اطلعت، كغيري من المتابعين، على الموضوعين اللذين طرحهما في إحدى الصحف اليومية، الأسبوع الماضي، عضو مجلس الشورى، وأستاذ الإعلام السابق الدكتور عبدالله الطويرقي، حول ضرورة معاقبة كل من يجرؤ على التطرق لمجلس الشورى، لا من قريب ولا من بعيد، وأظنه كان في طريقه لطرح موضوعه الثالث، حول روح القانون وآلياته، الذي كان يطالب به من أجل رد اعتبار المجلس، وضمان هيبته من الإعلام والمنتسبين له، كما يزعم. كأنني، أقرأ لكاتب لا يعيش بيننا، ولا يحس بما نحس به من نشوة تحررية تعبيرية، مصدرها رجل الإصلاح الأول الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، الذي بدأ برنامجه الإصلاحي، وليس لديه رجعة فيه، مهما كان الثمن، ولا يوجد أحد لديه في هذا الوطن فوق هذا البرنامج، مهما علت مكانته وكبرت هيبته، فما من أحد فوق النقد البناء، الذي يراد به الإصلاح، لا مجلس الشورى ولا غيره، ما لم يصل الأمر بالناقد إلى نظام الحكم والثوابت الدينية، أما غير ذلك من مؤسسات الدولة، فكل أدائها وعملها والمسؤولين فيها عرضة للنقد، مهما علت منزلة شاغليها، بما في ذلك مجلس الشورى ذاته. لقد جعلت ، يادكتور، المؤسسة التي كانت، ولا زالت، بإذن الله تعالى، محط أنظار المواطنين، وصوتهم الذي يُسمِعون به من يريدون، لتُقضى مطالبهم، جعلتها مؤسسة ضد الحرية في النقد والتعبير، وتريد أن تعزلها عمن هي، في الأصل، من أجله ولأجله وجدت، وأراد لها ولاة الأمر أن تكون كذلك. لقد تطرق مسلسل"طاش ما طاش"في حلقته"ليبراليون ولكن"إلى بعض السلوكيات في المجلس ووصف بعض أعضائه، وظننت، يا دكتور، أنه قد أساء وتطاول على المجلس، بينما أنا أقول إن الإساءة التي نالها المجلس من مقالتيك أعظم بعشرات المرات من تلك التي تظن أنه فعلها به"طاش"، فلم يقل طاش مثلما قلت:"إن المجلس ينبغي أن يغلق أبوابه أمام المواطنين الإعلاميين ويحاسبهم، بدلاً من أن يحاسب المسؤولين والوزراء من أجلهم، والغرابة، كل الغرابة، في الموضوع أن هذا يصدر من رجل إعلامي، ينبغي له أن يكون في مقدوره أن يدرك أن مهمة الإعلام تكمن في كونه سلطة رابعة، لا أن يكمم الأفواه، كما أراد لها، عندما تحول موقعه من إعلامي إلى رجل برلماني، لبس عباءة أخرى غير تلك التي كان قد تخرج بها ذات يوم. مجلس الشورى، ذلك الصرح الذي يفترض به أن يكون سياجاً تحتمي خلفه الحريات بأنواعها، فكرية وتنظيمية، تحول، في طرفة عين، إلى قلعة منيعة في وجه الحرية في التعبير والرأي والنقد الوطني الصادق، الذي همه الأول والأخير الرقي بأداء جميع مؤسساتنا الحكومية والأهلية، لأن النقد، كما يعلم الجميع، بوابة التقدم ونافذة الرقي، لأن فيه محاسبة الأداء من أجل الرقي بالعمل، لخدمة المواطن الكريم، في ظل دولة قامت، أساساً، على العدل والمساواة وتحقيق رغبات ذلك المواطن، وسخرت كل مؤسساتها لخدمته ومن أجله وعلى رأسها مجلس الشورى، الذي لا يخفى على الكثير منا أنه جهة تشريعية تتولي إجازة القوانين والتشريعات، أو عدم إجازتها في حال عدم تحقيقها لتطلعات المواطن وآماله، وغير ذلك من المسؤوليات الموضحة في نظامه، لا أن يكون، كما يريده الدكتور، لاستدعاء القائمين على الإعلام ومحاسبتهم، وسن القوانين لتكميم الأفواه والرجعة بنا إلى العصور الغابرة. لقد سررنا كثيراً برأي رئيس المجلس، عندما رفض مطالبة أحد أعضاء المجلس بمحاكمة مسلسل"طاش ما طاش"، وذلك لقناعته بحرية الإعلام من دون مساس بالثوابت، وأن النقد أمر مشروع، وليس من مهام المجلس متابعة الكتّاب والإعلاميين ومحاسبتهم بل العكس من ذلك، الاستفادة مما يكتبون في مقالاتهم، ويبثون في فضائياتهم، والمجلس يستطيع أن يرد عليهم، ليس بطريقة الدكتور الطويرقي، ولكن بالأفعال الجليلة التي يقدم فيها خدماته للمواطنين، ويُسمِع صوتهم لجميع المسؤولين، ويناضل من أجلهم، بدلاً من أن يكمم أفواههم، بحكم أنه صوتهم الوحيد. نتمنى أن يعود لنا المجلس بإطلالة جميلة بعد إجازته، يناقش فيها القضايا الساخنة الموضوعة على جدول أعماله، مثل نفوق الإبل، وحمى الأسعار، والمعاجين المسرطنة، وغيرها من الهموم التي تثقل كاهل المواطن هذه الأيام، ولعله بهذا يمسح الأثر الموجع الذي تركه الدكتور الطويرقي في نفوسنا، ففي مثل ذلك ما يضمد الجراح، أما الدكتور الطويرقي فنقول له:"سامحك الله يا دكتور، كيف رجعت بنا إلى الوراء؟"، ونقول ما قاله الأوائل:"ما هكذا تورد الإبل يا سعد"... أقصد يا دكتور عبدالله!! محمد ناجي آل سعد [email protected]