تعليقاً على مقالي السابق "الكذب لتغييرالحقيقة" تقول "الريم" اتخذت قراراً بأن لا أصدق الرجال مجدداً..لقد انجرحت بقوة 99'99 الرجال كذابين.. ويقول الأخ إبراهيم السويد إن العقوبات الإدارية على الموظف الكاذب والذي يثبت كذبه لدينا غيركافية..يُكتفى فيها بنقله..أما متفائل فيرى أنه لابد من عمل إحصائيات على شرائح معينة لقياس نسبة الكذب ..وبدونها يعتقد أن الكتاب من عنوانه يبدو مقروءاً..! في المقال السابق تساءلت من أين يبدأ الكذب لدينا؟ وكيف ينمو في الأسرة وبطريقة إنسيابية لايتوقف أحد أمامها..فمنذ سنوات طويلة كان من العادي جداً أن يقول الأب أو الأم للطفل إذا اتصل شخص ما على الهاتف الثابت قبل الجوال أنه نائم أو غير موجود أو أن الأم مشغولة وهما غير ذلك ..وقد يضرب أحدهم طفلا ًلأنه لم يحسن التصرف ..حيث إن طفلة في السادسة قالت لمن طلب والدها إنه يقول لك إنه نائم..! في المدارس يكذب المعلم إن تأخر عن العمل بحجة أن الطريق مزدحم أو المنبه لم يعمل ..أما الموظفة فتتأخر لأن زوجها لم يستيقظ مبكراً ليوصلها..أو ان الشغالة مريضة أو أن ازدحام المرور هو السبب أو حادثة في الطريق عطلت السير أو إيصال أطفالها الى مدارسهم.. وهي اسباب لا تختلف عن الأعذار البريطانية.. وقدي ضاف إليها تعطل السيارة ..أما المرض للموظفين والموظفات فكارثته من الناحية النظرية مبررة حيث الإجازات المرضية غير المستحقة والكذب بشأن المرض وتهويل الحالة وعدم الانزعاج نفسياً أو ضميرياً بأنه يكذب وأنها صحيحة ولكن يتغيب لأنه بحاجة للغياب فتلجأ أو يلجأ للكذب وتأليف المرض..! بالنسبة لبعض الموظفين فهو يكذب كل يوم إن تأخر أو تغيّب فقد يدعي أن أحد أطفاله مريض وأنه في المستشفى أو زوجته أو الوالدة ..أماالغياب فأحد الأقارب توفي أو لديه مشكلة أو أنه يمر بظرف توجب البقاء معه..! الكذب الأبيض اليومي لا عدد له..الطفل يكذب وهو على الآيباد عندما يقول لأمه إنه أكمل مذاكرته وهي تعرف أنه كاذب وتقول له لم تذاكر ولكن سأمررها ..الأم والأب يوعدان الأطفال بهدايا أو خروج للفسحة ولا تنفيذ أحياناً..الكذبة للتسكيت..وقد يقول الطفل أنتم تكذبون مثلا ًبشأن شراء سيارة أو سفر أو جوال ورغم التأثير المستقبلي لهذا السلوك على الطفل أو المراهق إلا أن الأمور تعبر بهدوء ولاتستدعي التوقف من الطرفين..! مراهق في العائلة أحبه كثيراً يكتب في صفحة تواصل اجتماعي أنه يبلغ 28سنة ودرس هناك وعندما سألته لماذا تكذب ؟ قال لي كذب أبيض والغريب أن هذا العالم الافتراضي الوهمي يتألق فيه الكذب أكثر من الصدق..وعليك أن تقيس على ذلك ..! يبدو لي أننا لسنا في حاجة إلى إحصائيات عن مسلسلات الكذب لدينا..فقط يتوقف كل شخص أمام نفسه أو غيره ممن حوله ليحسب كم كذبة ترتكب في اليوم ..هل أكثر من خمس كذبات مثلا ًأو أقل..؟؟ في الكذب الأبيض..يكذب الرجل عندما يخبر زوجته أو أسرته بسبب تأخره أو بمتى سيحضر..أو أنه سيصل بعد خمس دقائق..أو سيتصل بعد قليل ..