لا تزال ذاكرة معلمات مغتربات تحمل حوادث لزميلاتهن، لا تقل ألماً عن يوم وقوعها، وتقول المعلمة جواهر سالم:"إلى متى سنبقى تحت رحمة هذه الظاهرة المخيفة والتي توقف كثيرات من دون الدخول في عالم المشاركة الفعلية في بناء جيل من المتعلمات"... وتتذكر قصص وفيات معلماتٍ على الطرقات، وتقول:"لا أزال أتذكر المعلمة نورة عبدالفتاح رجب، التي لقيت مصرعها وأصيبت معها معلمتان بعد تعرض السيارة التي كانت تقلهن لحادثةٍ مروريةٍ على طريق وادي المياه بالقرب من مدخل الصرار جنوبالنعيرية، وفي وقت الحادثة كانت المعلمات نائماتٍ بسبب تعب اليوم الدراسي إلى حين وصولهن إلى منزلهن، لكن الحادثة أيقظت معلمتين، فيما بقيت الثالثة نائمةًً في موٍت أبديٍ، والغريب في الحادثة أن يوم وفاة المعلمة هو اليوم الأول لها في المدرسة بعد نقلها من مدرسة في إحدى المناطق". وتتذكر المعلمة وفاء عبدالرحمن حادثة آلمتها بشدةٍ إذ تقول:"حين رأيت صورة الحافلة التي احترقت وفي داخلها خمس معلمات وسائقهن، ليلقوا حتفهن فيها، أصبت بألم شديد وتخيلت نفسي بجوارهن فيما نجت واحدة كانت حالتها في وضعٍ خطرٍ جداً". ولا تزال الحادثة تخيم على ذاكرة وفاء بينما تقول المعلمة سارة محمد:"لا أستطيع تحديد أي القصص أكثر تأثيراً في نفسي، إلا أنني أحمل إحصائية طويلة بحوادث متفرقة لا تزال هاجساً يؤرقني، ومنها وفاة سائق وإصابة خمس معلمات في حادثة تصادم في الرياض، وأخرى في الأرطاوية حين أصيبت أربع معلماتٍ إصاباتٍ خطيرةٍ، ووفاة معلمةٍ والسائق وإصابة ثمان معلماتٍ في حادثة حائل، وفاة وإصابة تسع معلمات على طريق أبها". وتضيف:"إصابة خمس معلماتٍ وطفلة كانت برفقة والدتها والسائق في حادثة الطائف، ومصرع معلمتين والسائق وإصابة ثلاث معلمات في حادثة خميس مشيط، موت أربع معلمات وسائقهن في حادثة عفيف، مصرع معلمة وطفلها في حادثة بيشة، وموت ست معلماتٍ وطفلين والسائق مع بداية النصف الثاني في خميس مشيط، ومصرع معلمةٍ في أول دوام لها في الشرقية". وتقول:"كل هذه الحوادث تضعنا أمام تساؤل كبير إلى متى؟ وما الحلول البديلة عن النقل لدى الوزارة؟ هل يمكن أن يتم توفير نقل بالطيران مثلاً للمعلمات؟ أم أن التدوير والنقل يجب أن يكون في صورة أسرع من الوضع الحالي حتى تأمن المعلمات على أنفسهن". أجنة مهددة انفجرت المعلمة زينب أحمد بالبكاء، حين أخبرتها الطبيبة أن"حياة طفلها المنتظر مهددةٌ، ويمكن ألا يرى النور"، بسبب الجهد البدني والعصبي الذي تبذله... الخبر"الصاعقة"جعل حالة زينب النفسية سيئةً للغاية، وهى حالةٌ تعانيها طوال طريق رحلتها إلى مدينة نجران في الجنوب، قاطعة أكثر من ألف كيلومتراً من محافظة الأحساء وصولاً إلى المدرسة التي تعمل فيها، وتقول:"رضيت بالاغتراب ومخاطر الطريق على أمل أن أنقل إلى الأحساء في مدة لا تتجاوز العامين، مضيفة:"خصوصاً أني أدرس مادة مرغوبة وهي اللغة الإنكليزية". وعلى رغم انقضاء العامين لم يتم نقلها، لتظل وسط دوامة من القلق والحزن، والخوف