سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أجاز كشف وجه المرأة... واعتبر علم المتعلمين لم يتجاوز ظواهر المفردات وأنهم لا يراعون دلالات السياق . الشيخ السلفي الجديع يحل الغناء بشروط ... ولا يحرم حلق اللحية
على رغم مرور السنين على نشأة المذاهب الفقهية والتباينات الشرعية بين الفقهاء، إلا أن علماء المسلمين لم يتوصلوا إلى رأي موحّد في قضايا دينية جوهرية، فضلاً عن أنهم بلغوا في الاتجاه المعاكس أن تصدر فتاوى تكفيرية بحق بعضهم بعضاً. الإسلامي السلفي عبدالله الجديع خرج مضطراً من العراق إلى الكويت، وعاش هناك ردحاً من الزمن، ولكن عدما لحق به بنو جلدته الذين هرب منهم إبان غزوهم الكويت، حمل حقائبه إلى بريطانيا حيث يتمتع المفكرون الإسلاميون بشيء من الحرية. آراء الجديع الدينية المخالفة لمعظم السلفيين جعلته عرضة لأسهمهم التي أقصت آراءه، على رغم أن تلك الآراء مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، ولكن مع ذلك تمسك الجديع بمواقفه الفقهية، وأصدر كتباً عدة في مسائل تمس حياة المسلم اليومية والدينية، عجز مناهضوه عن الرد عليها بالمثل، ومقارعته الحجة بالحجة. الجديع أحلّ سماع الموسيقى بشروط، ولا يرى حرجاً في حلق اللحية، وأجاز كشف وجه المرأة، ويرى عدم بطلان زواج غير المسلمين في حال أسلم أحدهما، ويجيز للمسلم منهما الاستمرار في علاقته الزوجية حتى وإن كانت مع كافر. ويعد الجديع من السلفيين النشطين في مجال التأليف والبحث، إذ قدم للمكتبة الدينية ثلاثة بحوث شرعية نفيسة، تكمن نفاستها في حساسية مواضيعها وخروجها عن الإجماع، كما يحلو لبعضهم أن يصفها، وهي كالآتي: اللحية والموسيقى والغناء في ميزان الإسلام، إسلام أحد الزوجين ومدى تأثيره في عقد النكاح، إلى جانب كتب عدة. "الحياة"حاورت عضو المجلس الإسلامي الأوروبي عبدالله الجديع في مكتبته الملحقة بمسجد مدينة ليدز الكبير شمال إنكلترا، حيث يعيش ويقدم دروساً دينية في المسجد للطلاب المسلمين المبتعثين، والجالية الإسلامية المقيمة في بريطانيا، إلى جانب البريطانيين. وحرصت"الحياة"في مقابلتها مع الجديع على أن تورد إجاباته كما هي من دون أي تدخل تحريري، وكما وردت منه، حتى تكون طرفاً محايداً في تناول الآراء الفكرية محل الاختلاف بين علماء المسلمين قاطبة، خصوصاً السلفيين منهم. يستشهد المعارضون لرأيك - من طلبة العلم - في تحليل الغناء بقوله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم?، فضلاً عن استشهادهم ببعض الأحاديث الشريفة الرافضة للغناء. كيف ترد عليهم؟ - لم أقل بإباحة الغناء أو الموسيقى قولاً مرسلاً من دون تمحيص أو نظر. بل تتبعت وارد ما استُدِل به في هذه القضية وشارده في كتاب مفصل، سميته"الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام"، في أكثر من 600 صفحة. وحاصل ما يتعلق به المحرمون: إما دليل صحيح وروداً لكنه استعمل في غير سياقه، وحُمِّل ما لا يحتمل، كهذه الآية التي ذكرتم في سؤالكم. وإما تعلق برواية واهية ساقطة لا يحل لمسلم أن ينسب مثلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كحديث:"من جلس إلى قينة فسمع منها صب الله في أذنيه الآنُك يوم القيامة". وغيره أحاديث كثيرة مصنوعة. وحيث ذكرتم الآية، وأعلم كثرة من يُمَوِّه