العوامل الأساسية التي أسهمت في إنجاح النمو الاقتصادي لدول جنوب شرق آسيا، وجعلها من ضمن البلدان الأسرع نمواً في العالم، وتحولها إلى نمور آسيوية، خصوصاً الهندوالصين وماليزيا... وكانت البنوك في مقدم تلك العوامل، بل الرئيس والمحرك الحقيقي لحركة التنمية في البلاد، إذ ساعدت في تمويل المشاريع والقروض التنموية، ليس فقط للشركات الكبرى أو ترتيب قروض ضخمة، بل أسهمت أيضاً في أن تتجه نحو المجتمع في مشاريع ومنتجات اقتصادية تساعد الأفراد وتدعم الجمعيات والمؤسسات الخيرية، ولعل مصرف القرية الذي فاز مؤسسه البنغالي محمد يونس بجائزة نوبل العالمية العام الماضي، ضرب أروع الأمثلة في خدمة التنمية الاجتماعية. والأمر كذلك في الهندوالصين، إذ قدمت البنوك المحلية والأجنبية دعماً مالياً وقروضاً لإقامة مشاريع فيها، حتى أسالت لعاب البنوك الأجنبية خارج البلاد وحفزتها على الدخول لمنافسة البنوك المحلية بنسب فائدة أقل، معتمدة في ذلك على قوة الطلب. ونحن حينما نتحدث عن البنوك نتحدث عن دورها ومشاركتها ومنافستها، وبلد مثل السعودية فإن عدد البنوك الموجودة فيها، يدعو بالفعل إلى التساؤل والاستفسار... فهي على رغم قلة عددها الذي لا يتجاوز 11 بنكاً، وفروعها التي تشبه في كثير من المناطق كأنها بقالات أو ينطبق عليها بيت الشعر"ويعطيك من طرف اللسان حلاوة"، وحينما تبحث عن خدمة?أو خطأ في الحساب أو حجز بطاقة مصرفية، وتريد استفساراً من موظفي البنك لا تجد أحداً منهم، أو أن نافذة واحدة من بين ست نوافذ لخدمة العملاء، وتقف في طابور طويل من اجل إيداع أو سحب مبلغ، ولا يختلف الأمر عن أي جهة حكومية مثل الجوازات أو البلدية أو مكاتب العمل! بصراحة، خلال عمر البلد الذي يمتد إلى أكثر من 100 عام، كنت أتوقع أن تكون الجهات العليا وسلطات المال السعودية جادة في مساعيها لفتح الباب أمام مصارف وبنوك أجنبية، أو أنها ترخص لإقامة بنوك محلية جديدة. آخر بنك سعدنا بافتتاحه كان قبل ثلاث سنوات، والمتمثل في بنك البلاد، والناس في انتظار ظهور أضخم بنك في البلاد من حيث رأس المال أو حجم الاكتتاب، ومع ذلك المعلومات غير واضحة عن موعد طرحه. ?في مسألة البنوك والمصارف بقي هذا الموضوع أمراً مقدساً لدى مؤسسة النقد، أو واحداً من الأسرار التي لا يجب الحديث عنها، سواء في معاقبتها للبنوك المخالفة أو في برامجها التمويلية، ولاحظ الجميع التناقضات العجيبة من مؤسسة النقد والتصريحات العجيبة العام الماضي حينما وجهت أصابع الاتهام إلى المحافظ والصناديق التي تديرها البنوك وتسييلها من دون علم أصحابها بالخسائر التي لحقت بهم. حجم المشاريع، التي ستشهدها البلاد خلال السنوات المقبلة، في مجالات الإسكان والعقار والمدن الاقتصادية والمرافق التنموية، تتجاوز 600 بليون ريال، كما أن الحركة التنموية لا تتوقف في دعم المشاريع الكبيرة فقط، بل يقع على عاتقها مسؤولية اجتماعية مثل دعم المؤسسات الصغيرة والأفراد الذين يرغبون في تحسين معيشتهم الاقتصادية... بحسب معلومات صادرة عن البنك الدولي فإن البنوك في الصين أسهمت بشكل كبير في خفض عدد السكان الفقراء إلى 10 في المئة إلى إجمالي عدد السكان في عام 2004، أو بطريقة أخرى تخلص ما يزيد على 60 مليون شخص صيني من الفقر خلال ثلاث سنوات، وذلك من خلال خطة تنموية وضعتها البنوك لخدمة المجتمع. المسؤولية الملقاة على مصارفنا كبيرة ودورها اكبر، ولكن على ارض الواقع غير ملموس أو وموجود، نحن في حاجة إلى بنوك ومصارف متعددة ومتنوعة، فهل تكفي عشرة بنوك لهذه المهمة، لماذا لا تفصح مؤسسة النقد عن خطتها المستقبلية، وما برامج البنوك الأجنبية؟ ومثلما نستقطب الشركات الاستثمارية الأجنبية، لماذا لا تنشط مؤسسة النقد وتعدل من أنظمتها في منح تسهيلات للمصارف الأجنبية؟ تم الترخيص حتى?الآن ل 10 بنوك أجنبية، هل شاهد أحدكم لوحة لبنك واحد من البنوك الخليجية، التي مضى عليها سنوات وهي لا تزال تعمل بمكتب واحد ليس لها فروع أو أجهزة صراف؟ فيكف يقدم هذا البنك خدماته، وكيف يمكن أن نقول إن التجربة نجحت؟ ولماذا تمارس مؤسسة النقد دور الجندي الضعيف الذي يرى ولا يستطيع أن يفعل شيئاً ولا يعاقب؟ هل نحتاج إلى جهاز حكومي أقوى من مؤسسة النقد، لديها السلطة لممارسة دورها الكامل في استقطاب البنوك الأجنبية، وتشجيع المصارف المحلية، وتقف بالمرصاد لكل من يخالف؟ ?أين البنوك الأجنبية التي رخص لها، وما دورها في تنمية البلاد، أم أن البنوك المحلية تحيدها من المنافسة؟ ?تقرير اقتصادي صدر عن مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية"فيتش راتينغز"الشهر الماضي، أزعجني كثيراً، فقد استبعدت أن تقوم البنوك الأجنبية ذات الشراكة السعودية في المستقبل القريب برفع حصتها من 40 في المئة إلى 60 في المئة، بحسب ما تنص عليه شروط انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، وشددت مؤسسة التصنيف الائتماني على أن السوق السعودية في حاجة ماسة إلى ضخ المزيد من فروع البنوك نظراً لوجود مصرف واحد لكل 1900 مواطن. واستبعدت"فيتش"أن يؤدي انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية إلى تغييرات جوهرية في هيكل النظام البنكي، مشيرة إلى أن قطاع الأعمال المصرفية في مجال التجزئة ذو قدرة تنافسية عالية، ومن شأن ذلك أن يقيد من قدرة دخول البنوك الأجنبية إلى المملكة وإنشاء بنوك تابعة لها هناك. ربما يقول البعض إن البنوك المحلية نجحت في توحيد جهودها وتكثيف خدماتها لتغطية حاجة البلاد من الخدمات المصرفية، ولكن الكلام غير صحيح، فمع التوسع الاقتصادي للبلاد وتنوع مصادرها، وطرح منتجات تمويلية، وكذلك إتاحة الفرصة أمام الناس في?اختيار ما يناسبهم من خدمات مصرفية، فليس من المعقول إذا كنت تريد أن تعيد الحرارة إلى هاتفك بأسرع وقت ممكن يجب أن تسدد في بنك محدد، وإن كانت لك معاملة في الجوازات يجب أن تتعامل مع بنك معروف، وهكذا في المخالفات المرورية والخدمات، فأصبح لكل جهة حكومية بنك يتعامل معه، ويذهب ضحية هذه الإجراءات المواطنون المغلوبون على أمرهم، والمتقاعدون وأصحاب الضمان الاجتماعي. اخبروني هل تعفي البنوك المحلية ذوي الدخل المحدود والمتقاعدين وحاملي بطاقات الضمان الاجتماعي من خصم عمولتها من عملية السحب المصرفي من الجهاز، والمتمثل قيمة خمسة ريالات، أو من عملية المقاصة التي تجريها البنوك، اخبروني، إذا كان موظفاً بسيطاً راتبه 2000 ريال أو 3000 آلاف ريال، وحينما يجري عملية سحب لا تتجاوز 200 ريال أو 500 ريال أو حتى 100 ريال، قد لا يكون هو في حاجة لسحب مثل هذا المبلغ الكبير، إلا انه مرغم، فالجهاز لا يدفع إلا مضاعفات ال 100 ريال! هل تقدم بنك بتبني أجهزة صراف لهؤلاء تكون كميات السحب قليلة مثلاً 20 ريالاً أو 50 ريالاً؟ وهل تقدمت البنوك السعودية بطلب خفض عمولتها أو إلغائها؟ ?البلد في حاجة إلى بنوك للتمويل العقاري، والصناعي، والاجتماعي، والإنساني، وخدمات اجتماعية أخرى مقبلة عليها البلاد، وكذلك الإسهام الفعال في تمويل مشاريع ضخمة، في الحقيقة إسهامات وخدمات البنوك انصبت كلها في خدمة الشركات الكبرى والمستثمرين الكبار، وغاب عنها العميل الصغير، وغابت مؤسسة النقد في فرض رقابتها أو دورها، أو هي كالشرطي الذي يقف مجرداً من السلاح لا يملك حتى عصا لملاحقة الخارجين على القانون، إذا ما عاتبت هذا الشرطي غضب منك، نحن في حاجة إلى وقفة صارمة ونظرة اقتصادية وشمولية من مؤسسة النقد، لتشجيع البنوك الأجنبية وفتح فروع لها، وحل مشكلاتها، وكذلك تشجيع دخول بنوك أجنبية، وضرورة رفع كفاءة وأداء البنوك المحلية من حيث الخدمة والأداء وكسر الاحتكار. في الواقع نحن في حاجة إلى الإسراع في وضع تشريعات للمصارف المحلية وجذب البنوك الأجنبية، وتقرير"فيتش"يحتاج إلى إعادة نظر لبنوكنا المحلية. * صحافي اقتصادي.