تضع السيدة أم خالد أدوات الطعام"الملعقة والسكين والشوكة"بطريقة تستشعر معها وجود فن معين. تضع الملعقة والشوكة في الجانب الأيمن من الطبق يعلوهما كأس الماء، بينما تضع الشوكة صغيرة الحجم المخصصة لتناول أطباق الحلويات بجانب السكين في الجهة اليسرى للطبق، ودائماً تفضّل وضع الطبق المخصص للحساء بداخل طبق الطعام الرئيسي لغرف مختلف أنواع الأطعمة. كما أنها تتخلى عن تعليق ساعة الحائط في حجرة الطعام حرصاً منها على الضيوف كي لا يشعروا بمرور الوقت أثناء تناولهم للطعام. أم خالد لم تبتدع هذا الأسلوب في ترتيب مائدة الطعام وتهيئة الأجواء المناسبة للأكل، بل هي إحدى المهتمات بفن الإتيكيت الذي برز أخيراً في المجتمع السعودي كأحد وسائل التعامل اليومي مع الملبس والمأكل ونحوها. تؤكد أن الدين الإسلامي هو الأصل في تعليم الناس فن"الإتيكيت"كأهمية وجود الماء على مائدة الطعام والذي يعتبر من السنة النبوية، إضافة إلى الامتناع عن الكلام أثناء تناول الطعام، غير أن هنالك من القواعد الموجودة في الإتيكيت الغربي ما يخالف التعاليم الإسلامية مثل استخدام الشوكة باليد اليسرى. غير أنها لا تتردد في أخذ ما يناسبها من الإتيكيت الغربي والذي لا ينافي الدين والعرف مثل"ضرورة وجود المناديل إلى جانب الأطباق والتي يستخدمها الضيوف أثناء تناولهم الطعام، وذلك بوضعها على حجرهم أو تعليقها على الصدر لحماية ثيابهم من سقوط الأطعمة عليها، أو استخدامها بعد الانتهاء من الطعام"، إلا أنها لا تتقيد بقوانين ترتيب تناول الطعام والتي تقيّد الشخص مثل ضرورة تناول الحساء قبل البدء في تناول أصناف الطعام الأخرى. تقول أم خالد إنها تتبع أصول الإتيكيت في إعداد موائد ضيوفها، وتخص في ذلك الضيوف من الدرجة الأولى، وتحرص على تعليم أبنائها وبناتها هذا الفن منذ الصغر، بحسب ما اعتادت عليه من والدتها وقراءة بعض المجلات، إضافة إلى مشاهدة البرامج التلفزيونية المتخصصة أو حتى عن طريق المجتمع المحيط بها. ومن جهتها، ترى السيدة سوزان، أن الإتيكيت يدفع بالشخص نحو التصنّع والذي لا تفضّل التعامل به مع الناس. تقول:"عادة أستقبل صديقاتي اللاتي اعتبرهن أخوات لي ولا أحب أن ألتزم بترتيب معيّن أثناء إعداد مائدة الطعام أو حتى طريقة تقديم الضيافة". وأضافت أنها اعتادت على تناول الطعام على طاولة الأكل، وذلك من والدتها على عكس بيئة زوجها، إلا أنها استطاعت تغيير تلك العادة في زوجها، مشيرة إلى أنها تلتزم ببعض مبادئ الإتيكيت مثل وضع أطباق خارجية لغرف الطعام بها، ونوّهت"مبتسمة"إلى أنها تفضّل تناول الأرز بيدها من دون اللجوء إلى استخدام الملعقة، وذلك حينما تكون مع أفراد عائلتها. ولا يقتصر الإتيكيت على المتزوجات فقط، بل إن معظم الفتيات يحرصن على تعلمه خصوصاً حين إقبالهن على الزواج، وذلك كي تظهر بالشكل المثالي أمام الشخص الذي قد يعتبر غريباً في بداية سنوات زواجها به. عبير إحدى الفتيات المقبلات على الزواج، أصبحت تركض خلف الكتب المتخصصة في ذلك الفن، وذلك حرصاً منها على اكتساب القدر الأكبر من المعلومات والتي تفيدها كثيراً بعد الزواج، خصوصاً أنها تنحدر من عائلة بسيطة على عكس عائلة زوجها التي تحاول دائماً الظهور بصورة مثالية بين الناس. وأوضح أستاذ نظم الحكم والقضاء الخبير في مجمع الفقه الإسلامي في جدة الدكتور حسن سفر، أن الشريعة الإسلامية جاءت متكاملة في جميع شؤون الحياة الدينية والاجتماعية، مشيراً إلى أن التشريع الإسلامي تولى شرح الآداب والقواعد والتي يطلق عليها حديثاً"الإتيكيت"في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، إضافة إلى تناولها في كتب قديمة لعلماء وفقهاء مسلمين. وأكد سفر أن فن الإتيكيت في المأكل والمشرب مبيّن في تراث المسلمين، وله تأصيل في فقه الشريعة الإسلامية، وليس هناك ما يصدق قوله من أن الإتيكيت مأخوذ من التراث الغربي. وقال ل"الحياة":"إن الإسلام قد فتح أبواب التلاقح بين الحضارات والديانات، فلا مانع من الأخذ مما لدى الغير في هذا الإطار مع تهذيبه وتطعيمه بشكل شرعي، وبحسب ما وجهت به النظم الاجتماعية في الإسلام".