بإطلاقها، وينقل عن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، قوله:"إنه الغناء"، فجدير أن أذكر لكم طرفاً مما قلته بخصوصها، للإبانة عن خلل الاستشهاد بها، إذ قلت:"... فعجباً لمن يتعلق من الآية بصدرها، فيقول: ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال ابن مسعود:"إنه الغناء"، أو قال غيره:"الطبل""ليخرجه برهاناً لرأيه، من غير تدبر لدلالة هذا الاقتضاب! إن الله عز وجل قال: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين. وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم. [لقمان: 6-7] فلا حكم في قوله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث مجرداً، وحيث لا حكم... فلا وعيد ولا عقوبة، إنما الحكم في تتمة السياق معلقاً بسبب اشتراء لهو الحديث، فليس هو في اشتراء مجرد، ولا لهو مجرد، ولا حديث مجرد، ولا في هذه المعاني مجتمعة، إنما هو في حق من اشترى ذلك يريد باشترائه الإضلال عن سبيل الله بالجهل والهوى واتخاذ آيات الله هزواً، وهذا المعنى لا يصح بعده إسلام، كان ذلك اللهو: الغناء والعزف، أو الكتب والقصص والروايات والتمثيليات والمسرحيات والأفلام. فأين هذا من مجرد الاشتغال بلهو الحديث بمعزل عن هذا القصد؟ ومن ذا يحرّم قراءة حكاية أو قصة يستطرف بها ويلهو، أو يتسلى بقراءة ديوان شعر، وهو لا يقصد شيئاً من هذا المعنى؟". وقد أُهْمِلَت عند من يشدّد أدلة تُثبت أصل الإباحة، لكن طائفة ممن جعل القول بالتحريم أصلاً تعرّض لبعضها بالتأويل، وإن شئت فقل بالتعطيل، ونحن نقول: باب الغناء والموسيقى باب العادات. والأصل في العادات الإباحة. لا تُنقل عنها إلا بدليل لا يقبل مثله التأويل. وأذكر هنا كلمات ثلاثاً مما أوردته في خلاصة كتابي الآنف الذكر، تستثير باحثاً منصفاً أن يعود إلى ما في الكتاب من التفصيل، فقلت: الأولى: الغناء والموسيقى لهو، الأصل أن يؤخذ منه ما يحقق مصلحة معتبرة، كإظهار الفرح المشروع، أو دفع السآمة والملل، فإن كثر صد عن راجح الخير بحسبه، والمباح رُفع فيه الحرج ما لم يغلب واجباً أو مندوباً، أو يوقع في محرم أو مكروه، فإن صار إلى ذلك انتقل عن الإباحة إلى حرمة أو كراهة. الثانية: خروج كثير من الناس بهذه الملاهي عن حد المباح فيها لا يبطل أصل حكمها، إنما يُنكَر من صنيعهم ما تجاوزوا به القدر المشروع، ولا يجوز أن يجعل من تغير الزمان أو سوء الاستعمال ذريعة لتحريم المباح، وإيقاف الناس على أصل حكم الشرع أبرأ لذمة العالم، وإن وافق هوى عند صاحب شهوة، فإن الإثم لا يأتي من جهة فعل الحلال، وإنما من الوقوع في الحرام. الثالثة: طريق معرفة الحلال والحرام وشرائع الإسلام إنما هو الكتاب والسنة الصحيحة، على أصول بينة وقواعد جلية، لا يُعرَف ذلك بالأحاديث المنكرة ولا الموضوعة، ولا بالآراء العارية عن البرهان، أو القائمة على غير أساس، وإلا لقال من شاء ما شاء، ولفسد على الناس دينهم". ومما قلت في تلك الخلاصة: "حسبي أني لم أستعرض ذلك إلا في ضوء أدلة الشرع وبراهينه، مستهدياً بمناهج الأصول والنظر مما أتحاكم مع مخالفي إليه. فإن أخذ علي في شيء فليكن بحجة من الكتاب أو السنة الصحيحة أو أصل متفق عليه، لا برأي، فالرأي يغلب الرأي بحجته، وغاية ما يكون عليه حال صاحبه أن يُعذر بقدر اجتهاده ويُثاب بحسن