كذب في كذب في كذب، فمن أصدق؟ ولِمَ أصدق إذا كان كل من حولي يكذبون؟ وإذا غلط وصدق أحدهم نشك في أنه يكذب؟ ثم تعال لنتفاهم، هل تدري ما سيحصل لنا إذا قرر اليوم، الآن، الساعة، كل إنسان ألا يكذب على أحد ولا على نفسه؟ أجب أرجوك عن سؤالي قبل أن أكمل، أجبني ماذا سيحصل لو صدقنا كلنا تخيل ذلك، أو لأخفف العبء عن كاهلك، لنقل إن مجموعة من الكذابين أنا وأنت من بينهم قررت أن تهجر ظاهرة الكذب التي اجتاحتنا، فإننا سنرى وبسهولة تامة: - زيجات عدة ستنهار فوراً لأنها قامت على الكذب، وبيوتاً ستدمر لأن الزوج قال ما يفعل ويفكر من دون علم زوجته، أو لأن الزوجة قالت رأيها بصراحة تامة في حياتها. - صداقات كثيرة ستموت لأنها بنيت على المجاملة الكاذبة أو المصالح المشتركة، والأجمل أن صداقات جديدة ستنشأ من تلقاء نفسها. - تغييرات جوهرية في أنماط السلوك الاستهلاكي، فنرى عمليات بيع وشراء واسعة للسيارات مثلاً، لأن البعض اقتنى سيارة لا تناسب دخله، والآخر أراد أن يبدو عادياً على رغم غناه الفاحش. - في السكن ستتغير الأمور أيضاً، فيصبح البيت بحسب الحاجة وليس مليئاً بقاعات الاستقبال المهجورة، وبالتالي الاستغناء عن بعض الخدم يصبح أساسياً بحسب الحاجة لا بحسب الكسل والمجاراة، وكمية استهلاك اللحم والشحم والأرز والحلويات ستقل، وبالتالي ستقل النفايات، وقد تنظف البيئة. وقد أذهب بعيداً فأقول إن عدد المسافرين سيهبط، أو أن الوجهة ستتغير بحسب الرغبة لا بحسب ما يختاره الآخرون. - الاختصار في الكلام والمجاملة لأن ثلاثة أرباعه هراء وكذب، ويتولد عن ذلك تغييرات أساسية في لغة الناس اليومية أو في المناسبات. - إتلاف الكثير من الأغاني التي سرقت ألحانها أو نقلت كلماتها، ويتبع ذلك كثير من الكتب ودواوين الشعر والبرامج التلفزيونية المنقولة، وهذا بعض ما يحدث في عصر كثر فيه الكذب. - وقد أكمل وأكمل بأمثلتي، ولكنني أظل كاذبة. إنها عادة، وقد تعودنا وأدمنّا الكذب، لأن كل فرد فينا لا يواجه نفسه بصدق ولا يواجه الآخرين، ولهذا فنحن لن نتجاوز عيوبنا وأزماتنا، نحن نغطي عيوبنا وضعفنا بالكذب، ولذا فهي مستدفئة بهذا الستار والمصلحة. حتى عند اهتمامك بهم أو تعاطفك مع عواطفهم وعنايتك بمشاعرهم يلقبونك بالحشري والملقوف، يعني بكلمة أخرى سلبيون. نعبر فقط إن كانت الكلمات نابية أو الإشاعات كاذبة أو الأخبار ملفقة أو الانفجارات دموية، نعم حد الانفجارات الدموية. ما الذي حصل لنا؟ أين كلماتنا في الحب والمحبة؟ أين الحوارات الأنيقة؟ أين الاندهاش لطفل يحبو أو خطوات بريئة؟ أين تشجيع الانجازات ولو كانت النتيجة 7/10 في فصل للتعبير في المدرسة الابتدائية؟ فمن يعيدني إلى الابتدائية شرط أن تكون في القرن التاسع عشر؟ علني أعود عفوية تلقائية وأعبر. [email protected]