فقدت فاطمة جنينها. أما هدى ففقدت 3 أجنة. ولكي تصل أمل إلى مقر عملها فإنها تقضي 18 ساعة في الطريق الوعر. صبيحة رأت دماء زميلتها تسيل على طريق، ثم تفارق الحياة. منى يهددها زوجها بالزواج عليها من أخرى. إنها بعض مآسي ومعاناة معلمات الغربة، التي ليست لها حدود أو أبعاد أو وصف، ترافقهن وهن يعملن خارج مناطقهن، تبدأ بنار الغربة والبعد عن الأهل والأبناء، ونار الخوف من زواج الأزواج، نتيجة الإهمال والتقصير, والابتعاد عن كيان الأسرة, وعدم الشعور بالاستقرار العائلي، ناهيك عن حوادث الطرق المميتة والخطرة.. فكم حادثا مريعا ذهب ضحيته معلمات لا حول لهن ولا قوة سوى الظروف للعمل خارج مناطقهن.فهل يكون العيب في المعلمة التي قبلت العمل في هذا الوضع على أمل النقل في القريب العاجل، أم العيب في الوزارة، التي لم تنظر لظروف هؤلاء المعلمات، وتريح نفسياتهن، لكي يعطين طالبات الوطن ما يحتجن له من علم ومعرفة (وفاقد الشيء لا يعطيه)، فكيف من فقد الأمان أن يعطي الأمان، وكيف لمن من فقدت الشعور باحتواء أطفالها، أن تحتوي أطفال الآخرين. (اليوم) رصدت معاناة ومطالب المعلمات المغتربات، اللاتي يتحملن أنواع الويلات والمآسي الكبيرة، لتطرحها على طاولة المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، لإيجاد علاج لمسلسل الآلام. فقدت جنيني تعمل فاطمة احمد الجنوبي معلمة في حفر الباطن منذ 8 سنوات, وطوال تلك الفترة تتحمل معاناة أسبوعية في الذهاب إلى موقع عملها.. وتقول: أقطع مسافة تستغرق أكثر من 5 ساعات متواصلة، إذا لم يكن هناك تأخير أو تعطيل. وتضيف فاطمة: بسبب المسافة البعيدة الأسبوعية فقدت جنيني الأول, وبعد سنوات من العناء والألم والتعب حملت وأنجبت.. وخلال الحمل الثالث تعرضت لآلام شديدة، حيث أكد الأطباء ان الجنين في حالة صحية غير جيدة، بسبب كثرة السفر، ولمسافات طويلة، فأخذت أتنقل بين مستشفى الولادة والأطفال بالدمام ومستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، طلبا للعلاج، حتى تم تنويمي لمدة شهر كامل في الرياض، لتغيير دم الجنين بالكامل، وهو مازال داخل بطني، مما اضطرني إلى أخذ إجازة استثنائية. حرمان من النقل وتذكر فاطمة الجنوبي ان المعلمة التي تأخذ إجازة استثنائية، ولو كانت طارئة، مثل حالتي، وبسبب النظام الموجود إداريا تنخفض نسبة المفاضلة إلى 60 بالمائة أثناء النقل، مما يؤدي إلى حرمان الكثير من المعلمات اللاتي لديهن ظروف خاصة من النقل إلى مناطقهن.. وتواصل فاطمة: تعرضت لعدة حوادث خلال هذه السنوات, بالإضافة للأعطال المتكررة في الطريق، حيث تتأخر الرحلة عدة ساعات في وسط الصحراء القاحلة، ولكن لطف الله كبير. أنا الوحيدة مضى على وجود فاطمة في هذه المدرسة أكثر من 3 سنوات، وتغير الطاقم التعليمي فيها 3 مرات, إلا ان فاطمة هي الوحيدة التي مازالت باقية فيها.. وتقول: نفسيتي متعبة جدا من هذا الأمر، وأكثر ما