أخذت والدتي حقيبتها المتواضعة منطلقة نحو الحافلة التي كانت في انتظارها، فقابلتها عند باب المنزل وقلت لها مازحاً: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا تلين إذا كانت من الخشب فردت عليّ بصوت منخفض: لأستسهلن الصعاب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر نعم إنها الهمة، وهي الباعث على الفعل، ولقد حثنا النبي"صلى الله عليه وسلم"على التحلي بعلو الهمة، إذ قال:"إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرفها ويكره سفسافها"رواه الطبراني ولقد سطر لنا التاريخ بأحرف من ذهب نماذج مشرفة لصناع النجاح وأصحاب الهمم العالية، وهذه عائشة رضي الله عنها التي كان بعض الصحابة إذا أعجزتهم المسائل سألوها فكانت تحفظ كتاب الله وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتحفظ من الشعر العربي 80 ألف بيت، وتفتي الناس، كانت عاقلة فقيهة عالمة رضي الله عنها، وها هي أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين قامت بالأعمال البطولية زمن الهجرة، لأن همتها تاقت إلى خدمة الرسول"صلى الله عليه وسلم"والى عمل يقربها من الله، وهذه الخنساء قدمت أبناءها الأربعة في موقعة القادسية ولم تحن عليهم ولم تئن. وقال ابن الجوزي رحمه الله: كمال الإنسان بهمة ترقيه وعلم يبصره ويهديه. واعلم أن مواجهة تحديات الحياة وما أكثرها، ثمة صنفان من الناس: بائس متشائم يواجه تحديات الحياة بالهزيمة والهرب والاستسلام، وآمل متفائل يواجهها بالصبر والشجاعة والثقة بالنفس، وها هي والدتي فاتها قطار التعليم إما لجهل أو بحث عن لقمة عيش أو لصعوبة حياة، آن ذاك، وهاهي بعد مضي ستة عقود من عمرها تتحدى الجهل وتكسر اليأس بالفأس، تبني الآمال من جديد بلا توانٍ، لتعود إلى مقاعد الدراسة وتحفظ عدداً من سور القرآن، بينما كانت لا تحفظ إلا فاتحة الكتاب، وتعلمت شيئاً من أمور دينها وشغلت وقتها بما ينفعها، وانتقلت من مرحلة إلى مرحلة بتفوق ولله الحمد، ويعود الفضل بعد الله للدور النسائية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الزلفي التي خرّجت من الحافظات لكتاب الله كاملاً 17 حافظة، فجزى الله المعلمات اللواتي بذلن وقتهن لتعليمهن وتفقيههن في دينهن وتشجيعهن وبث روح التنافس بينهن، لقوله صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه فهذه الدور في حاجة لدعميكم المعنوي والمادي، فهي تعلم أطهر كتاب على وجه الأرض. علي بن حسين العبيد - الزلفي