لا أعني بذلك ثقافة شلالات الدم المراق يومياً على نواصي وشوارع الوطن العربي، لاسيما في العراق وفلسطين ولبنان... هذه الثقافة - ثقافة الدم - التي اغتصبت مكاناً مقبولاً - للأسف - في وجدان مجتمعاتنا العربية، وفي عقول وقلوب شبابنا، بل وكهولنا، أنا لا أقصد تلك الثقافة السوداء المقيتة، ثقافة الكره والحقد والإقصاء والفتاوى المحنطة والأحكام الجاهزة، أنا لا أقصد ذلك بتاتاً! ولكن على النقيض من ذلك تماماً، أود التطرق إلى ثقافة راقية ونبيلة ومتحضرة، إنها ثقافة التبرع بالدم، التي بدأت تشق طريقها بخجل نحو مجتمعنا، الذي بدوره استقبلها على استحياء من دون أن تشكل في ذائقته الإنسانية والإسلامية والأخلاقية والاجتماعية - على الأقل حتى الآن - قناعة واهتماماً وتجاوباً... تتناقل وسائل الإعلام المحلية - وأهمها الصحف - هذه الأيام الفعاليات والأنشطة المصاحبة للذكرى السنوية لليوم العالمي للتبرع بالدم، والذي مر علينا مرور الكرام، تحت شعار"أكرم الكرم تبرعك بالدم"، واقتصرت الحملات الإعلامية للترويج لهذا العمل الإنساني الرائع على بعض الأخبار المقتضبة والمكررة في المواقع المنزوية والمتوارية في صحفنا ومجلاتنا. أما قنواتنا وإذاعاتنا الرسمية فلم تكترث - كعادتها ? كثيراً لمثل هذه المناسبات والفعاليات، التي لا تجعلها منافسة قوية للقنوات والإذاعات الخاصة، أما الفضائيات الخاصة السعودية المتخصصة في"الترفيه والمتعة"، فالأمر حتماً لا يعنيها، فبالله عليكم أية رفاهية ومتعة ينشدها المشاهد السعودي والعربي، حينما يُعرض برنامج أو فعالية خاصة بالتبرع بالدم، وهل هناك دم أصلاً في المواطن العربي كي يُفكر في التبرع به أو ببعضه؟ على رغم كل ذلك الشجن والحسرة والألم لما وصل إليه الوضع من تردٍ وانهيار، إلا أن الأمر لا يخلو - أحياناً - من أمل هنا أو هناك... أحد تلك الآمال العريضة نجده في أبهى صورة وأجمل حلة على شاطئ الخليج العربي، وتحديدا ً المختبر الإقليمي وبنك الدم في المديرية العامة للشؤون الصحية في المنطقة الشرقية، هذا المختبر مثال رائع وحقيقة ناصعة لمعنى الإخلاص والتفاني وتحمل المسؤولية، فقد استطاع المشرفون على حملة التبرع بالدم في المنطقة الشرقية جعلها حديث المجتمع بكل مستوياته، وتمكنوا - بذكاء - من جذب العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة للمشاركة الفاعلة في دعم وإنجاح هذا العمل الإنساني النبيل، ولعل وجودهم المقصود في المجمعات التجارية - إذ التواجد الأسري الكثيف - أكبر دليل على وعيهم وإصرارهم للوصول إلى الهدف الأسمى والمنشود لهذه الحملة، وهو زرع ثقافة التبرع بالدم في عقل وقلب الإنسان في هذا الوطن الكريم. مجدي 33 عاماً شاب سعودي، وأب لتوأمتين جميلتين"آلاء وآية"، وأحد المشرفين على حملة التبرع بالدم في المنطقة الشرقية، أكد بكل ثقة بأن الاستمرار في مثل هذه الفعاليات سيسهم في تنمية الوعي لدى المواطن والمقيم للتبرع بالدم، وأن سجلات المختبر الإقليمي - كما يُشير مجدي - تحتفظ بأسماء وعناوين المئات من المتبرعين والمتبرعات، وقد تجاوز بعضهم رقم ال"40"في عدد مرات التبرع بالدم، بل إن احد هؤلاء المتبرعين تجاوز رقم ال"60"مرة. ولا يُبدي مجدي أي قلق أو خوف من عزوف المواطن والمقيم عن التبرع بالدم، لأن حب الخير والعطاء يُعتبر سمة أصيلة لإنسان هذه الأرض الطيبة ومن يعيش عليها، ولكنه أيضاً يؤكد على أهمية دور الإعلام في تثبيت وتكريس ثقافة التبرع بالدم، لما لها من فوائد كثيرة للمتبرع نفسه وللمحتاجين لكل قطرة دم تنقذ حياتهم، وحينما سألته ? بخبث - وماذا عنكم أنتم المسؤولون عن هذه الحملات، هل تتبرعون بدمائكم مثلنا، أم أنكم تدعون للبر وتنسون أنفسكم؟ أجاب مجدي بسرعة من اعتاد على هذا السؤال: 24 مرة هي عدد مرات تبرعي بالدم حتى الآن، وأطمح إلى أن أصل لأضعاف هذا الرقم إن شاء الله. شكراً لك مجدي، وشكراً لكل من يُسهم في إنقاذ إنسان يحتاج إلى قطرات من الدم. [email protected]