ألزمت أنظمة القضاء الجهات القضائية باستخلاص المبادئ القضائية وفهرستها ونشرها، بحيث يسهل الرجوع إليها لمن يحتاجها، فقد جاء في المادة ال 89 من نظام القضاء ما نصه"تشكل في وزارة العدل إدارة فنية للبحوث تؤلف بقرار من وزير العدل من عدد كاف من الأعضاء لا يقل مؤهل أي منهم عن شهادة كلية الشريعة، ويجوز أن يختاروا عن طريق الندب من القضاة، وتتولى هذه الإدارة المسائل الآتية: استخلاص المبادئ التي تقررها محكمة التمييز في ما تصدره من أحكام أو المبادئ التي يقررها مجلس القضاء الأعلى وتبويبها وفهرستها، بحيث يسهل الرجوع إليها"، كما نصت المادة ال 47 من نظام ديوان المظالم على ما يأتي:"يرفع رئيس الديوان في نهاية كل عام إلى الملك تقريراً شاملاً عن أعمال الديوان متضمناً ملاحظاته ومقترحاته، كما يقوم في نهاية كل عام بتصنيف الأحكام التي أصدرتها دوائر الديوان ومن ثم طبعها ونشرها في مجموعات، ويرفق نسخة منها مع التقرير". ومع وضوح هذين النصين وصراحتهما، ومع أن نظام القضاء صدر في عام 1395ه، ونظام ديوان المظالم صدر في عام 1402ه، إلا انه لم يتم تفعيل المواد المتعلقة بوضع المبادئ ونشرها، فلم تقم أي من الجهتين بإصدار أية مبادئ قضائية أو أحكام منشورة، حتى صدر قرار مجلس الوزراء في عام 1423ه، القاضي بنشر الأحكام النهائية المختارة. وصدرت بعد ذلك تصريحات من وزير العدل ورئيس ديوان المظالم بأنه سيتم إصدار مدونة بالأحكام القضائية تنفيذاً لهذا القرار، وكأن النظام السابق لا يحتاج إلى تنفيذ! مع أن هذا القرار لا يعدو كونه قراراً كاشفاً لما نص عليه النظام، وليس قراراً منشئاً لحكم جديد، ومع وجود تلك التصريحات، إلا أنه لم يتم إصدار أي شيء من ذلك حتى مطلع العام الحالي، إذ وجدت طريقها إلى النور أولى تلك الإصدارات، فقد طبعت وزارة العدل الإصدار الأول من مدونة الأحكام القضائية، وقد اتضح ما بذلته اللجنة التي قامت بإعداده من جهد، فقد جاءت المدونة جيدة بشكل عام، إلا أنه يؤخذ عليها قلة الأحكام التي جاءت فيها، فمع وجود فريق من تسعة أشخاص ما بين مشرفين ولجنة علمية وفريق علمي عملوا لأكثر من سنة، إلا أن الأحكام المنشورة لم تتجاوز 50 حكماً، وهو عدد قليل جداً بالمقارنة بما يراد من أجله إصدار تلك المدونات، كما يؤخذ على هذه المدونة أن الفريق المعد ذكر في المقدمة أنه يعتمد في النشر على قرارات مجلس القضاء وعلى الأحكام القطعية، ومن ضمنها الأحكام التي اكتسبت القطعية لقناعة أطرافها بالحكم. والحقيقة أن مثل تلك الأحكام لا يصح أن توصف بالمبادئ القضائية، وليست مناسبة للاختيار من ضمن الأحكام التي تنشر، إذ إن تلك الأحكام لم يتم فحصها وتمحيصها، فهي إذاً عرضة للنقض عند عرضها على قضاء التمييز. أما ديوان المظالم فإن لديه لجنة تعكف الآن على استخلاص المبادئ القضائية لإدارات التدقيق الإداري ونشرها، ونتمنى أن ترى تلك المبادئ النور قريباً، إذ إنه لن تكون هناك مبادئ قضائية مستقرة ما لم يكن هناك تدوين للمبادئ، وعلى افتراض وجود تلك المبادئ فإنه تصعب معرفتها من القاضي أو المحامي، وذلك لعدم طبعها ونشرها، ولا يخفى ما في ذلك من تضييع لجهد القاضي والمحامي، إذ لو كانت تلك المبادئ موجودة وفي المتناول، لتمت مراعاة ذلك من قضاة الدرجة الأولى، ولتم تلافي كثير من نقض الأحكام التي تأخذ إعادة النظر فيها وقتاً طويلاً كان بالإمكان عدم إهداره، مع أنه ربما يلتمس العذر لتلك الجهات القضائية في تأخرها بإصدار المبادئ لكثرة العمل لديها، ولعدم وجود عدد كاف من القضاة لتولي الفصل في القضايا، فضلاً عن إعداد المبادئ، لذلك فإنني اقترح أن يتم فتح المجال لمن أراد من القضاة أو المحامين والباحثين لاستخلاص المبادئ وتبويبها ونشرها لحسابه الخاص، كما هو الحال في كثير من الدول، ففي ذلك اختصار للوقت ومساعدة للجهات القضائية في رفع بعض الحمل الملقى على عاتقها. لقد جاء في مشروعي نظام القضاء ونظام ديوان المظالم المتوقع صدورهما قريباً، النص كذلك على نشر المبادئ، وقد تم توضيح الآلية بشكل أكبر في تلك الأنظمة، على أمل أن يتم التعجيل في إصدار تلك المبادئ، ولقد كنت أتمنى أن يؤكد النص في النظام على إنشاء دائرة لتوحيد المبادئ عند اختلاف دوائر النقض في ما بينها، وهو أمر حتمي الوقوع، مع أن الحاجة لذلك ستكون خطوة تالية لنشر المبادئ التي نتمنى أن يتيسر لكل محتاج لها الحصول عليها، وأن تكون من الشمول بحيث تحقق الغرض من إصدارها. أكاديمي في جامعة الملك سعود [email protected]