لماذا أصدق"بفتح الألف"؟ ولماذا أصدق"بضم الألف"؟ سؤالان وجيهان لم أتوصل إليهما من فراغ، بل من امتلاء جعبتي بالكذب. لن أبرئ نفسي وأبرر لها كذبها، لأن الجميع يكذب علي، بل سأقر بأنني كاذبة وأعذر الكاذبين والكاذبات، لأننا نضطر إلى الكذب حتى نعيش، على مبدأ الفيلم العربي"لا أكذب لكنني أتجمل"، وهذا هراء وخداع، والحقيقة أنني أنظر وأتطلع إلى يوم أكون فيه صادقة، لأرتاح وأحترم نفسي وإن كان البعض يحترم كذبي أكثر من صدقي. لكنني تعبت فلو كان أحدكم يريد الصدق - مع شكي المسبق في وجود من يريده، لأننا اعتدنا الكذب - ولكن إن وجد بيننا من يصر حقاً ويريد ويلح عليّ فإنني سأعترف له حتى أرتاح بأنني كاذبة في تاريخ ومدينة الولادة، إلا أنهم نسوا أن يسجلوا في العلامات الفارقة مع حبة خالي حبة الكذب الموسومة بها. إضافة إلى أنني لا أعطي الثقة المطلقة لنفسي حتى أعطيها لغيري، لذا فإنني لا أصدق كائناً من كان بل الشك وفكر المؤامرة هما دليلي إلى الحقيقة. فمثلاً إن ادعت وسيلة إعلامية أنها نور وإنارة أطفأت جهاز بثها، وقطعت التيار الكهربائي عن تلفزيوني، لتأكدي من أنني أعيش في تعتيم إعلامي فلماذا هدر الطاقة؟ الشيء نفسه أفعله إن ذكرتْ وسيلة أخرى الدقة والصدقية، لأنني أدركت أنها تلف وتدور ولا تصل إلى الحقيقة، وان صرخ الشعب اللبناني:"بدنا الحقيقة"، صرخت في سري:"في المشمش يا حبايبي". أي حقيقة وأي حقائق والكل يخفي ويلفلف ويخبئ ولا نصل؟ فلم نصل؟ وكيف نصل إن كنا لا نصدق صغائر الأمور حتى نصدق كبائرها؟ انظر حولك، الغش التجاري متفش، الأغذية الفاسدة متوافرة، المخلفات الكيماوية تأكلها السمكة قبل أن آكلها أنا وقبل أن يأكلني القرش، الرشاوى كريمة في كل مكان وإلا لن تنجز معاملة وإن كان زيد الهلالي خالي، والغش في العائلات والمتنزهات والانتخابات والمباريات حتى السحب على جائزة في مسابقة مغشوش مغشوش يا ولدي، فلم تجبروني على قول الحقيقة، وأكثر ساكني عالمي حاملو شهادات الكذب العالمية. حتى انني أشك في أن كل حامل شهادة ولو ابتدائية اضطر لغش ما في امتحان ما حتى ينجح! نحن ندخل المدارس لنجد أستاذاً متفنناً في إحباطنا وترهيبنا وتخويفنا من الفشل قبل تشجيعنا على النجاح، نحن تربينا على الخوف، منذ صغري والغول والضبع والضبعة والوحوش تحيط بي في كل قصص الطفولة، وليلى عليها وحدها أن تصارع وتجابه كل هؤلاء الذئاب. وقصص ألف ليلة وليلة تضطر فيها شهرزان إلى شتى أساليب الحيلة والمكر لتضمن خلاص أبطالها ونفسها، ثم تريدونني أن أصدق؟ ألم تفكروا في تاريخي القديم والحديث في الكذب والتدجيل؟ ألم تشعروا بنبرة صوتي خائفة وهي تُخرج الأحرف الصوتية بخوف أشد؟ أحاول جاهدة ودوماً أن أخفي كذبي وعلى فكرة لا أنجح، فالإيماءة والكلمة هما فكر الإنسان، والكلمة تؤدي إلى مخاطر كبيرة، وقد لاحظت أنني مثل الجميع أتكلم بمنتهى الخفة من دون أن آخذ في الاعتبار أن الكلام هو كينونة الإنسان، والتحدث جزافاً ومن دون هدف يؤدي إلى مخاطر كبيرة، لكن المضحك أن نكذب من دون هدف! نكذب بلا داع، نكذب لمجرد الكذب، فلم لا نصدق؟ خلف الزاوية: حاولت في شرك الأحلام إيقاعي والأرض تبحث عن لحني وإيقاعي لو كنت تملك مثل الريح ذاكرة لما هرعت إلى قهري وإخضاعي [email protected]