سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رئيس تحرير صحيفة "الإتحاد" الإماراتية يعتبر الصحافة الخليجية الأقوى عربياً "بلا منازع" ... وأن الشباب الخليجي مليء ب "الفجوات" . راشد العريمي ل "الحياة": الجماعات الإسلامية ولاءاتها عابرة للحدود وليست لمصلحة الدولة الوطنية !
الشباب الخليجي أهل للثقة، ومتى مُنح الفرصة فسنرى كل الابداع.. راشد العريمي شاب اماراتي ركض كثيراً واختصر الاتجاهات، وها هو الآن يطل علينا من اكثر من شرفة.. من شرفة صحيفة"الاتحاد"حيث نراه يمنح الصحافة الخليجية بعداً فكرياً جديداً يسمح بمناخات واتجاهات تطرقها الصحافة الخليجية للمرة الأولى.. ومن شرفة جائزة الشيخ زايد يفتح للأفق العربي سماء الإبداع والإنجاز.. يمنح الفكر ما يستحق ويُلبس الباحث والعالم أجمل الحلل.. في مكتب راشد كان كل شيء يتكلم بصمت.. حتى هو نفسه يملك تعابير تغني عن كل مقالة أو حديث.. هدوؤه مستفز أحياناً وتواريه عن المشهد يستفزك كثيراً.. يملك كل شيء لكنه يكره الظهور والإعلام.. هو رومانسي حالم لكنه واقعي ويبحث عن حل هنا أو هناك.. متشائم لدرجة التفاؤل ومتفائل لدرجة التشاؤم.. عاشق للخليج وعاتب على العروبة ومنتقد لأميركا وعجرفتها.. محب للحرية البيضاء ومنفتح على الثقافات والآخر بشكل يمنح التكامل لكل الأطياف.. أجمل ما خرجت به من حديثي معه هو تلمّس الصراع الذي يكتنفه ويجعل فتيله متقداً.. وهذه هي رسالته لنفعل أي شيء ولا نجلس ننتظر أي شيء من آخرين! راشد العريمي في حديثنا معه... كل الرشد والصلاح والريادة... دراستك هل منحتك مهارة التعامل مع وظائفك... أم اضطررت إلى تغيير البوصلة؟ - أعتقد أن أكثر ما يستفيده من درس إدارة الأعمال هو الميل إلى العمل الجماعي المتعاون بمنطق الفريق، وفهم نفسيات البشر من مختلف التوجهات، وملاحظة مهاراتهم، والسعي من ثمَّ لتوظيف هذه المهارات بطريقة مناسبة تخدم العمل. هذا طبعاً مع مراعاة الاختلافات والظروف والفروق في المهارات والمحددات الشخصية، من إنسان لآخر. أيهما يحصل على نصيب الأسد من اهتمامات راشد العريمي، البحث العلمي أم المجال الإعلامي؟ - على رغم أنني درستُ مناهج البحث، إلا أنه قد لا يكون مناسباً اعتباري مشتغلاً بالبحث العلمي. فأنا لستُ باحثاً. هذا إن كان المقصود بعبارة"باحث"التفرغ للبحث العلمي. أما دراستي لهذا المجال فقد أسهمتْ في سعيي لتجاوز الركون إلى أبسط أو أسرع التفسيرات للظواهر والوقائع التي قد تعنُّ أمامي فجأة، في مواقف العمل، أو حتى في مواقف الحياة اليومية العادية. المشهد الإماراتي والشباب النشاط الإماراتي... لماذا هو الأكثر ضجيجاً في الخليج؟ - مع تحفظي على ما قد يُفهم من معانٍ سلبية لكلمة"ضجيج"، فإنه مما لاشك فيه أن هنالك حراكاً واسعاً في المشهد الإماراتي عموماً، سواء على صعيد اقتصادي أو ثقافي. ومع وجود كل هذه التحولات في الإمارات فمن الطبيعي أن تترافق مع ذلك حال من الحضور الإعلامي القوي، فالأقلام والكاميرات تلاحق عادة التجارب الناجحة، والدول التي تعرف مشاريع تحول واعدة، تماماً كما تلاحق في المقابل بؤر الصراعات والتجاذبات. ومن هنا يمكن فهم سر الجاذبية القوية للمشهد الإماراتي وتركيز وسائل الإعلام عليه، ربما أكثر من مشاهد أخرى كتلك التي أشرت إليها. القيادة السياسية في الإمارات آمنت بالشباب كما لم تؤمن بهم أية قيادة أخرى... لماذا؟ - الشباب هم الرهان الحقيقي في أي مشروع تنموي مستنير، والتركيز عليهم والاستثمار فيهم استثمار في المستقبل، وهذا دليل على بُعد نظر القيادة في الإمارات. فما تحقق على هذه الأرض ليس محض صدفة، وإنما هو نتيجة لتراكم هائل من الجهد المنسق، والخطط المدروسة. والرهان، غير المحدود، على العنصر البشري الإماراتي، خصوصاً فئة الشباب منه، وهو إحدى مقدمات ذلك النجاح، ومظهر من مظاهر السياسات التي أدت بالإمارات إلى ما وصلته الآن من مكانة. كيف تقرأ التنافس بين أبوظبي ودبي..؟ وهل هناك منافسة على العالمية بينهما؟ - بالمختصر المفيد: ليس هنالك تنافس بين أبوظبي ودبي، بل إنَّ بينهما تكاملاً، من قبيل ما يقع عادة بين أي مدينتين في دولة واحدة، وإذا كان ثمة تنافس حميد مثلاً في مجالات التنمية، مما يقع عادة في أكثر حالات التنمية صحيةً وجدية، فلا يجوز أن يعني ذلك الإحالة إلى أي من المعاني السلبية لكلمة"منافسة". والسباق نحو العالمية الذي أشرت إليه سباق مفتوح، كما يعلم الجميع، وطريقه معروفة، ولا يعني بالضرورة سيرُك على هذا الطريق أنك تُلغي غيرك، أو بالأحرى في هذه الحال، أن تلغي نفسك. الحساسية العربية مع الآخر الصبغة الثقافية لمدينة أبوظبي... هل ستمنح ثقافتنا أجواء ومنطلقات جديدة؟ - من عوارض الحساسية العربية تجاه كل ما هو آخر أن تثار أسئلة حول"خطر"يتهدد الخصوصية الثقافية والاجتماعية العربية في جميع حالات الالتقاء المهمة مع ذلك الآخر. هذا مع أن الانفتاح على الآخر لا يعني بالضرورة نشوب صراع أو تناقض رئيسي أو ثانوي معه، أو مع الذات. وفي حال أبوظبي وما تشهده من إطلاق مشاريع ثقافية عملاقة وذات أفق عربي شامل، ليس خافياً أنها تقوم بذلك من باب القيام ب"فرض العين"محلياً و"فرض الكفاية"عربياً. فهي إذ تثري المشهد الثقافي الإماراتي الداخلي، وتضع ركائز قوية لتنمية بشرية متوازية، في الوقت نفسه تستجيب لتحدٍّ عربي كان لابد من أن يتصدَّى له طرف مؤثر. أعني تحدي النهوض بالمشهد الثقافي العربي، في مجمله، والدفع به قدُماً إلى آفاق مستقبلية أرحب، لكي يتجاوز تقوقعه وركوده وجموده واختناقاته الكثيرة الحالية، التي أثرت بشكل سلبي في مختلف مشاريع التنمية الإنسانية، واستطراداً الاقتصادية، في المنطقة. المشهد الثقافي العالمي يجد له الآن مكاناً في أبوظبي... هل من خوف على ذوبان المشهد الشرقي العربي في ظل التنافس الثقافي العالمي؟ - لا خوف مطلقاً على الهوية الثقافية العربية من الانفتاح على الثقافة العالمية، فنحن جميعاً أبناء حضارة معاصرة واحدة، وإن كنا أبناء ثقافات مختلفة. ثمة تعدد ثقافي داخل الوحدة الإنسانية. مثلاً في مجال التلقي الإعلامي، نحن جميعاً نرى الخبر نفسه، ولكنّ كلاً منا يتلقاه بلغته، ومن منظوره الخاص. من دون أن ينفي هذا أن للخبر نفسه حقيقة موضوعية تبقى هي الثابتة، في حين تتغير الصياغات الثقافية لهذه الحقيقة. وما دامت خطوط الفصل والوصل بين مختلف الثقافات العالمية في لحظتنا العولمية الراهنة، في النهاية، خطوطاً ذهنية تصورية، فإن من شأن المزيد من التلاقح بين المشهدين الثقافيين العربي والعالمي أن يخدم ثقافتنا العربية تحديداً ويرسخ حضورها في المشهد العالمي. بقي أن أؤكد أن المشهد الثقافي العربي يجد له نصيب الأسد أيضاً في تطلعات أبوظبي وخططها، فإلى جانب المشاريع الثقافية ذات الأبعاد العالمية، هنالك مشاريع عربية خالصة، لعلها هي الأبرز، والأبلغ تأثيراً بكثير. هل هناك مفاجآت تُخبِّئها أبوظبي في سلة مشاريعها القادمة؟ - ما أستطيع قوله هو أن مشاريع أبوظبي الثقافية لا تنتهي، وأفق طموحاتها التنموية ليس له سقف قريب. ولديَّ انطباع عام بأن القادم في الطريق من المشاريع الثقافية أكثر. فهنا إرادة لا ينقصها الطموح، ومتخذ قرار مستنير وعاقد العزم على الدفع بالعمل الثقافي، كغيره من جوانب العمل العام المختلفة، إلى آفاق من الريادة والجدية لا حدود لها. هذا إضافة إلى وجود الظروف الموضوعية المهيِّئة أصلاً لنجاح أي مشروع ثقافي طموح. نحن لاننافس نوبل هل تتوقعون أن تنافس جائزة الشيخ زايد جائزة نوبل في الآليات والأهداف؟ - جائزة نوبل لا تمثل بالنسبة لنا هاجساً. اتجاهنا واضح، ووجهتنا واضحة أيضاً. نحن نهدف لتغيير الواقع الثقافي العربي، ومنافسة الجوائز العالمية الأجنبية، ليست من ضمن أجندتنا وهي آخر ما نفكر فيه. ينظر البعض إلى أنه لا جديد في الجائزة إلا مبلغها فقط؟ - الجديد في الجائزة هو تنوعها وشمولها ل9 فروع، كما أن استحداث جائزة مخصصة لأدب الطفل، إضافة لا تخطئها عين الملاحظ الموضوعي. أضف إلى ذلك جائزة التوزيع والنشر، وشمول الجائزة لمجال الترجمة الذي أرى أننا كعرب أهملناه كثيراً، في حين كان علينا إعطاءه كل اهتمام، لما يفتحه أمامنا من فرص انفتاح على العالم من حولنا بمعارفه وتياراته واتجاهاته المختلفة. وعلى ذكر مبلغ الجائزة أود في هذا المقام التأكيد على أن هذه الجائزة تكتسب قيمتها الحقيقية من صدقيتها ونزاهة اختياراتها، وليس من حجم المبلغ السخي المرصود لها وحده. وارتباطها باسم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، وما يرمز إليه من قيم وطنية وقومية وإنسانية راقية، لاشك أنه حاضر في هذا الإقبال الشديد على الجائزة. المفكر العربي و العالمية من يقف في طريق تحليق المفكر العربي في سماء العالمية؟ - ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال، ليس لأنه لا يوجد من يقف أمام الفكر والمفكر في محيطنا العربي، وإنما لكثرة من يقف، أو بالأحرى ما يقف. تخيلْ معي حجم صعوبة مهمة المفكر العربي، إذا عرفنا معاً هامش الحرية المحدود جداً في كثير من بلادنا العربية، مضافاً إليه نسب أمية مرتفعة، ومصاعب الواقع المعاش التي تزداد مع إشراقة كل شمس. ولكن كل هذه العوائق ليس بالضرورة أن تحد من عطاء المفكر الحقيقي، الجدير بهذه الصفة. فمن طبيعة المفكر -والمثقف والمبدع - أن يكون قادراً على تجاوز كل العقبات والعتبات والمصاعب، اعتماداً على أفكاره الخلاقة، وسجاياه الشخصية الكفاحية الملتزمة، بالقيمة والفكرة خطوات المنظومة الإعلامية في أبوظبي تبدو وكأنها وثبٌ عالٍ لجواد ماهر... ما مقومات هذه اللياقة الملحوظة؟ - ما تحققه مسيرة العمل الإعلامي في أبوظبي من وثبات هو نتيجة وانعكاس لوجود قرار قوي يدعم المنظومة الإعلامية نفسها. فهنالك إرادة تدفع باتجاه تطوير وتحديث الأطر والقيم الإعلامية في الإمارة، وثمة مجتمع منفتح يستطيع توفير حواضن لأية وثبة في العمل الإعلامي، وهنالك الكادر البشري، ووعي المتلقين المُحفِّز. الشفافية والصدقية في الخبر الصحفي... ما مدى تأثيرهما للحفاظ على هيبة المطبوعة؟ - الشفافية والصدقية هما الرئتان اللتان يتنفس بهما العمل الإعلامي، مطبوعةً كان أو بثاً مرئياً أو مسموعاً. فإذا كانت ثمة صدقية في الجهة المنتجة للخبر يتقبله المتلقي بناءً على رصيد الثقة في تلك الجهة الإخبارية التي بثته. أما إذا كانت الثقة مهزوزة في جهة البث فإن المتلقي يتعامل مع الخبر بالقدر اللازم من الحذر، وهذا متعارف عليه بين المشتغلين في الميدان الإعلامي. الكلمة المقروءة، والطرح المرئي... من يصل أولاً إلى مدرجات المتلقي العربي؟ - ليس هنالك تناقض ولا تنافس بين الإعلامين المرئي والمقروء. فلكل جمهوره، وتخصصه، وصيغة عمله. ما أهمية كفالة الحرية الصحفية بالنسبة لتنمية البلاد، والتقدم الفكري للمجتمع؟ - لا يكاد يختلف اثنان على أهمية حرية التعبير، عن طريق وسائل الاتصال والإعلام المختلفة، كرافعة من رافعات أي مشروع تنموي هادف ومتبصِّر. فالحرية عموماً تدفع للنقد البناء الذي يبصِّر المجتمع بنقاط قوته ونقاط ضعفه. وتكاد العلاقة بين الأمرين تكون علاقة طردية، فبقدر ما تتم كفالة حرية الصحافة والتعبير، بقدر ما تتهيأ ظروف التنمية وشروطها. وتجارب الدول الصناعية المتقدمة، التي هي في الوقت نفسه ديموقراطيات راسخة وعريقة، تكفي دليلاً على صحة هذا الطرح. ماذا تحمل صحيفة"الاتحاد"في حقيبة اهتماماتها المحلية والعربية؟ وهل ستنفرد من بين زميلاتها الصحف بشيء؟ - صحيفة"الاتحاد"التي احتفلت قبل أيام بالذكرى ال38 لصدور عددها الأول، تحولت مع مرور الوقت إلى إيقونة ورمز من رموز إعلام دولة الإمارات العربية المتحدة. وأجندة الصحيفة المحلية واضحة جداً، وهي تعزيز قيم الاتحاد، والإسهام إعلامياً في التنمية البشرية، وفي تكوين العنصر البشري الإماراتي، وقد تخرجت من هذه الصحيفة الرائدة أجيال من القيادات الإعلامية المواطنة لا تخلو منها الآن قاعات تحرير أية مطبوعة إماراتية. وأما أجندتها العربية فهي الإسهام في عملية تحديث العقل العربي. وفي ما يتعلق بالانفراد على مستوى الصحف العربية، ربما يكون من الأنسب أن نترك ما هو مقبل من أيام يجيب على ذلك، وكل ما أستطيع قوله الآن، هو أن"الاتحاد"تحمل طموحاً كبيراً للتميز، وذلك لقناعتها بأنها تتوجه إلى قارئ لا يرضى بغير التميز. وجعبة الصحيفة المستقبلية لا تخلو من مشاريع تجديدية طموحة، ولديها جميع الإمكانات البشرية والمادية التي تؤهلها لأن تنظر حتى نهاية الأفق البعيد محلياً وعربياً. "الاتحاد"صحيفة منفتحة هل صحيفة"الاتحاد"محطة الأقلام المهاجرة أو المبعدة من صحف بلادها؟ -"الاتحاد"صحيفة منفتحة على جميع التيارات الفكرية والسياسية والإعلامية الموجودة على الساحة العربية. وما نبحث عنه لدى الكاتب عادة - حتى نستكتبه - هو المادة المتوازنة الموضوعية، المبنية على صدقية، بعيداً عن الإسفاف والابتذال الرخيص. ووقوفاً عند قولك إن بعض من يكتبون في"الاتحاد"ربما لا يجدون منبراً مماثلاً في بلادهم، فأنا أقترح عليك تقليب المسألة على جانبها الآخر، وهو أنهم ربما يجدون هناك أكثر من منبر للكتابة، ولكنهم يؤثرون على ذلك التحليق في أفق أرحب، والاستفادة من فرص انتشار أوسع، ويرون أن"الاتحاد"توفر هذا وذاك، أكثر مما يوفره ما هو متاح في بلادهم. بنظرة الناقد، امنحنا قراءة سريعة للصحف الخليجية.. - لا شك أن المشهد الصحافي الخليجي متطور، وشهدت الصحافة في دول الخليج خلال ال30 عاماً الأخيرة قفزات كمية ونوعية غير مسبوقة، ربما يكون الحكم عليها في هذه العجالة تقليلاً من قيمتها. وأزعم أن الصحافة الخليجية عموماً هي الأقوى عربياً بلا منازع. والدليل النوع وحجم الانتشار، وسقوف الحرية العالية جداً، وقدرتها على استقطاب أقوى الأقلام العربية من الخليج إلى المحيط. ولا أريد الدخول في توصيف الحالات الخليجية بالتحديد وبأسماء الدول، أو إظهار ملامح كل منها، أو الخوض في التفاصيل والجزئيات، ولكن الحالة العامة هي هذه. فالصحافة الخليجية متقدمة بأشواط على نظيرتها العربية، ولا شيء ينقصها من جهة الوسائل المادية لكي تقارن مع الصحافة العالمية. الكاتب السعودي، كيف ترى مستوى أدائه.؟ وماذا يزعجك منه؟ - أقل ما يمكنني قوله هو إن الكاتب السعودي حقاً كاتب مُبهر. نفاجأ يومياً بمستوى الأقلام السعودية وبالتقدم الكبير في مستوى حرفية ونوعية كتابات بعض الزملاء والكُتاب السعوديين. ومن خلال بعض الأقلام خاصة التي أعتبر نفسي -بحكم العمل- قارئاً وفياً لها، أستطيع القول إنه لا شيء يزعج في الأقلام المميزة والجادة، والتي تحمل الهم العام بصدق. المجلات الأجنبية باللغة العربية... إضافة أم مجرد استثمار فقط؟ - لا تعجبني أبداً، بل تزعجني تلك اللغة الهجينة الغريبة التي تصدر بها تلك المطبوعات. وإذا كان لكل لغة إيقاع وطريقة في التفكير، فإن إيقاع تلك المطبوعات - وقطعاً طريقة تفكيرها - غير عربيين، من الألف إلى الياء. إنهم يستنبطون أو يستوْلدون لغة فيها من الركاكة والعُجمة الكثير، والقارئ العربي ليس مضطراً لفك شفرة اللغة التي يستعملونها في مطبوعاتهم. كثرة المطبوعات الصادرة من الإمارات... ألا تجعل الغث أكثر من السمين؟ - من حيث المبدأ كثرة المطبوعات يفترض أنها إضافة للمشهد الإعلامي الإماراتي، والقارئ هو الذي يحدد في النهاية ما يفيده. وكأي موقف مشابه آخر في الحياة فالزبد يذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث ويبقى. القنوات الفضائية تنافس المجلات في الصدور والعدد... أليست حرية الإمارات هي السبب؟ - شخصياً لستُ ضد الكثرة والكم في جهات العمل الإعلامي، لكن بشرط ألا يكون ذلك على حساب مستوى الجدية والنوع. وعندما تتوافر الظروف المناسبة للعمل والإنتاج في المجال الإعلامي كما هي الحال في الإمارات، يكون من الطبيعي جداً أن تحدث طفرة كمية، لكنْ من حسنات هذا الانفتاح الكثيرة أنه يجعل المتلقي غير ملزم بتاتاً بما يراه فاشلاً، لأن الخيارات كثيرة أمامه. وهنا يتحول المتلقي نفسه إلى حكم وخصم لكل وسائل الإعلام الفاشلة، فيقع ما يشبه الانتخاب الطبيعي ويُكتب البقاء للأصلح والأنجح. بروز الأجنبي وبكثافة في السوق الإماراتية... ألا يجعل ابن البلد يخسر فرصة المنافسة؟ - على العكس، هذا البروز الذي تحدثت عنه للحضور الأجنبي... لماذا لا يكون دافعاً قوياً لابن البلد لكي يبذل جهداً أكبر للمنافسة؟ إن الظروف المواتية، والحلول السهلة، ليست كافية وحدها لخلق مجتمع ناجح وجيد. الوحدة الخليجية... صعبة الوحدة الخليجية... لماذا تزداد صعوبةً على رغم كل التجانسات والدم الواحد؟ - هذا هو غير المفهوم حقاً. ولعلنا لا نظلم مسيرة العمل الخليجي المشترك، وحجم المُنجز خلال أكثر من ربع قرن، إذا قلنا إنها دون التطلعات بكثير. أنا لا أتردد أبداً في الانضمام إليك في طرح هذا السؤال. يتلمس البعض موقفاً حاداً منك تجاه السياسة الأميركية في المنطقة... هل تكره أميركا كثيراً؟ - سياسة أميركا في المنطقة متخبطة، ومليئة بالتناقضات والتعارضات الذاتية. لقد أدمنت واشنطن ما يسمى ب"سياسات تعزيز الفشل"في المنطقة، وهي السياسات ذاتها التي سماها المحافظون الجدد مرة بالشرق الأوسط الجديد، ومرة أخرى ب"الفوضى الخلاقة". وسئمت المنطقة بما فيه الكفاية من استراتيجية أميركا القائمة على المحاولة والخطأ، والفك والتركيب، وبطريقة فجة، في غاية الفجاجة. ويبقى أن أقول لك - بصراحة - إن في الحديث عن الحب والكراهية لأميركا، ومن موقع شخصي، جرعة من التبسيط. فالمسألة أعْقد من هذا بكثير. أنا لا أكره أميركا، بل أكره بعض سياساتها، خصوصاً ما يمس منطقتنا، ويحولها إلى هلال من الأزمات والحرائق المتزامنة. إلى متى تظل المنطقة العربية تحديداً حالة استثناء واستعصاء مستفحلة على أي إصلاح سياسي أو أية تجربة ديموقراطية؟ - ستبقى المنطقة العربية بعيداً عن تيارات الإصلاح والتحديث حتى تتقلص نسب الأمية، وترتفع مؤشرات الوعي، ويترسخ مجتمع المعرفة، وتتوافر للديموقراطية والإصلاح شروطهما الإنسانية والتاريخية، والاقتصادية أيضاً. نحن وإسرائيل والظلام علاقتنا مع إسرائيل في الظلام أكثر من النور... وهذا يجعلنا الأضعف ونصل متأخرين دائماً؟ - إسرائيل كيان معتدٍ، ما في ذلك شك، ولكن الواقع العربي المهزوز هو ما جعلها كذلك، وضمن لها الأجواء المناسبة للعب دور المعتدي المعربد. إسرائيل في نظري ليست كل المشكلة، بل هي مجرد مظهر من مظاهر المشكلة الحقيقية، وأعني تأزم الحالة العربية وتضعضعها وعدم تماسك موقفها. نحن في حرب حقيقية مع تحدي التنمية، مع التخلف، مع انقسام الموقف. علينا أن نبحث عن الحل في البيت العربي أولاً، بصناعة واقع عربي مختلف غير متخلف، وبعد ذلك يكون أمر رد عدوانية إسرائيل محسوماً سلفاً. لماذا تفرض على المنطقة أجندة إصلاح معينة للكل من دون أن تراعي خصوصية كل طرف؟ - هذا الكلام كان قبل سنوات، وجميع من تحدثوا تلك اللغة السقيمة في عواصم الدول العظمى طوَوْا أشرعة أحلام اليقظة التي تقمصتهم، لظروف وملابسات، ليس هذا مجال التفصيل فيها. لقد تكيفوا الآن مع ظروف المنطقة ونسوا ما كانوا يثرثرون به. لأن الوصفات الجاهزة للديموقراطية، هي وصفات مؤكدة للفشل. ليست هنالك أجندة ديمقراطية قابلة للتصدير من دولة إلى أخرى. هذه مصادرة تتنافى مع أبسط أبجديات المنطق الديموقراطي نفسه. لكل دولة ولكل مجتمع مساره المناسب، وخياره الخاص. وأحياناً شديد الخصوصية. المشاركة الشعبية ضرورية المشاركة الشعبية في السلطة... هل تجد المناخ والتضاريس اللازمين لإنجاحها؟ - المشاركة الشعبية ضرورية، لاسيما في عصرنا هذا، بعد أن أصبحت توجهاً عالمياً، وخياراً تنموياً، في الوقت نفسه. نحن في دول الخليج نتوافر على ظروف مناسبة للانفتاح والمشاركة، بحكم ما ننعم به من استقرار، وولاء بين الشعوب والحكومات. لذا تبدو المشاركة الشعبية مهمة بالنسبة لنا، لأنها تزيد توطيد حالة الاستقرار، وتدعم الحكومات الشرعية القائمة، وتضيف إلى رصيدها الشعبي والوطني. هل توجد برامج سياسية ناجحة لاحتواء الشباب الخليجي؟ - هنالك فجوة كبيرة بين الواقع والطموح في مجال تأهيل الشباب الخليجي سياسياً، واحتوائه ضمن مشروع وطني واضح ومستنير. والخطير في هذه الفجوة هو ما يفتحه الواقع العالمي اليوم أمام هذا الشباب من فرص تنفيس وتوظيف غير مرغوبة، وأحياناً خطيرة. لماذا المجتمع الخليجي لا يهتم بالسياسة كثيراً... هل هو رضا منه عن قياداته أم أن هناك أشياء أهم؟ - من قال إن المجتمع الخليجي لا يهتم بالسياسة؟ نعم يهتم بها، بل ويغرق أحياناً حتى أذنيه في استقطاباتها واستحقاقاتها. هنالك اهتمام إيجابي بالسياسة، وإن لم يكن هنالك تذمر أو جيشان سياسي مما يحدث عادة في مجتمعات عربية أخرى مشكلاتها أعقد، وشروخها الاجتماعية والسياسية أوسع. ولاءات للخارج الجماعات الإسلامية... لماذا ولاءاتها للخارج أكثر من الداخل؟ - الجماعات الإسلامية مثلها مثل الحركات الحزبية الأممية، لم تقم أصلاً على أساس الولاء للدولة الوطنية، فولاءاتها عابرة للحدود، وذات صلة، في الغالب، بالمصالح الضيقة لكوادرها، وما يفيد أولئك الكوادر. والانتماء للجماعة لا يقوم لدى البعض إلا على جثة الانتماء للوطن، والتناقض بين الخيارين جوهري، من باب أن الولاء كلٌّ لا يتجزأ. إما للوطن وإما للجماعة. لماذا المشروع السياسي الإسلامي يفشل عندما يصل للسلطة؟ - الأولى أن يوجه هذا السؤال لهم، وإن كان لي أن أجيب على السؤال برأيي الشخصي، أقول إن السبب هو أنه لا توجد عندهم برامج حقيقية، هم ينطلقون من ديباجات عامة فضفاضة، وعندما يواجهون تعقيدات الواقع، تذوب الديباجات الأيديولوجية بين أيديهم، كفصوص المِلح، ويحسون بالفراغ، ولا يبقى بعد ذلك أمامهم سوى امتطاء صهوة العنف الحسي، أو اللغوي. لماذا أصبح هناك إسلام سعودي، وآخر إماراتي، وثالث ماليزي، ورابع تركي... الخ؟ - لا أرى أن ثمة إسلاماً سعودياً، وآخر إماراتياً، أو تركياً أو ماليزياً... الخ. كلنا مسلمون. أما إن كنت تقصد الإشارة إلى تجربة مهاتير محمد أو تداعيات وصول حزب العدالة والتنمية في تركيا إلى سدة السلطة، فلكل من هذه التجارب ملامح ومحددات وأرضيات مرتبطة بالهندسة السياسية المحيطة بها. أما الواقع الخليجي فمختلف، فهنالك تجربة اندماجية تبدو أكثرها بروزاً في الإمارات، حيث حرية الممارسات الدينية والمذهبية. من دون تعقيد أو تضييق من أي شكل. حقوق المرأة في الخليج... هل هي بحاجة إلى قرار سياسي أم اجتماعي؟ - المرأة بحاجة إلى قرار سياسي، حتى لا أقول سيادي، في الخليج. فالمجتمع يكاد يكون من المستحيل فيه وصول امرأة إلى موقع تنفيذي أو تشريعي مؤثر، عن طريق صناديق الاقتراع، مع الاحتفاظ بالاستثناءات جانباً من دون القياس عليها. ومن هنا لا يبقى سوى تدخل صانع القرار لرفع الإبعاد الاجتماعي المفروض عليها، عن طريق تشريع"كوتا"أو ما شابه، ما يضمن نيل المرأة حقها الشرعي في التمثيل كاملاً غير منقوص. وعندما تنضج الظروف الاجتماعية المناسبة في الخليج، في الأجل القريب أو البعيد، لن تكون هنالك حاجة إلى تدابير من هذا القبيل. هل حقاً المرأة العربية فاقد اجتماعي اقتصادي حقيقي معطل... أم أنها طاقة كامنة جاهزة تنتظر فقط التفعيل؟ - النساء جزء لا يتجزأ من المجتمع، وحقوق المرأة ينبغي النظر إليها بعيداً عن محددات النوع، فحريتها جزء من حرية الإنسان عموماً، وحقوقها كذلك أيضاً. وعندما نضع المسألة"النسوية"في سياقها الإنساني الأشمل، تقل فرص المناورة أمام المُماحكين والمساجِلين ضد حقوقها الإنسانية المشروعة وما أكثرهم.