من الموت بعيداً من الأسرة. يجب عليها، كل يوم، أن تستيقظ في وقت مبكرٍ جداً، حتى تمضي مع بقية زميلاتها نحو هجرة تبعد من نجران 70 كيلومتراً، وسط طريقٍ تحفه المخاطر، وتقول:"في كل يومٍ أخرج فيه من السكن متجهةً إلى مقر عملي أقرأ آيات من القرآن الكريم، وأنطق الشهادتين لاحتمال عدم رجوعي إلى سكني مرةً أخرى... أعايش رعب الموت بصورةٍ يوميةٍ، لكن لقمة العيش تستوجب عليَّ الصبر والتحمل". وتصف الاغتراب بأنه"أهون وطئًا إذا ما قورن بتبعاته، والتي تزيد المعاناة علينا، فنحن كمعلمات نقع تحت رحمة الكفيل الذي يرافقنا وزوجته، ويقوم بواجبات توفير السكن لنا والمأكل والمشرب وحاجاتنا ووسيلةٍ تنقلنا من وإلى المدرسة، ويتقاضى 700 ريال عن كل معلمة، فضلاً عن إيجار المنزل الذي يكلفني أيضاً 500 ريال، ويتقاضى سائق الحافلة الذي يوصلنا إلى المدرسة 450 ريالاً، فضلاً عن فاتورة الكهرباء والماء، ليكون مجموع فاتورة الغربة والتعب أكثر من ثلاثة آلاف ريال، إضافةً إلى قيمة تذكرة الطيران، ومصاريف العلاج في المستشفيات، وهو ما يحول الراتب إلى سراب وسط هذه المعاناة". ويضطر زوج زينب إلى أخذ إجازة مدة يومين من عمله، ليذهب إلى زوجته ويطمأن عليها ويلتقيها بعد غياب شهر كامل، وهذا يتطلب مصاريف مضاعفة عليهما تبدأ من تذكرة الطيران التي تبلغ 800 ريال، إضافة إلى 400 ريال إيجار شقة، و70 ريالاً إيجار يومي لسيارة، ويقول:"حين أقرر قضاء يومين مع زوجتي يجب أن أصرف مرتبي كاملاً، حتى أتمكن من أن أمسح دمعة الفراق من عينيها، وهذا أمر يتعبنا كثيراً"، مضيفاً:"يهون كل ذلك أمام معاناة أخرى، يمكن أن أطلق عليها سوء تقدير من وزارة التعليم"، موضحاً بالقول:"تعرضت زوجتي أخيراً إلى حال إجهاد، بسبب العمل وهي في الشهر الثامن من حملها، وهو ما أصابها بولادة مبكرة، وكانت تحتاج إلى الراحة، إلا أن صعوبة أخذ إجازة مرضية باتت حجر عثرة في طريقنا، فحين قررنا أخذ ورقة الراحة من الوحدة الصحية في الإحساء، رفضوا ذلك بحجة أنها تابعة إلى وحدة نجران الصحية، ويجب أخذ الورقة من هناك وأعطونا إجازة يومين فقط، وهو أمر سيكلفنا وقتاً ومالاً حتى نذهب إلى نجران". ويقطع الزوج مع نهاية كل شهر مسافةً طويلةً للقاء ابنته وزوجته، إلا أن الأولى هي أكثر تأثراً بهذا الوضع، فالطفلة تعيش مدة عمل والدتها في المنزل بحسب قانون الكفيل، فلا تخرج أبداً، ويقول الزوج:"اضطررت لاستقدام خادمة ترافق زوجتي وابنتي، لكن الأمور تسوء فالخادمة والطفلة في سجن، فلا وجود لأماكن للتسوق أو الترفيه، وهو ما يجعل نفسية الطفلة والتي لم تتجاوز أربعة أعوام سيئة جداً". وتضيف المعلمة زينب:"على رغم تكراري لكلمة الخارج من المنزل مفقود والعائد إليه مولود، إلا أن طموحي في إثبات جدارتي في ميدان العمل يفرض عليَّ الصبر، ولكن إلى متى؟ ففي السابق كنت في مدرسة أهلية أتقاضى 1500 ريال على نظام استعبادي صِرْف، فلست معلمة فقط بل مستخدمة، ونبقى في الإجازات من دون مرتب وهو أمر متعب جداً".