الزكاة لغة، هي النمو والزيادة، ويقال: زكا الزرع، إذا نما وزاد، وزكت النفقة إذا بورك فيها، وتطلق كلمة"الزكاة"على الطهارة من الذنوب، قال تعالى: قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً، قال ابن الأنباري في قوله تعالى: وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقياً معناه: وفعلنا ذلك رحمة لأبويه وتزكية له، ورجل زكي أي من قوم أتقياء أزكياء. جاء مفهوم فريضة الزكاة منذ عهد النبي اسماعيل"عليه السلام"بدليل قوله تعالى: وأذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً، وفي عهد بني إسرائيل في قوله تعالى: وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربي واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. وعند النصارى، قول المسيح عيسى بن مريم"عليه السلام"وهو في المهد، قال تعالى: وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً. عند أهل الكتاب نقرأ ما يفيد معناها، ففي"التوراة"في الإصحاح 21 من"سفر الأمثال"ما نصه:"من يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضاً يصرخ ولا يستجاب له، الهدية في الخفاء تطفئ الغضب". وفي الإصحاح 22 منه"الصالح العين هو يبارك لأنه يعطي من خبزه للفقير"، وفي الفقرة 27 من السفر علينه"من يعطي الفقير لا يحتاج، ومن يحجب عنه عينيه عليه لعنات كثيرة"، وفي الإصحاح 15 من"سفر التثنية"ورد"إن كان فيك فقير أحد من إخوتك في أحد أبوابك، في أرضك التي يعطيك الرب إلهك، فلا تقس قلبك، ولا تقبض يدك عن أخيك الفقير، بل افتح يدك له، وأقرضه مقدار ما يحتاج إليه، أعطه ولا يسوء قلبك عندما تعطيه، لأنه بسبب هذا الأمر يباركك الرب إلهك في كل أعمالك وجميع ما تمتد إليه يدك، لأنه لا تفقد الفقراء في الأرض، لذلك أنا أوصيك قائلاً: افتح يدك لأخيك المسكين والفقير في أرضك". كما ورد في الإصحاح 14 منه"تعشيراً تعشر كل محصول زرعك الذي يخرج من الحقل سنة بسنة، في آخر ثلاث سنين تخرج كل عشر محصولك في تلك السنة، وتضعه في أبوابك، فيأتي اللاوي، لأنه ليس له قسم ولا نصيب معك، والغريب واليتيم والأرملة الذين في أبوابك، ويأكلون ويشبعون لكي يباركك الرب إلهك في كل عمل يدك الذي تعمل"، أما في"العهد الجديد"، فقد ورد في"انجيل لوقا"في الفقرة 33 من الإصحاح 13 منه"بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة". وفي الفقرات من 10 إلى 14 من"إنجيل لوقا"ورد"من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل هكذا"، وفي الفقرة 41 من الإصحاح"11"جاء:"بل أعطوا ما عندكم صدقة فهو ذا كل شيء، نقياً لكم". في خاتمة الديانات، الإسلام، يقول الله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، إذ اقترنت الزكاة بالصلاة التي هي عماد الدين في 28 آية، وقال رسول الله"صلى الله عليه وسلم":"بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا". إن الزكاة فريضة شرعية، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة التي تكون دعائم الدين، والمجتمع الإسلامي، وقد فرضت في السنة الثانية للهجرة، وما يدل على ذلك حديث قيس بن سعد رضي الله عنه قال"أمرنا رسول الله"صلى الله علىه وسلم"بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله"... وقد كان فرضها بعد فرض الصيام، بدليل حديث قيس بن سعد المذكور، ما يعني أن فرض صدقة الفطر كان قبل الزكاة، فبالتالي فرضت الزكاة بعد فرض صيام رمضان. ومما يدل على وجوب تحصيلها أن الإمام كان يرسل الولاة والجباة إلى أصحاب الأموال لقبض صدقاتهم، فقد ورد في الحديث الصحيح، أن رسول الله"صلى الله عليه وسلم"حين أرسل معاذاً"رضي الله عنه"إلى اليمن حثه على جمع الزكاة بقوله:"إنك تقدم على أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله تعالى، فإذا عرفوا الله تعالى، فأخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فخذ منهم، وتوق