يشغل ذهني هو الدائم التفكير بابنتي، التي ترفضني لابتعادي عنها، وكذلك ابني الذي يحتاج بصورة مستمرة للعلاج، نتيجة الصعوبات الصحية التي تعرضت لها أثناء فترة الحمل. محتاجة للوظيفة سبب إصرار فاطمة على العمل أنها محتاجة جدا لعوائد الوظيفة، لمساعدة زوجها.. تقول: راتبه متدن جدا 2000 ريال، مع انه ملتزم بمساعدة أهله بعد وفاة والده, بالإضافة إلى إنني أساعد والدي، الذي لا يعمل، ولا أستطيع تركه، لأنه محتاج للمساعدة. وتواصل فاطمة: كثير من المعلمات اللاتي يعملن في حفر الباطن سيقدمن استقالتهن, والبعض سينتظر النقل بفارغ الصبر، مثل حالتي.. مؤكدة إن إدارة حفر الباطن تتشدد في الموافقة على أعذار المعلمة المريضة، وترفض أي عذر أو تقرير طبي من خارج مستشفيات محافظة حفر الباطن، مع انه من المعروف لدى أهل حفر الباطن ان المستشفيات الموجودة هناك لا توجد بها خدمات طبية جيدة. أما الهم الأكبر لفاطمة فهو شعور زوجها، الذي تصفه بأنه (مسكين).. تقول: انه يفتقد للراحة والسعادة، لابتعادي عنه. بالإضافة لغياب أبنائي، حيث لا أستطيع رؤيتهم سوى يومين في الأسبوع. السعودية الوحيدة تشرح هدى الخياط (معلمة) معاناتها بالقول: عملت في البداية في منطقة الرقعي، وهي تبعد حوالي 100 كيلو متر عن مدينة حفر الباطن، ولعل البعض يعرف هذا الطريق ومتاعبه، فلقد كنت أنا السعودية الوحيدة بين عدد من المعلمات المصريات، ممن يذهبن معي بواسطة الباص لهذه المدينة الحدودية. 3 مرات إجهاض من المآسي التي تعرضت لها هدى بسبب الذهاب والإياب على هذا الطريق الطويل والوعر الإجهاض.. تقول: كنت حاملاً في الشهر السادس، حيث ولد الجنين ميتا, ولم تقبل إدارة المدرسة إعطائي إجازة استثنائية، ومن ثم حملت وأجهضت في الشهر الثالث, ولقد طلبت إجازة من المديرة، بعدما نسقت مع المعلمات، ولكن الإدارة رفضت الطلب, وبعد 4 سنوات نقلت إلى مدينة حفر الباطن، ولكن تكررت معي حالة الإجهاض في الشهر الثالث، بعد ذلك حملت للمرة الرابعة، في هذا الأثناء توفي جدي، فتقدمت بطلب إجازة استثنائية لمدة شهر، بعد حصولي على تقرير طبي عن حالتي، ثم 6 اشهر أخرى استثنائية، لم أتحرك طوال هذه الفترة، بسبب المشاكل الصحية التي أعاني منها، نتيجة الإصابات السابقة، لتكرار حالات الإجهاض من مشقة السفر الأسبوعية لمدة طويلة. حائرة.. أرجوكم دلوني بعد ولادة هدى توفيت أمها، فأصيبت بحيرة كبيرة، لمن تترك الطفلة الصغيرة، وكذلك أخواتها وإخوانها الصغار، الذين لا يوجد لهم بعد الله غيرها، وقد أصبحوا أيتاما.. تقول: طالبت بإجازة أخرى, ولكن لم تتم الموافقة عليها، فأصبحت متأزمة جدا (ماذا افعل؟) لا أستطيع التخلي عن الوظيفة، لأنني بأمس الحاجة لها، بعد مرور أكثر من 8 سنوات من العمل في السلك التعليمي، وبعد التعب الشديد والمعاناة الدائمة والحوادث المتكررة، والأعطال التي أبقتني في بعض الأحيان ساعات طويلة في الحر والبرد القارص، بالإضافة للإصابة في العمود الفقري، من عناء التنقل، ولدي تقارير طبية تؤكد ذلك. أخيرا تتساءل هدى: هل يوجد حل لمشكلتي، أرجوكم دلوني؟ عمل في غير التخصص عينت أفراح الصفار معلمة قبل 3 سنوات، فنية مختبر في الوحدة الصحية التابعة لإدارة التربية والتعليم للبنات بحفر الباطن، ولكن بدون مختبر.. تقول: أعمل الآن ممرضة.. مؤكدة أن زوجها ذاق الأمرين من كثرة الطلب من الإدارة بنقلي، لعدم وجود مختبر، ولكن بدون جدوى، ثم تقدمت بطلب انتداب في منطقتي، لكي أكون قريبة من أهلي وزوجي، ولكن المدير الإداري في المختبر رفض ذلك، وأكد على القيام بتجهيز مختبر خلا ل أسبوع. وللأسف حتى اليوم لم يتحقق الوعد, وبصفة عامة فأنا وأخواتي المعلمات في الغربة نتعرض لمشاكل كبيرة، منها الحوادث ومعاناة الحمل، والتعرض لحالات الإجهاض. 18 ساعة في الطريق تعمل أمل سعيد معلمة في بيشة، منذ 6 سنوات، تشعر بالإرهاق والمشقة من السفر وطول المسافة.. تقول: الطريق عبر السيارة يحتاج إلى أكثر من 18 ساعة، أما عبر الطائرة فالذهاب يكون بالترانزيت عبر التوقف في الرياض، ثم ساعة وثلث الساعة إلى بيشة، هذا إذا لم يكن هناك تأخير في الوقت، مع أن وقت الطيران غالبا لا يلائم المعلمات المغتربات, وإذا أرادت المعلمة الاستئذان للسفر فلابد لها من التذلل والتوسل لمديرة المدرسة، لكي تلحق بالرحلات النهارية، وإلا ستضطر للانتظار إلى المساء، لتذهب إلى الرياض، وتنتظر هناك ساعات، ثم تقلع الطائرة إلى الدمام، حيث تصل الطائرة إلى الدمام فجر يوم الخميس وتمكث يوما واحدا ثم تبدأ بالاستعداد للعودة. ليس للمعلمة إلا التعب تصرف أمل راتبها على المواصلات والسكن.. تقول: ليس للمعلمة إلا التعب والغربة والنفسية السيئة والمشاكل الزوجية الكبيرة، فالبعد يجعل الحياة الزوجية على حافة الانهيار, وأنا أعاني بعد الزوج، وتشتت بناتي الأربع، بالإضافة لتعرض أغلب المعلمات المغتربات إلى الانتداب من مدرسة إلى أخرى، أو الإجبار على تدريس منهج معين آخر، بعيد عن تخصصها، رغم وجود معلمات من نفس التخصص. توفيت معلمة كانت صبيحة الجشي (معلمة في القصيم، منذ 7 سنوات) تأتي إلى المنطقة الشرقية كل أسبوع، خلال السنوات الثلاث الأولى من عملها، ثم كل 3 أسابيع.. تقول: كنت برفقة 8 معلمات، بالإضافة إلى محرم وزوجته، نذهب جميعا في سيارة سوبربان، التي تكون مزدحمة، وتستمر الرحلة 10 ساعات، هذا إذا لم تكن هناك أعطال، بعد ذلك تم الاتفاق مع شركة، وفي عام 1420 حدث لنا حادث أليم، حيث توفيت إحدى المعلمات، وتضررت بقية المعلمات بإصابات بالغة جدا، وما زالت الآثار موجودة حتى اليوم. زوجي يرافقني منذ حدوث الحادث المروري المفجع بدأت صبيحة السفر عبر الطائرة، من مطار الدمام إلى مطار بريدة، الذي يبعد عن مكان عملها 140 كيلومتراً حيث تسكن في البادية.. تقول: لم أجد في البداية من يرافقني إلى موقع عملي بالقصيم، حيث اسكن، مما اضطر زوجي إلى