العيش لفترة من الزمن في بلدان غربية تعلمك بأن لا شيء يسير ارتجالاً،القوانين هناك صارمة، خصوصاً في ما يتعلق بالآداب العامة، أو ما يُعرف بالملكية المجتمعية... النفايات تجمع وتوضع في مكان مخصص بجوار المنزل، وقبلها بالطبع لا بد أن توزع ما بداخلها في أكياس ملونة، كل مادة مع مثيلاتها، الزجاج بمفرده والأوراق والمخلفات البلاستيكية وغيرها في ساعات محددة سلفاً، وإذا لم تضعها في الساعات المحددة فأنت مُلزم بوضعها في سلة كبيرة تبعد كثيراً عن منزلك... تسبقه خطوة أشد أهمية وهي وضع النفايات في آلة تكون دائماً تحت الحوض، تقوم بكبس العلب لتصبح مسطحة ولا تشغل حيزاً كبيراً، وهذه غير آلة أخرى في الحوض تقوم بفرم الخضار والفواكه. المشكلة أننا حين قررنا أن نطبق الفكرة نفسها أتينا بها خالية من محتواها الثقافي، فعندما أحضرنا الحاويات البرتقالية، أصبحت مرتعاً خصباً للحشرات، ومنبعاً مهماً لبعض الأفارقة الذين يعتلون سطحها، وبأياديهم سكاكين يفتحون بها أكياس القمامة ليقوموا بعدها بأخذ العلب المعدنية الفارغة، تاركين الأكياس مفتوحة مرتعاً للجراثيم، وكل هذا ? بالطبع - في الشارع العام وعلى مرأى من البشر! وعندما فكرنا أن نحيل الحاويات للتقاعد الباكر لانتفاء الاستفادة منها، أصبحت أكياس القمامة تقبع في منتصف كل شارع، لتمارس قطط الحي متعة اللعب فيها بحرية عبثية، وأيضاً على مرأى من البشر... وعندما فكرنا في المنافسة الشريفة خدمة المجتمع، أتينا بشركة أخرى ألبست عامليها أزياءً بلون جميل، واستبشرنا خيراً، فلربما يأتي اللون الأرجواني الجميل برياح بنفسجية، تنثر العبير في أرجاء المدينة، وتخلصنا من روائح كريهة في شوارعنا. المشكلات لدينا متشابكة ومعقدة، فهي ثقافية تتطلب نشر ثقافة النظافة والترتيب والالتزام بموعد وضع النفايات، والشعور بالانتماء إلى البيت والحي والشارع والمجتمع الذي نريده نظيفاً، كي يمثل ديننا الذي حث على النظافة وأمر بها، واقتصادية تتطلب دفع رواتب عمال النظافة، وتشجيعهم بالتحفيز والتقدير على الجهد الجبار الذي يقومون به من دون مقابل يذكر، استجابة لمبدأ إيماني أثبته حديث نبوي شريف هو"أعطِ الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"، وحتى لا نجد الإشارات مصبوغة بلونين جميلين البنفسجي الأخاذ والبرتقالي، الذي أصبح لوناً مكروهاً بسبب أفعال غوانتانامو المقيتة! العمل على توزيع أكياس القمامة على أفراد الحي، مع الاستفادة من تقنيات الرسائل الخاصة بالجوال، التي تجدها يومياً في صندوق الوارد تستحلفك بالله أن ترسلها إلى 25 شخصاً مع تبديل المحتوى. وأما الاقتراح الثاني، فهو أن يلصق على الأكياس تسجيل صوتي يستحلفك بإخبار عشرة أشخاص، بأن الأكياس لوضع القمامة وليست لتكرار بيعها! [email protected]