لا تستطيع هذه الأيام إذا كنت من المدمنين على مشاهدة الأخبار مثلي أن تتفادى موضوعين يطغيان على عناوين الأخبار الرئيسة، الأول هو انهيار الاقتصاد العالمي وأسعار العملات، والثاني هو الانتخابات الأميركيّة، والصراع المرير بين المرشحَيْن ماكين وأوباما، لقد حاولت جاهداً أن أتجنّب الموضوعين في السابق، وذلك لعلمي أنّ هنالك العديد ممّن هم أجدى مني في التحليل الاقتصادي والسياسي، ولكنّي أخيراً رضخت للواقع وقرّرت التطّرق لموضوع الانتخابات الأميركية من وجهة نظر العرب، وماذا تعني لهم؟ كلّما شاهدت التلفزيون أو قرأت الصحف - خلال أوقات الراحة القليلة التي أنعم بها - أدرك أن العدّ التنازلي للانتخابات الأميركيّة قد بدأ، وبقيت فقط سبعة أيام ويتابع العالم مجريات هذه الانتخابات، كما تابع العرب مسلسل"مهنّد ونور""بين ملابس المرشحة لمنصب نائب الرئيس"بيلن"الغالية، وبين صداقات أوباما القديمة، ولا ننسى المرشح لمنصب نائب الرئيس"بيدن"السيناتور العتيد، الذي أصبح مثل السراب خلف ظلال شخصية أوباما الطاغية! ولا أخفي أن أكثر ما يهمّني شخصياً وببعضٍ من الأنانيّة هو من الذي سوف يُخفّف من المعاملة العنصرية التي نلقاها نحن العرب والمسلمين من مجرّد وصولنا إلى الولايات المتّحدة الأميركية، مع موظفي الجوازات والجمارك، وحتّى عند المغادرة، فالويل لك إذا كنت ذا ملامح عربيّة واضحة المعالم ? مثلي - ووَضَعَكَ الحظّ السيّئ أمام أميركي مهاجر حديثاً، يريد أن يثبت وطنيّتَه لبلده الجديد على حسابِك، فليكن الله في عونك، فأنا صاحب تجربة في الاستقبال السيّئ عند السفر إلى الولاياتالمتحدة الأميركيّة، والأسوأ بينهم، كان الاستقبال الذي لقيته خلال رحلة العمل الأخيرة إلى مدينة سياتل من موظفي الجوازات والهجرة الذين كانوا جميعهم ذوي أصولٍ فيليبينيّة، ويبدو أنّ لديهم أقارب في السعودية أسيئت معاملتهم وقرّروا الانتقام من أوّل سعودي يصادفهم، وعلى رغم أنّه لم تتمّ إساءة معاملتي خلال تواجدي في أميركا، إلاّ أنّه عند مغادرتي قرّرت الموظفة العاملة مع شركة الطيران، وهي من أصولٍ آسيويّة، وذات لهجةٍ قويّة ? كنت أجيد اللغّة الإنكليزية أفضل منها بكثير - فبعد أن شاهدت صورتي"بالغترة"، يظهر أنّها اعتقدت أنّني أحد أقارب أسامة بن لادن، - مع احترامي الشديد ل آل ابن لادن الكرام الذين لا ذنب لهم في فعل أسامة ? قامت بوضع حروف"أس أس أس أس"على بطاقة صعودي إلى الطائرة، ممّا يعني بالنسبة لهم أن هذا عربيّ متّهم بالإرهاب! ولم يخيب موظف التفتيش الظنّ بتوصيّاتها، فاستقبلَني بحفاوةٍ، وأخذني على جنب، لتبدأ سلسلةً من الفحوصات والتفتيشات، وكان يضع ختماً على بطاقة صعود الطائرة بعد أن ينتهي من كلّ فحص، وامتلأت البطاقة بالأختام، ثم سُمِحَ لي بعدها بلِبس الحذاء والحزام، وأُعيد لي جهاز الحاسوب، والهاتف المحمول، وجهاز الآيبود بعد أن تمّ تصورها بالأشعّة، وأخذ عيّنة لجهاز يحلّل الروائح! غادرت المنطقة على عجل ووصلت إلى باب الطائرة التي شاء القدر أن تكون خطوطاً أميركية - لعدم وجود حجوزات على خطوطٍ أخرى - فاستقبلتني المضيفة بابتسامة صفراء، وهي تنظر إلى بطاقة الصعود للطائرة كأنّها عريضة اتهام وليست شهادة براءةّ، ورافقتني إلى مقعدي مشيرة لي بالجلوس، وكأنّها تقول"عيني عليك إن فعلت شيئاً ما نحن نراقبك!"