والمرأة أيضاً تدّعي أنها توشك على الوصول في موعدها وهي لاتزال في المنزل..من أطرف الكذب تقول سيدة..إن زوجها يأخذها من مشاويرها ويتأخر كل مرة وكلماسألته أين أنت؟ يرد في اللفة ..أي لفة ..هل لفة بيتهم أم لفة المكان الذي هي به..! في العمل يُقال أن الموظف سيحضر بعد قليل ..طيب هذا القليل كم دقيقة أو ساعة أو يوما كاملا؟ نكذب في العمل والتأخير والمواعيد العملية وحتى الخاصة..في الهاتف يقول لك أحدهم إنه مشغول وسوف يتصل بعد قليل..المشكلة أن هذا الوقت مفتوح ..ولاتعرف كم يمتد..يذكرني بمواعيد أهل زمان رغم أنها كانت خالية من الكذب..حيث يحدد الحضور بعد المغرب أو العشاء..وأنت عليك الحساب..!!! تسأل نفسك كم كذبة ألفتها في اليوم؟ كم مرة كذبت واعتبرته مزاحا أو غشمرة أو تسيير أمور أو إرضاء للآخرين أو محاولة عدم إغضاب..أو مجاملة؟ الزحام هو البطاقة الأولى للكذب..وعدم الالتزام بالمواعيد..والمجاملة كذب.. لكن ماذاعن المشاعر؟ هل يكذب الرجل على المرأة وهل تكذب هي عليه؟ نعم كلاهما يكذب أحياناً وهي تعرف أنه يكذب وقد لا تواجهه وهي تعرف أنه يكذب ولايواجهها..يتبادلان الصمت والتفويت..وبالذات في المراحل المتقدمة من العلاقات الإنسانية..هي تشتري دماغها..وهو أيضاً بعد أن أصبح كلٌ منهما لديه ما يشغله ولديه ما يتجاوز من خلاله كذب الآخر...كالانتماء التام إلى الأسرة والعائلة..واعتبار أن هذه الكذبة بيضاء ومن الممكن العبور بعيداً عنها...! صديقة لي تقول أثق تماماً أن زوجي يكذب عليّ من خلال تأكيده أنه لايعرف امرأة غيري لكن ..ما يريحني أنني لم اعدْ أتوقف أمام تلك الأسئلة التي تكشف كذبه ..ولم أعد أعتني بمدى مصداقيته أو هل يكذب أم هو صادق؟ هل هو امتنان داخلي لصفاء الروح وتواؤمها مع ذلك التصالح مع النفس والذي يدفعها إلى التجاهل ؟ أم أن الكذب عندما يصبح قاعدة يفرض حضوره كحقيقة مطلقة لاينبغي تجاوزها..؟ يكذب البشر كل يوم دون أي احساس بالذنب ..مع مضي مستمر في التوليف والتحديث للكذب حتى يصل إلى المتلقي وكأنه حقيقة لاينبغي الارتياب حولها ..ويكذب الرجل وتكذب المرأة وكأن الأمر يتعلق بتطييب الآخر..وتضييق نقاط الخلاف معه.. تكذب لمعالجة أمر..ولكن قد تعالج أمراً واحداًمؤقتاً وتتسب في أمور لايكفي الصدق لمعالجتها..! ورقة الكذب دائماً ورقة ضغط خفيفة وطائرة ولن تلامس الأرض ..إن تمسكت بها ستطير معها آجلا ًوستُسكنك الرياح..لكن من لايحب الكذب سيقول كما قال أحدهم"لست منزعجاً لأنك كذبت عليّ لكنني منزعج لأنني لن أصدقك بعد هذه المرة.."..! يظل الكذب عند من لايكذبون ويخافون الله خطا أحمر سواء أكان كذبا أبيض أم أحمر.."لايجد عبدٌ طعم الإيمان حتى يترك الكذب ..أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب"...الكذب رأس كل خطيئة...حتى وان انطبق عليه القول القديم "الكذب جرعة مسكنة ضد الحقائق المؤلمة"..! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة"صححه الألباني..