مرافقتي من مطار الدمام إلى مطار بريدة، ثم إلى السكن، وبعد ذلك يعود إلى المطار، وإلى المنطقة الشرقية, وعند العودة إلى المنطقة الشرقية يأتي زوجي إلى موقع سكني، ونعود معاً إلى المنطقة الشرقية. نقاط التفتيش ترفض معاناة صبيحة وزوجها دفعتها لإقناع عدد من المعلمات في القصيم لمساعدتها، إلا انه لا يوجد لديهن محرم، فاتفقت مع معلمات مصريات برفقة أزواجهن.. تقول: كنت ادفع لهم 200 ريال للذهاب و200 ريال للإياب، ولم اسلم من تحقيق نقاط التفتيش، ورفضهم ركوبي مع سائق أجنبي، حتى لو كان برفقة زوجته, وضرورة وجود محرم خاص معي، أو القيام بتقديم طلب نقل. صبيحة تتساءل: وهل موضوع النقل بيدي؟ أنا أقدم المغتربات تعتبر صبيحة أقدم معلمة مغتربة في القصيم، فهي تعمل هناك منذ 1418ه.. تقول: لم يشملني النقل منذ ذلك الحين, وأعاني بسبب ذلك آلاما ومعاناة كبيرتين، حيث يطلب مني زوجي إيجاد حل أو الاستقالة, وأوضاع بناتي النفسية سيئة، مما دفعني لأخذ ابنتي الكبيرة معي، وهذا أدى لتحسس الطفلة الصغيرة، التي بدأت تتعامل معي بطريقة غريبة، واضطررت لأخذها معي إلى المدرسة في قرية صغيرة, ولكن المديرة رفضت اصطحابي للطفلة. رغم إنني طلبت من الموجهات السماح بذلك، والآن اصطحب الطفل الأصغر أيضاً. زوجي يهددني بالطلاق وحول تأثر الأزواج بغياب الزوجة تقول صبيحة: لقد تحول زوجي من شخص هادئ، يحب الجلوس في المنزل، إلى شخص مدخن، عصبي، أصبح يهددني بالزواج علي من أخرى. وتحمل صبيحة وزارة التربية والتعليم المسؤولية في تدمير حياة المعلمة الأسرية والنفسية.. تقول: قرارات الوزارة كلها ضد المعلمة.. وتناشد وزير التربية والتعليم النظر في احتياجاتهن، وتقدير ظروفهن، والنظر بعين الرأفة والمسؤولية لحالهن. حرمان أفراد العائلة تعاني منى عطية (معلمة في حفر الباطن، منذ 6 سنوات) مثل بقية زميلاتها اللاتي يعملن خارج مناطقهن، من تهديد الزوج بالزواج عليها، أو الاستقالة، كما تعاني من ترك أطفالها لمدة أسبوع، أو أسبوعين.. تقول: في هذا حرمان للأم من أطفالها، وحرمان الأطفال من حنان أمهم, والذهاب والإياب فيها مشقة كبيرة على النساء. وحول تعامل أصحاب مكاتب السفريات تقول منى: تتعامل المكاتب بطريقة جيدة، وتقدر ظروف المعلمات, وتسعى لإيصال المعلمات إلى موقع سكنهن وعملهن سالمات. وتتساءل منى: من يحمي أبناءنا من الضياع؟ وأزواجنا من الزواج من أخريات؟ أليس من حقنا أن نعيش بالقرب من عوائلنا، ونعيش في وضع مستقر؟ إلى متى تبقى المعلمة المغتربة تعاني من هذه الظروف القاسية والضغوط النفسية، فإذا سلمنا ان الحوادث وكوارث الطرق قضاء وقدر. فيبقى تهديد الأزواج بالزواج (وهذا حقهم الشرعي)، وتأثر الأطفال من بعد الأم عنهم، من يضع حدا لهذه المآسي والمعاناه ومن ينهيها؟ الوزارة بنقل المعلمة إلى منطقتها؟ أم المعلمة بالاستقالة؟ فرحة الوصول كما تظهر على الأطفال الذهاب والإياب مشقة على المعلمات