أعلنت الهواتف الجوالة الحديثة الموت الدماغي لكاميرات التصوير المخصصة للهواة، واليوم تتباهى الشركات المصنعة بأنها تقدم مميزات إضافية للكاميرا الملحقة بالجهاز في الجودة وسعة التخزين والقدرة على المونتاج وارتباطه ببرامج الكومبيوتر، وخلال وقت قصير سيمكن لنا مشاهدة فيلم كامل من إعداد وتقديم كاميرا الجوال، والكاميرا أصبحت هي السؤال الأول لأي مراهق عند تفحصه جهاز الجوال في أرفف العرض في المحال وهي جزء من الهدف والغاية فلم يعد الجوال مجرد وسيلة اتصال لنقول للناس ألو! ان تلتقط صوراً ثابتة أو متحركة بالفيديو عن طريق جهاز الجوال لأي شخص بأي وضع وتنشرها عن طريق الانترنت، أصبح جريمة في بلادنا بعد أن صدر النظام الخاص بإساءة استخدام كاميرات الهواتف المحمولة ضمن مشروع شامل يخص جرائم تكنولوجيا المعلومات، وبينما تحتضن ذاكرة جوال معظم الناس آلاف المقاطع الخاصة والعامة لأشخاص نعرفهم ولا نعرفهم، وافقوا على تصويرهم أو تم التقاط صورهم خلسة، فإن القانون الجديد سيجرم المساس بحياة الناس الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بكاميرا أو"ما في حكمها"بقصد التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة. هل ستحد مثل هذه القيود من تدفق تلك المقاطع الشرعية وغير الشرعية؟ وهل سيستقبل المخالفون عقوبات تصل إلى سجن سنة وغرامات بنصف مليون ريال بحذر وانتباه، ويبدأون بحساب المخاطر؟ نتمنى ذلك ونتمنى أيضاً ان يبدأ تفعيل تلك العقوبات بأسرع ما يمكن لنضرب مثلاً حياً لكل مجازف يعبث بسمعة الناس وشرفهم وكرامتهم. بقي أن نشير الى أنها لفتة جديدة قديمة أن نبدأ في تشريع كل ما يتعلق ب?"الخصوصية"وهي انطلاقة حضارية ولا شك لها مرجع في التشريع الإسلامي، وتحتاج الى تفعيل بعد التطور التكنولوجي الهائل، بأن نطور أنظمتنا وقوانينا بالإيقاع نفسه، لحماية خصوصية الفرد وسمعته من التلصص والتجسس والتشهير بما يكفل بالتالي صيانة وحماية أخلاق المجتمع. من شأن تلك القوانين ان تسهم في بث ثقافة جديدة في المجتمع تضع حداً فاصلاً وواضحاً بين الخاص والعام، ومع الهجمة التقنية الشرسة، لابد للمشرعين من ان يواصلوا البحث عن السبل التي تكفل جعل حياتنا أكثر أماناً وراحة بال، لتُهدأ بعضاً من قلق آخذ في التنامي، وألا نقبل أن نترك الخصوصية الفردية تتآكل كما يحدث في كثير من المجتمعات بسبب التكنولوجيا.