ولا أريد أن أتحدّث عن الخدمة السيّئة في الطائرة لأنها كانت عامّة لجميع الركّاب، ولم أختصّ بها لوحدي! لنعُد لموضوع اليوم: الانتخابات، نحن العرب نعرف أن أيّ رئيسٍ أميركيّ مهما كان توجّهه السياسيّ لن يستطيعَ أن يخرج من تسلّط أصحاب النفوذ والجماعات الضاغطة، كما أنّه لن يستطيعَ أن يقفَ في وجه اللوبي الإسرائيلي في أميركا، ولا ننسى أنّ السياسة الأميركيّة في العراق محسوبة بحسابات اقتصاديّة وإقليميّة كثيرة، لذلك لست أطمح إلاّ في أن ينتخب رئيسٌ جديد، غير عنصري، ولا يستخدم العنصريّة لإخافة الشعب الأميركي من المسلمين والعرب، تلك العنصرية التي تتجلّى بوضوح في المعاملات التي يلقاها العرب والمسلمون الأبرياء المقيمون في الولايات المتحدّة الأميركيّة، أو لدى زيارتهم لهذه البلاد، من دون أن ننسى التنصّت على المكالمات الهاتفيّة أو حق الاعتقال لمجرّد الشُبهة، والاعتداء على الحريّة الشخصيّة! لطالما اعتزّ الشعب الأميركي بأجمل القيم، ولكن يبدو أنّها سُلِبَت منه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، وسوف يكون لهذا الواقع المرير تأثير سلبيّ على المدى البعيد، أكثر منه ضرراً من أيّ عمل إرهابيّ مهما بلغت حدّة شناعته... فهذه القيم هي التي جعلت من أميركا دولةٌ عُظمى، وجعلت من شعبِها أكثر الشعوب فخراً باعتناقه لهذه القيم، فإن قُيّضَت هذه المبادئ الإنسانيّة القيّمة - كما فعل بها الرئيس بوش - سقطت كلّ المبادئ وأسقطَت معها دولة أميركا! لم يتّخذ أيّ من السياسيين الأميركيّين موقفاً دفاعيّاً شجاعاً في الردّ على الإهانات والشتائم التي يتلقّاها العرب والمسلمين - خصوصاً من الذين يقودون حملة جون ماكين الرئاسيّة ? إلاّ وزير الخارجيّة الجمهوريّ السابق كولن باول، الذي أدان الاتهامات من الجمهوريين لأوباما بأنّه مسلم ومن أصل عربي، إذ قال"ولو كان هذا الأمر صحيحاً، فهذا لا يُقلّل من أمريكيّته"، وأعلن تأييده ودعمه لحملته الانتخابيّة، ولاحظت موقفاً مماثلاً لمذيعةٍ على قناة"سي إن إن"ولكن للأسف لا أتذكّر اسمها، وهو موقف جدّ نادر، ندرة المطر على صحراء النفود في فصل الصيف. وعلى رغم قناعتي وأملي بأن كلا المرشّحين، أوباما أو ماكين، هما أفضل بكثير من إدارة جورج دبليو بوش أو ديك شيني الحالية، لكن اسمحوا لي أن أعبّر عن تأييدي وتحبيذي لفوز المرشّح باراك أوباما علّه بما يلاقيه من حرب عنصريّة خلال حملته قد يأتي بالتغيير الذي تحتاجه أميركا، خصوصاً في ما يتعلّق باحترام حقوق الإنسان، بعد مضيّ حوالي ثماني سنوات من استخدام العنصريّة كسلاح لامتهانها من السياسة الخارجية الفاشلة في جميع أنحاء العالم. * المدير التنفيذي لمؤسسة الفكر العربي [email protected]