي الزكاة؛ إذ إن المبلغ اللازم لتأمين ضرورات الحياة ارتفع بشكل ملموس، مع بقاء الرواتب على ما هي عليه". وفيما إذا كان يحق للمحتاج المبادرة إلى طلب الزكاة بدل انتظار دافعها، بيّن العويد أن هذا مما لا حرج فيه، لكن الأصل أن تأتي المبادرة من دافع الزكاة، وقبل ذلك فإن الشرع يحث على الاستغناء عن الناس مثنيا على "اليد العليا" أي اليد التي تعطي، فالأولى للمرء أن يعي هذه الحقيقة ويحاول التعفف قدر الإمكان. وأشار د. العويد إلى أن الأصل في الزكاة النقدية أن تسلم لمستحقها مباشرة، إلا أن ذلك لا يمنع من أن تتم تأديتها عن طريق قضاء حاجة كتسديد فاتورة الإيجار أو شراء سيارة، إن رأى دافع الزكاة في ذلك مصلحة أعم للمستفيد. حُكمها وحكمتها وحسب التعريف الوارد في موقع "al-islam.com" التابع لوزارة الشؤون الإسلامية في السعودية فإن الزكاة هي "حصة مقدرة من المال فرضها الله عز وجل للمستحقين الذين سماهم في كتابه الكريم، أو هي مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة". ويوضح الموقع حكم الزكاة بالقول "إنها الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، وعمود من أعمدة الدين التي لا يقوم إلا بها، يُقاتَلُ مانعها، ويكفر جاحدها، فرضت في العام الثاني من الهجرة، أما حكمتها فلإصلاح أحوال المجتمع ماديًّا ومعنويًّا حتى يصبح جسدًا واحدًا، وتطهر النفوس من الشح والبخل، وهي صمام أمان في النظام الاقتصادي الإسلامي ومدعاة لاستقراره واستمراره. ويشرح الموقع مصارف الزكاة كلا على حدة، مذكرا بأن الفقير يعطى من الزكاة ما يكفي لسد حاجاته الأساسية عاما كاملا، لأن الزكاة تتكرر كل عام، ومعيار الحاجات الأساسية التي توفرها الزكاة للفقير هو أن تكون كافية لما يحتاج إليه من مطعم وملبس ومسكن وسائر ما لا بد له منه، على ما يليق بحاله بغير إسراف ولا تقتير، وذلك للفقير نفسه ولمن يقوم بنفقته. ووفقا لمصلحة الزكاة والدخل في المملكة فإن عدد المكلفين (بالزكاة) المسجلين وصل إلى أكثر من 350 ألف مكلف ما بين شركات وأفراد، سددوا ما يقارب 5 مليارات ريال خلال العام الماضي فقط