اللافت للنظر من وجهة النظر العربية ما ورد في خطة الرئيس بوش وندائه الملح لدول عربية معينة هي مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي أصبح اللقاء الأميركي معها كمجموعة يمثل خطاً جديداً في سياسات المنطقة خصوصاً منذ أن سمتها واشنطن"معسكر الاعتدال"ضد"معسكر التطرف"، فقد شدد الرئيس بوش على أنه يريد مساندة هذه الدول لواشنطن في العراق لأن نجاح واشنطن فيه مصلحة لها وإخفاق واشنطن سيلحق بها الضرر. ومن الواضح أن خطة واشنطن الجديدة في العراق تهدف إلى نجاح واشنطن في العراق وليس الهدف هو إنقاذ العراق، ويبدو أن واشنطن تعتقد أن خطتها تحقق النجاح لها والإنقاذ للعراق في وقت واحد. ولا أظن أن أحداً في العالم العربي ساورته الأوهام عندما شكل الرئيس بوش مجموعة الدراسة المعروفة بلجنة بيكر - هاملتون حتى يمتص غضب الديموقراطيين، لكنه لم يكن ينوي مطلقًا الاستجابة لأي من توصيات اللجنة، بل على العكس جاءت خطته الجديدة معاكسة تماماً لما ورد في تقرير اللجنة، مما يثير التساؤل حقاً عن أهمية الحماس لتشكيل اللجنة وانتظار توصياتها. ثم تأكيد الرئيس أنه سيختار ما يناسب من توصياتها لكي يعمل على تنفيذه. ولكن الظاهر هو أن الرئيس بوش أدرك من تقرير اللجنة حجم الكارثة التي تواجه بلاده في العراق، فاكتفى بإبداء أسفه، وربما يكون السبب في استخفاف بوش بتقرير اللجنة هو أنه متأكد من أن جهوده"المباركة"لا بد أن تحقق له ما تريد العناية الإلهية، كما يعتقد، ولذلك اختار طريق الصمود ما دام يوحي إليه، على طريق النظر الإنساني القاصر الذي ورد في تقرير بيكر. وربما كان هذا هو السبب الذي استفز الديموقراطيين وحتى زعماء جمهوريين وجدوا في خطته إنهاءً لآمال الاميركيين وتحايلاً على الرسالة القاطعة التي عكستها نتائج انتخابات الكونغرس. والحق أن العالم العربي ظل محايداً حيال الأزمة العراقية منذ الاحتلال الأميركي للعراق. واستجاب للطلبات الأميركية حول الاعتراف بالحكومات المختلفة التي تشكلت بدءاً بحكومة بريمر وتشريعاته ثم العملية السياسية وأخيراً الحكومة العراقية المنتخبة رغم خطها الطائفي وتشكيلها المذهبي. بل إن العالم العربي شجع السنة على اللحاق بقطار العملية السياسية حتى يتشكل نظام بديل لنظام ما قبل الاحتلال. وترتكز خطة بوش الجديدة على ثلاثة محاور: الأول هو زيادة الوجود العسكري الأميركي حتى يتمكن الجيش الأميركي من ضبط الأمن في مواجهة المسلحين والقيام بعليات ضد أحيائهم. المحور الثالث لخطة بوش هو العمل بعكس ما أوصى تقرير بيكر أي التصدي لإيران في العراق بدلاً من التفاهم معها. وكذلك التشدد تجاه سورية. وبالتبعية ينسحب التشدد مع الحليفين الآخرين وهما"حماس"و"حزب الله". فما معايير الفشل والنجاح الأميركي في العراق وما المخاطر على الدول العربية المشار إليها إذا فشلت الولايات المتحدة؟ وهل إذا نجحت فإنها ستسحب قواتها أم ستزيد هذه القوات؟ يبدو أن النجاح الأميركي في العراق يعني إنهاء تقسيم العراق وسيطرة الطوائف الشيعية والكردية وقطع الصلة بين إيران وشيعة العراق وإخضاع السنة ومقاومتهم واستئناف الحياة في العراق على أساس الصورة التي رسمها الاحتلال والسيطرة الأميركية العسكرية بأقل عدد من القوات. ويدرك الجميع أن الشعب الأميركي لا يهمه من الوجود الأميركي في العراق سوى القتلى الذين يسقطون من جنوده وبعض هذا الشعب هو الذي يهتم بتكاليف المغامرة الأميركية. عند هذه النقطة يمكن لواشنطن أن تفاخر بأنها حققت الديموقراطية الطائفية في العراق. ومكنت الأغلبية وهي الشيعة من الحكم انسجاماً مع المبادئ الديموقراطية وقمعت الأقلية السنية التي احتكرت الحكم لعقود. وبذلك يكون بوش أحدث تغييراً في العراق يظهر فيه العراق وقد تخلص من صفته العربية وحقق تقرير مصير كل الأعراق والطوائف تحت راية الاحتلال، وضمن لنفسه استغلال ثروات العراق مكافأة على هذا العمل التاريخي المجيد! فهل العالم العربي مستعد لمساعدة بوش على تحقيق هذه الصورة في العراق علماً بأن تقسيم العراق سيكون نذيراً بفصل جديد من الصراع هذه المرة بين العرب وإيران. لأن التقسيم يعني أن يحل الفراغ السياسي الذي شغلته الدولة العراقية طوال القرون الماضية. كما أن نجاح التقسيم بهذا الشكل لن يكون بديلاً عن الحرب الأهلية. بل ستبدأ به الحرب الأهلية الرسمية وستدخل تركياوإيران ودول الجوار إلى المعادلة السياسية في العراق. لقد كان للموقف العربي السابق في العراق أثر على ما يعانيه الآن. ولكن الموقف العربي المساند لواشنطن سيؤدي فعلاً إلى نجاح واشنطن في القضاء على العراق. وفي هذه الحالة يكون بوش بطلاً قومياً ومبعوث العناية الإلهية حقاً. إن بوش الذي يتخبط لا يريد أن يسقط وحده وإنما يريد للدول العربية الأخرى أن تسهم في تدمير المصالح العربية. علماً أن تقسيم العراق وإنجاح أميركا في ذلك سيفتح الباب لنجاح سياسة التمزيق الأميركية في الدول نفسها التي تطلب واشنطن اليوم مساندتها. فهل تجد الدول العربية المدعوة صعوبة في إدراك هذه الحقيقة البسيطة وهي أن نجاح واشنطن بمعايير بوش يناقض تماماً إنقاذ العراق كما يريده الجميع لهذا الشعب البائس؟ إن الوضع الحالي خطر على الجميع. ولكن الضرر الأكبر يقع على العراق. فكيف يلتقي العراقيون حقاً مع الدول المجاورة على مصلحة عراقية مقبولة عربياً؟ العرب يريدون انسحاب الاحتلال، والحكومة لا تعيش بغير حماية الاحتلال. العرب يريدون عراقاً واحداً ديموقراطياً يتولى الحكم الأقدر والأكثر شعبية أياً كان عرقه أو طائفته، بينما الحكومة تريد هيمنة طائفة معينة على البلاد وإبادة الطوائف الأخرى، ولعلنا نلاحظ أن مؤتمرات الدول المجاورة للعراق اكتنفها الكثير من التردد وعدم اليقين. إن العالم العربي يجب أن يكون صمام الأمان الأخير لوحدة العراق وأمنه والمحافظة على عروبته ولن يتحقق ذلك ما دامت واشنطن مصرة على تحريف الدور العربي. وعلى أية حال، أظن أن الوضع في العراق مرتبط ارتباطاً مطلقاً بالوجود الأميركي وهذا الوجود يعتمد على قدر الخسائر البشرية التي تلحق بقوات الاحتلال وليس بأرقام القتلى من العراقيين. * كاتب مصري