بعد انتهاء موسم الأمطار على معظم مناطق المملكة المترامية الأطراف، التي فرح المواطنون بها، طمعاً في أن ينعموا بخيرات تلك الأمطار ويتجنبوا شرورها. وبانتهاء ذلك الموسم يجب أن ننظر بعين الجد والاعتبار من جديد، استعداداً للموسم المقبل، لمسلسل أخطار السيول الدرامي، الذي لا ينتهي، بل يطل علينا كل عام بملامح مختلفة، كما المسلسلات التلفزيونية في رمضان، وسباقها المحموم، لاستنزاف الوقت على رغم رداءتها، وهي ليست حديثنا مع أنها تستحق موضوعاً مستقلاً لا إشارة، ولكنها فقط تداعي أفكار يربط بينها وجه الشبه. أقول"مسلسلاً"لعودته المتكررة كل عام، وأقول"درامياً"لأنه يحصد عشرات الأرواح في كل مرة يطل علينا، أقول: لماذا تتكرر المأساة في كل موسم أمطار رغم أنها مشكلة معروفة ومحددة المعالم، ومعترف بها أصلاً؟ يصعب إيجاد الحلول في حال عدم تحديد المشكلة، وفي حال عدم الاعتراف بها، وفي حال عدم وجود آلية للتنفيذ! إذن فأي من تلك"الانعدامات"هو سبب تكرار تلك المشكلة؟ مع أنه لا بد من تلك الخطوات لحل أي مشكلة، إلا أن عدم وجود آلية للتنفيذ له نصيب الأسد في معظم الأحوال، خصوصاً في كثير من سلوكيات المجتمع المسؤول عن هذه الأمور. قد يأتي من يقول السيول وهطول المطر أمران في علم الله وبمشيئته، ونقول صدقت، ولكن اعتراضنا ليس على نزول المطر، ولكن على الأضرار التي يخلفها. أعتقد جازماً، بل وأؤكد، أن نشر صور المآسي في الصحف وتكرارها أسهم كثيراً في عدم الإحساس بالمشكلة، فبدل ما يكحلها عماها، وكأنك تقول: لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي، قد تكون المشكلة أوسع مما نتصور، فتمتد جذورها وتشعباتها إلى الكثافة السكانية، وتتداخل أطرافها، وتتشابك خطوطها، وقد تصبح فيها كأنك في لعبة المتاهة، ثم يطالبك أحدهم بالخروج منها دونما تخطيط مسبق، وقد يدخل فيها أيضاً عدم تنظيم الامتداد العمراني، وسوء تنفيذ الطرق، وانعدام توافر الخدمات الأخرى، أو عدم كفاءتها إن وجدت، وكذا سوء توزيع الانتشار الآدمي في ديار كانت في ما مضى قفاراً مهجورة، وأصبحت الآن مكتظة بالسكان الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة سيل عارم يأتي من أعالي جبال لا يعرفون اتجاهاتها ولا انحداراتها، ويصبحون بعد حين أثراً بعد عين. ومهما يكن من تعقيد في تلك المشكلة، لا أظن أن حلها مستحيل، متى ما تضافرت الجهود، ونسقت وأوكل العمل إلى مختصين يعملون وفق برنامج زمني يستند إلى خطة شاملة تنهي العمل في هكذا مشاريع قبل موسم الأمطار المقبل، فليست الأمطار طوال العام. نوجه نداءً عاجلاً لكل الجهات المعنية في استغلال موازنات الخير في سبل الخير التي حث عليها قادة هذه البلاد، وأذكّر أن سكان تلك الديار المتضررة لا يمكن أن يكون الحل في تهجيرهم منها، أو في رحيلهم عنها، لأن الدولة في سياستها أصبحت لا تشجع على الهجرة أياً كان اتجاهها سواء إلى الريف أو إلى المدن الكبرى، مع احتمال حدوث الهجرة إلى الريف في المستقبل، وما دام الأمر كذلك سيكون السؤال: ما مصير من يقطن تلك الديار؟... سؤال ينتظر الإجابة كل عام! [email protected]