أصيب كثيرون ممن سمعوا قصص المزارع محمد الشاكر، بالدهشة والعجب، وربما وصلوا إلى حدود عدم التصديق، الذي لا ينفك يسرد عجائب النخلة وغرائبها، وبات تربطه بها علاقة قوية جداً، إلى درجة أنه لو أراد قطع إحداها يُصاب بكآبة تستمر معه يوماً كاملاً وربما يومين. وعلى رغم أن ما يتداوله مزارعو الأحساء أقرب إلى الأساطير، وربما الخرافة، فإن علماء نباتات أشاروا إلى بعضها، إذ ذكر عالم النبات باكستير أن النباتات"تقرأ أفكارنا، وأن لها حاسة سادسة، مع أنها لا تملك بقية الحواس". فيما يرى العالم جان بليت أن للنباتات"ذاكرة حية، قادرة على تمييز الأشخاص". وذهب أستاذ علم النبات في المركز القومي المصري للعطور الدكتور كمال هباشة، أبعد من ذلك، إذ بشّر"بقرب ظهور علم نفس النبات". ويؤكد المزارع الشاكر أن النخلة"تشترك مع الإنسان في الكثير من الأمور التي لا يمكن لأحد أن يصدقها، فهي يمكن أن أشبهها بالإنسان الجامد، فهي قد تُصاب بالغم والحزن، ويظهر عليها ذلك من خلال علامات يستدل عليها المزارع العارف فقط، ونعالجها بأن نقطع من أسفلها قدر ذراعين، ثم تخلل بالحديد، فيهرب الغم عنها، وتعود سعيدة". ومن غرائب الشاكر أن النخلة"تعشق وتحب وتهجر، بل إنها تمثل أرقى أنواع الحب العذري". ويقول:"نستدل على أن النخلة في حال عشق وهيام حين تميل نحو نخلة أخرى، فيخف حملها وتهزل، حتى أنها يمكن أن تشارف على الانتحار، بأن تسقط على الأرض من شدة امتناعها عن الأكل والشرب والتمتع بالحياة نتيجة لهذه العلاقة، ولكننا نسارع إلى علاجها من خلال شدها إلى معشوقتها بحبل يربطهما ويوثق علاقتهما، أو من طريق تعليق سعفة من النخلة المعشوقة في الأخرى العاشقة، أو وضع طلع من الشجرة الأخرى". وتُصاب النخلة أيضاً بعوارض"العقم"، إلا أن المزارعين المحترفين يحاولون علاج هذه الأعراض بأخذ فأس، ويهرعون ل"يندوا"منها، ويمكن أن تُشفى بنسبة 60 في المئة، مع احتمال استمرار العقم". ويقول محمد:"عملية الندو تتمثل في اقتراب صاحب المزرعة من النخلة العقيمة، وهو يحمل فأساً، ويهدد بقطعها، فيقول له رجل آخر لا تقطعها، فهي ستحمل السنة المقبلة، فيهدد المزارع بقطعها، ويتوسل إليه الرجل بالعدول عن ذلك، فيمهل النخلة إلى العام المقبل، ويقوم بضرب جذعها بظاهر الفأس ثلاث مرات، فتحمل في السنة المقبلة غالباً". جرب هذا المشهد الندو كثيرون بحسب الشاكر، وأثمر"نجاحاً"، معتبراً أن هذا"دليل قاطع على أن النخلة تشعر وتخاف وتصارع البقاء"، مستدركاً"ربما هي مجرد طقوس غريبة، أو ربما خرافة، لكنها مُجربة وحققت النجاح". ويسرد الشاكر غرائب لا تنتهي للنخلة"لو أخذت نوى من تمر نخلة واحدة وزرعت منها ألف حبة، لجاءت كل نخلة منها لا تشبه الأخرى". وتمثل ساعة قطع النخلة بالنسبة للمزارعين ألماً يشبه ألم بتر أحد أعضاء الجسم، وروى محمد حكاية جاره المزارع"كان والد جاري في المزرعة مسناً ضريراً، لكنه مزارع من الطراز الأول، وفي أحد الأيام تسلق نخلة طويلة من أجل قطع شوكها، لكنه أصيب بدوار، وسقط من أعلى النخلة ليلقى حتفه"، مضيفاً"مرت على هذه الحادثة سنوات طويلة، وعلى رغم إلحاح أسرة جاري وجيرانه، بأن يقطع النخلة التي سقط منها والده، لكنه رفض وبشدة، بحجة أن والده لن ينعم بالراحة في قبره لو قطعناها، وكل يوم حين يمر بها يعتصر قلبه ألماً، لكنه لم يكن يستطيع قطعها، حتى كانت التضحية من جانبها حين سقطت أخيراً، بعد يوم عاصف، لكن الألم بان على وجه جاري كيوم وفاة والده". ولا يقتصر الأمر على تلك الغرائب، بل تتعداه إلى العلاقة بين المزارع والنخلة. ويقول الشاكر:"المزارع يعرف كل نخلة وتربطه بها قصص وأحاديث، ففي كل موسم وفي كل عملية تجمعهما معاً، لا بد أن يفرغ المزارع مشاعره للنخلة، وهي بدورها تنفس عنه همومه ومعاناته، ويفسر هذا أن المزارع لا يمكن أن يمنعه أسوأ المناخات، ولا أي ساعة من ساعات يومه عن الحضور إلى مزرعته، ويمكن أن يصادف وقت ري المزرعة آخر الليل، فتجده منتظراً وسط الظلام من أجل محبوبته النخلة". وتمثل النخلة أيضاً إسعافاً مفتوحاً يستطب منها المزارعون في حال أي إصابة يتعرضون لها، فحين يصابون بأي جرح يهرعون إلى ليفها، فيسحقونه على الجرح، فيلتئم، ويضيف الشاكر"حين يصبح التمر حاراً ويابساً ويتناوله المصاب بالسعال المزمن يشفى، ويعالج أيضاً أوجاع الصدر ويستأصل البلغم، ويُنصح أكله على الريق، فهو غذاء مفيد جداً، ويزيل أوجاع الظهر، ويقتل الدود الذي في المعدة، ويقوي الكلى الضعيفة". ويبدي المزارعون في محافظة الأحساء احتراماً كبيراً للنخلة، بصورة تدعو للغرابة، فلا يطلقون عليها إلا"الشجرة المباركة"، ويصفونها بصفات لا تخلو من التقدير والثناء، وتستخدم الأمهات خوص النخل الجريد، قديماً لوضع قطعة بين أسنان الطفلة الصغيرة، لتفترق أسنانها الأمامية، وتتباعد كعلامة من علامات الجمال، وهي فكرة بدأت في العراق، إذ تشتهر بهذه العملية التجميلية المبكرة، وتم استيرادها من طريق السفر والتبادل الثقافي والاجتماعي، ولا تزال آثار افتراق الأسنان علامة بين النساء في المجتمع الريفي.