لا شك أن من أهم ثروات الوطن الثروة البشرية، لا أقول كالثروة النفطية، بل قبلها، فلا تعمل الثروات النفطية وغيرها إلا بالأيدي العاملة، ولا يمكن أن يخلص في العمل مثل أهل هذه الثروة، أبناء الوطن، حكاماً ومحكومين، وهذه الأيدي لن تكون عاملة وهي ترى العمل مجرد كرسي، وتوقيع الحضور والانصراف، فالمهارة في العمل أن يتقن العامل عمله بدقة ومهارة، وذلك يعني أن تطوير التعليم الذي تنادي به حكومتنا، يجب أن نحرص على نوعية ما ننتجه من البشر، لا على مجرد أعداد تتسلم الراتب هدراً. إن هذه النوعية الجيدة يمكن إنتاجها في مصنع التربية والتعليم، إذا نحن استثمرنا ما لدينا من ثروة بشرية ووقت، فنقسم ساعات عملنا بين تدريب ومتابعة للدراسات العليا، لنطلع على الجديد، فنطور أنفسنا قبل أن يتصدق الأجنبي بعرض الجديد علينا، تبعاً لهواه ومصالحه، وإننا لنلاحظ اهتمام المسؤولين في الدولة بهذا الإنتاج البشري، متمثلاً في اشتراط التخصص في التربية والتعليم لراغبي التفرغ الدراسي في مهنة التعليم، لكن المشكلة تكمن في استثمار هذه الثروة بعد عودتها إلى الميدان، فالبعض يعود حاملاً أحلامه بتطبيق كل ما تعلمه على أوسع نطاق، ويفاجئه الإحباط ممن يصرون على حصره في عمله السابق، بدائرته الضيقة، بحجة انه لم يتدرج مثلهم في الوظائف القيادية، فلا هم اتعبوا أنفسهم بالتعلم في مهنتهم، ولا هم أتاحوا له فرصة كفرصهم، ولو بهذا التدرج الذي يدّعون، والنتيجة انه يمر الزمن وتندثر قدراته، وكل ما بذلته الدولة، وبذله هو من جهد في سبيل التطوير، ويبقى وطننا يستورد الأيدي العاملة حتى في تطوير التعليم. إن من جهود المسؤولين في هذه البلاد الطاهرة أنهم يصدرون أوامرهم للاستفادة من هذه الخبرات، لكن يظل المعوقون في الميدان يتحايلون على الإجراءات الادارية، ويرفعون تقارير تحسب على هؤلاء المميزين كل ساعة كفاح في طلب العلم في مجال مهنته، على أنها تقصير في توقيع حضور القهوة والغيبة على كراسيهم، بل والتعاون على الإثم والعدوان، وتبقى النتيجة في النهاية: ثروات بشرية مهدرة، ولست وحدي المهدرة، كدارسة دكتوراه في التربية والتعليم في أبها، وذات خبرة وتميز في الأداء، بل من حولي العديد، إحداهن كاتبة أردت يوماً أن استزيد مهارة الكترونية منها في عمل مكتبي، باعتبارها قد تم إيفادها عامين كاملين في مجال الحاسب الآلي، فوجدتها تعبت ودرست، وأنفقت الدولة على تعليمها، ولكن لم تستثمر إدارتها هذه الثروة في أي اتصالات، ولو بالبريد الالكتروني، حتى تبخرت مهاراتها وذهبت أدراج الرياح، نعوذ بالله أن يكون هذا الهدر في الثروة البشرية مما تأصل فينا كطبيعة إسراف. مشرفة تربوية للغة العربية بعسير ?