قصده، والكمال ليس وصفاً لي ولا لك، وقد التمست لك العذر مع خلافي لرأيك وردي له. وبالله عليك، لا تحاكمني إلى رأي القلة ولا الكثرة، ولا لما شاعت به في بعض البلاد الفتوى، فما هذا بمفزع المتبعين، إنما هي حال التابعين! وحسبك! وبالله عليك لا تقل لي: رأيك فتنة، فالفتنة في خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. [النور: 63] وقد حاكمتك ونفسي إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فما وجدت الرأي ما ترى، والفتنة في كتمان حكم الشرع وتغطيته ظناً أن بإبانته تُفتن العامة". ومن المتعذّر في هذا اللقاء السريع المجيء بأدلة هذا الموضوع نفياً وإثباتاً، وتحليلاً ومناقشة، وتفصيلاً وتحريراً وتقريراً، لذلك فلا غنى عن الإحالة على الكتاب. وأعلم أن بعض الناس استثارهم الكتاب الذي نشرته في هذه القضية، ولم أكن غافلاً عن أن مثل ذلك سيكون قبل أن أنشر هذا، كما لم أكن غافلاً عن أن طائفة ستتعلق بالفرع دون الأصل، فأنا بيّنت حكم الغناء والموسيقى على غير ما تعودوه، وهذا هو الفرع، ولكني أردت النصح في الأصل أكثر من الفرع، وهو تجريد المتابعة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تحاكم الأقوال والمذاهب إلى الأدلة والأصول، وأن يحذر من شائع الأقوال المبني على ضعيف النقول، وألا يُجرّ العالم من أهل الأهواء إلى تشديد في مشروع، كما لا يُجر منهم إلى ترخيص في ممنوع، فالهوى يدخل من الطرفين. كما قصدت إلى هجر التقليد، وإذا ساغ التقليد لقليل التحصيل، فلا يحل لعارف بالدليل. والنصح ألا يسارع متعجل فيقرأ هنا وهناك عبارات عابرة، مطلية بتفخيم وتهويل، فتصده عن البحث والنظر، وتحول بينه وبين ما يجب عليه من إعمال الفكر. ما رأيك في عدم حرمة حلق اللحية، إذ ينتقدك معارضوك بقولهم إن الجديع يستدل بتقديم العقل على النص في مسألة اللحية، ما رأيك في ذلك؟ - الحكَم في هذا الموضوع الكتاب الذي نشرته في ذلك تحت مسمى"اللحية... دراسة حديثية فقهية"، فليرجع إليه، ومن نظر فيه وفي سائر ما كتبت، لا أحسبه يداخله شك في كذب هذه الدعوى، وإهمال هذا خير من الاشتغال بالجواب عنه. لكن يذكر أن طائفة من المتعلمين لم يتجاوز علمهم ظواهر المفردات، لا يراعي دلالات السياق، فضلاً عن اعتبار الحيثيات والأسباب والمقدمات، وقنعوا من العلم بلفظ ربما فسروه بلهجات قومهم الملحونة، فنالهم من لحنهم نصيب وافر من سطحية نظر واجتزاء في العلم، قد غلب التقليد المذموم فكر أحدهم فلا يكاد ينظر بعقل نفسه، بل يكرر عبارات غيره، يحسب أنه يعظّم العلم بذلك. والورع حسن، لكن الجهل قبيح. وأنا أدين الله عز وجل بأن تجريد العقول للنظر في ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فرض في الديانة"لأننا أمرنا بالاتباع، ولا اتباع إلا بمجاراة التابع خطوات المتبوع. أما تقديم العقل المجرد على النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة فخروج عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اتباع الهوى. فالوحي لعصمة العقول من الخطأ. لكن أين ما هو مأمور به من إعمال العقول في فهم النصوص، من معارضة النصوص بمجرد العقول؟ كواحد من علماء المسلمين المهتمين بعلم الحديث هل لك رأي في تغطية المرأة وجهها؟ - نعم، لقد تتبعت دارساً باحثاً محرراً أدلة الوحي من الكتاب والسنة في ذلك، مراعياً زمان التشريع وعرف أهله، متأملاً المنقول من مذاهب السلف والأئمة، فخلصت منه إلى أن وجه المرأة ليس بعورة، وليس مما يجب عليها ستره ديانة، وبيّنت ما يرجع إليه خلاف الناس في ذلك، وأن المذاهب في ذلك لم يخل كثير منها من التأثر بالعرف والعادة، تشديداً وهو الأكثر، أو تسهيلاً. كل ذلك وقضايا أخرى من بابه، في كتاب مفرد مفصل لم أنشره بعد، تحت عنوان"أحكام العورات في الشريعة الإسلامية". لا يرى الشيخ حسن الترابي حرجاً في زواج الكتابي بمسلمة إذا كان ما زال على ديانته الأولى غير الإسلام... ما رأيك في هذه المسألة؟ - اطلعت على هذا الكلام في بعض الوسائل المنشورة، ولم أقف على عبارة محكية بلفظها عن الشيخ الترابي بخصوص ذلك حتى الساعة. لكني أقول: لو قال ذلك على معنى جواز ابتداء عقد النكاح من مسلمة بغير مسلم، فهذا مرفوض"لخلافه ظاهر القرآن، فقد قال الله تعالى: ولا تُنكِحوا المشْرِكينَ حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار. الآية [البقرة: 221]. وإنما أباح الله نكاح الكتابيات المحصنات، وليس الرجل كالمرأة، فالمرأة تكون في رعاية الرجل، وتقع تحت تأثيره، وهو أقدر عليها منها عليه، وحفظ إيمان المؤمنة يوجب ألا يمكّن منها غير المسلم، فذلك مظنة للضرر في دينها، وهو المعنى الذي دل عليه قوله تعالى: أولئك يدعون إلى النار. ولو قال الشيخ الترابي ذلك على معنى أن المرأة تكون تحت الكتابي ليست مسلمة، ثم تسلم، فتمكث في عصمته، فهذا صحيح، والعقد يكون بينهما جائز الاستمرار لو اختارت، بشرط ألا يضرها في دينها، على ما بينته ببراهينه في كتابي"إسلام أحد الزوجين ومدى تأثيره على عقد النكاح". وقد رأيت بعض الناس بالغ في شأن الشيخ الترابي حتى تكلم بما لا يليق، وأقبح ما رأيت في ذلك التكفير، وهذا لا يحسن من عالم أن يتورط بمثله، فالمسألة دل على حكمها الظاهر، ومن ذاق طعم المعرفة بعلم الأصول يعلم أن الظاهر لا يمنع التأويل، وإن كنا نرى خطأ التأويل بالإباحة فيها. يتناقل الإخوان خبر مراسلات حدثت بينك وبين الشيخ صالح بن عثيمين - رحمه الله - حول أمر ما. هل لك أن تحدثنا بما دار بينكما؟ - كانت بيني وبين الشيخ محمد الصالح بن عثيمين رحمه الله صلة حسنة، وهو من العلماء الأفذاذ الذين يقل مثلهم في هذا العصر، نفع الله به وبعلمه كثيراً. والمعرفة تجذرت بخلاف وقع مع الشيخ في مسألة"إثبات صفة العينين لله تعالى"، يعود إلى أوائل الثمانينات من القرن الميلادي الماضي، حيث قلت كلاماً شديداً في قول من يثبت العينين على التثنية، وكان الشيخ ضمّن ذلك ما كتبه في العقيدة. فسئلت عن ذلك فغلّظت العبارة. لكن شخص الشيخ لم يكن محل عيب أو تنقيص، فقد تربيت على تعظيم قدر العلماء، وهو منهم رحمه الله، فكان السائل سجل كلامي وأسمعه الشيخ، فتألم الشيخ لذلك، وبعث إلي عن طريق أحد الأصحاب يومئذ عتاباً، ولم أكن أظن أن الأمر يبلغ ذلك، فكاتبت الشيخ معتذراً، فأجابني الشيخ بقبول الاعتذار. ومن ثمّ حين كتبت كتابي"العقيدة السلفية في كلام رب البرية"، بعثت به إلى الشيخ لمراجعته. فمكث عند الشيخ مدة ولم يتمكن من قراءته لكبر حجمه، فلما ألححت من أجل نشر الكتاب، أرسل إلي أن انشره، وقال لمن بعث معه أنه يثق بعلم العبد الضعيف وعقيدته. ثم نُشر الكتاب فعلمت أن الشيخ كان ينصح به وتُوزّع بعض نسخه بمعرفته. كأحد المطّلعين على طبيعة الخلاف بين الفقيهين إسماعيل الأنصاري وناصر الدين الألباني. ما الخلاف الذي كان بينهما؟ - الخلاف بين الشيخين الكبيرين محمد ناصر الدين الألباني وإسماعيل الأنصاري، رحمهما الله، اشتهر بسبب مسألتين علميتين"التحلي بالذهب المحلق للنساء"، و "صلاة التراويح عشرين ركعة"، وكتب الشيخان في الرد والجواب في ذلك، ونُشر ذلك. وهو خلاف علمي محمود مثله في العلم، بغض النظر عن الصواب في أي الوجهتين، ولا أعرف أن هذا الخلاف بلغ مبلغ التعدي، فالشيخان قدوتان. وكنت قمت بزيارة للشيخ إسماعيل رحمه الله في منزله للسلام عليه، وذلك في سنة 1990، فما مكثت عنده طويلاً حتى أخرج لي كتاب"صحيح سنن النسائي"للشيخ الألباني، وقد علّم على موضوع فيه، يعيب فيه طريقة الاختصار، ويعيب المنهج الذي بني عليه الفصل بين الصحيح والضعيف في كتب السنن. وهذا أيضاً لم أره خارجاً عن النقد العلمي جملة. فطبيعة الخلاف في علمي بين الشيخين كانت غير شخصية، إنما كانت علمية. هل لك أن تطلع القراء على خلاصة بحثك في مسألة"إسلام أحد الزوجين ومدى تأثيره على عقد النكاح"؟ - هذا البحث سبقت الإشارة إليه، وهو منشور، وكنت أعددته في الأصل عندما عرضت لنا هذه المسألة في"المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث"، وقد استثارت الهمم لمناقشات ومراجعات من أعضاء المجلس الموقر، ومن غيرهم من أهل العلم، وما خلصت إليه الدراسة أنه"إذا أسلم أحد الزوجين وليس الكافر منهما محارِباً جاز مكثهما جميعاً، لا يفرق بينهما بمجرد اختلاف الدين، كما دل عليه العمل في حق من أسلم قبل الهجرة في مكة، ومن أسلم في فتح مكة. وبه قضى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في خلافته من دون مخالف، وأفتى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب". يؤخذ عليك أنك خرقت الإجماع في ما يتعلق بالموسيقى واللحية وإسلام أحد الزوجين... ما رأيك؟ - خرق الإجماع على معنى الخروج عن سبيل المؤمنين دعوى عريضة في هذه المسائل الثلاث، وإنما على معنى خرق ما جرى عليه المخالف أو عَلِمَه في ذلك، فهذا ليس خروجاً عن سبيل المؤمنين ولا تركاً لما عليه جماعتهم"لأن المسائل المذكورة لا يعرف في شيء منها إجماع على هذا المعنى، إنما ادُعي الإجماع في الموسيقى والغناء، وقد بينت في كتابي بطلان هذه الدعوى، ووجود المخالف. وادُعي بقلة في قضية إسلام المرأة دون زوجها أنها تفارقه، وبينت خطأ ذلك، فبينت أن الخلاف فيها قديم، وأن الأقوال فيها بلغت ثلاثة عشر قولاً، فأي إجماع يكون مع هذا؟ وكيف والذي ترجّح بالبحث والاستدلال قال به خليفتان راشدان: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وقال به من فقهاء السلف: عامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة؟ وأما اللحية فصاحب دعوى الإجماع فيها مدعٍ يعجز عن أن يأتي بعبارة واحدة عن أئمة السلف قبل المذاهب تنصر دعواه. وأما بعد المذاهب فالخلاف محفوظ، ولا إجماع. فوصف قول من الأقوال بكونه خرقاً للإجماع، ومرجع الإجماع إلى دعاوى مرسلة، مما يراد به التهويل ومحاولة لجم الأفواه، من دون الإبانة عن مقتضى الدليل. على أني بينت في كتابي"تيسير علم أصول الفقه"أن الإجماع دليل تبعي للكتاب والسنة، وأنه لا إجماع يعتبر من دون أصل من الوحي، وهذا الإجماع الذي يعد دليلاً تبعياً هو"ما اتفق عليه المسلمون من الأحكام الثابتة في الكتاب والسنة". وما يُدّعى سوى ذلك من الإجماعات فليس بلازم. وما هذه الإجماعات إلا بمنزلة ما ادعاه خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية عليه في وقته من أنه خرق الإجماع في مسألة الطلاق بالثلاث، بينما نرى ما حرره في ذلك هو منتهى التحقيق والأظهر لصوقاً بالدليل، واليوم يصير الناس إلى رأيه فيه في كثير من البلاد. فحري بمن ينتسب إلى العلم ألا يستسهل إرسال هذه الدعاوى. وما أحسن ما قال في ذلك الإمام أحمد بن حنبل:"ما يدَّعي فيه الرجل الإجماعَ فهو كذب، من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا؟ ما يدريه ولم ينته إليه؟ فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا". ولد في قرية "اليهودي" ... وله ولدان من زوجته "الإنكليزية" ينتسب عبدالله الجديع إلى قبيلة عنزة المعروفة بانتشارها في السعودية والعراق وسورية، ووُلد في البصرة سنة 1959. وترعرع في قرية تسمى"اليهودي"، مع أنها لا أثر فيها ليهودي، حيث كان يشتغل والده يوسف بن عيسى بن يعقوب اليعقوب العنزي بالزراعة. وتلقّى الدراسة الابتدائية في القرية نفسها، وتعلّم القرآن الكريم وحفظ منه طرفاً، وتعلم أحكام التجويد على يد شيخه الأول محمود بن فالح، والتحق في الثانية عشرة من عمره بالمدارس الشرعية المسماة ب "المعهد الإسلامي"في مدينة البصرة، وبقي فيه حتى تخرج منه سنة 1978. وفي هذا المعهد تعلم الجديع قاعدة العلوم الشرعية، وتلقّى العلوم على المنهج الأزهري القديم على يد مشايخ معروفين، من بينهم العلامة أبو عمر عادل بن كايد البصري، خصوصاً في علوم الحديث والعقائد والفرق. ومن أساتذته أستاذ العربية العلامة خليل بن عبدالحميد العقرب، والفقيه الشافعي عبدالكريم الحمداني، وابنه نزار الحمداني. ومن العلماء أيضاً خاله إبراهيم الفائز، والفقيه نجم الفهد، وغيرهم. واعتلى الجديع المنبر وهو ابن 16 عاماً، وعمل إماماً في مدينة الزبير لأكثر من عامين، قبل أن ينتقل إلى الكويت صيف 1978، وهناك بقي حتى 1993، وخلال هذه المرحلة نمت لديه العلوم الشرعية، وخرّج الفروع على الأصول. وعمل إماماً في وزارة الأوقاف وخارجها لنحو ثمانية أعوام، ومشرفاً على برامج السنّة النبوية في شركة"صخر"، أول جهة تصدر برامج السنة على الحاسب الآلي، وذلك لمدة أربعة أعوام. وأتم حفظ القرآن وجزء كبير من السنة النبوية أثناء مكوثه في الكويت، إلى جانب كتابة عدد كبير من الأبحاث، إضافة إلى أبحاث أخرى لم تنشر بعد. وفي بريطانيا أرض المهجر، اجتهد في إيجاد صيغة يبقى من خلالها في طريقه في البحث والتحقيق، فأنشأ مركزاً خاصاً به للبحث العلمي، وانضم إلى عضوية المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الذي يضم عدداً كبيراً من علماء الأمة، وشغل وظيفة الأمين العام للمجلس لمدة عامين، بعدها طلب إعفاءه منها للتخلص من الانشغال بعمل إداري. وترأّس اللجنة الفرعية للفتوى التابعة للمجلس، وكذلك المستشار الشرعي لمسجد مدينة ليدز الكبير، ويقدم الاستشارات في المجالات المالية الإسلامية لبعض الشركات. ورزق الجديع من زوجته الإنكليزية المسلمة بولدين هما محمد ويوسف.