كرائم اموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب". وإن وجوب تحصيل الزكاة من الأغنياء ورد مرات عدة في القرآن الكريم بصيغة الأمر، منها قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، فهي تطهر مؤديها من الإثم وتنمي أجره. في عهد أبي بكر الصديق"رضى الله عنه"كانت الزكاة محور الردة وأصلها. فقد امتنعت بعض القبائل عن إعطاء الزكاة لخليفة رسول الله"صلى الله عليه وسلم"، اعتقاداً منهم أن دفعها كان خاصاً بالرسول"صلى الله عليه وسلم"، ولذا كانت وقفة الخليفة أبي بكر الصديق"رضي الله عنه"، لوضع أمر هذه الفريضة في نصابه، وأهمية دفعها إلى ولي الأمر، حتى لو أدى ذلك إلى قتالهم. فقال أبو بكر"رضي الله عنه"قولته المشهورة:"والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، أليس قد قال إلا بحقها فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله"صلى الله عليه وسلم"لقاتلتهم على منعه". وبعد أن فرغ من حرب المرتدين، نشط أبو بكر الصديق"رضي الله عنه"في إرسال المصدقين والسعاة لجمع الزكاة، فقد أرسل أنس بن مالك"رضي الله عنه"لما استخلف، بكتاب يحث أهل البحرين على إخراجها. لما جاء عمر بن عبدالعزيز"رضي الله عنه"اهتم بجمع الزكاة وإنفاقها على منهجها الشرعي الصحيح، وقد ساعدت وفرة الأموال وحسن التوزيع على إغناء الفقراء من الزكاة، يؤيد ذلك من ذكر عن يحيى بن سعيد قال:"بعثني عمر بن عبدالعزيز"رضي الله عنه"على صدقات إفريقيا فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد فقيراً، ولم نجد من يأخذها مني، فقد أغنى عمر بن عبدالعزيز الناس، فاشتريت رقاباً فأعتقتها وولاؤهم للمسلمين". ويؤيد ذلك ما قاله أحد ولد زيد بن الخطاب:"إنما ولي عمر بن عبدالعزيز سنتين ونصف سنة فذلك ثلاثون شهراً، فما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون من الفقراء. فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذكر من يضعه فيهم فما يجده، قد أغنى عمر الناس". وفي الجانب الآخر، فقد حرص الخليفة عمر بن عبدالعزيز على تأمين الامور المعيشية الأساسية وتوفيرها من بيت مال المسلمين والصدقات، سواء العجزة، أو الفقراء، أو المساكين. كما حرص على بيان حد الكفاية للمحتاج فقال:"لا بد للرجل من المسلمين من مسكن يأوي إليه، وخادم يكفيه مهمته، وفرس يجاهد عليه، وأثاث في بيته". إن بيت المال في الإسلام هو الجهة التي تستحق قبض الأموال العامة، ويجب عليها إشباع الحاجات العامة وإثبات هذه الشخصية المعنوية هو ما عناه الماوردي من قوله: إن بيت المال عبارة عن الجهة لا عن المكان. وبيت المال في الفكر الإسلامي اصطلاح خاص يعبر عن الخزانة العامة، وأحياناً يتضمن أجهزة الرقابة المالية والإدارية. وإذا كان النظام المالي الإسلامي يقوم على أساس قاعدة التخصيص في الإيرادات العامة، إذ تقسم الأموال إلى أقسام عدة، كل قسم منها يوجه إلى إشباع نوع من الحاجات العامة، فإن بيت المال بدوره يقسم إلى أربعة بحسب أنواع المال العام المخصصة لحاجات مختلفة هي: الزكاة، والأخماس، والفيء، والموارد الأخرى. ولذلك فإن بيت مال الزكاة، كان هو الجهة التي تتلقى الزكاة ممن فرضت عليه، عن طريق الجباة المختصين الذين يوليهم الغمام، وكانوا يجمعون الزكاة من الزروع والأنعام"الأموال الظاهرة"، ومن عروض التجارة"ما سمي بالعشور". وينفق من بيت مال الزكاة هذا على مستحقي الزكاة الثمانية. تكثر السلبيات العملية للزكاة المعاصرة، كتخلي معظم الدول عنها، والتطبيق الجزئي للزكاة، والخلل في التطبيق، والتخلف في المؤسسات الزكوية والهيئات، وتعطيل الاجتهادات الجديدة والخطأ في صرف الزكاة، والتقصير في التنفيذ وعدم التنسيق مع سائر الوزارات. وتشترك بعض السلبيات النظرية والعملية كفقدان التعاون والتنسيق بين المهتمين بالزكاة وعدم المعالجة الكافية لمستجدات الزكاة. * باحث في الشؤون الإسلامية.