كتب الدكتور عبدالله الطويرقي في صحيفة "الوطن" السعودية مقالتين متتاليتين، عَنْونهما ب "قانون محاسبة الإعلام". حرضت المقالتان على رجال الصحافة والإعلام، بغية لجمهم ومنعهم من نقد أداء مجلس الشورى السعودي وأعضاؤه، ربما يعتقد ان المجلس"فوق النقد"وأعضاؤه"محصَّنون"، لا يجوز الاقتراب منه أو نقد أعضائه أو تبيان ضعف بعض الأطروحات وحال"الصمت"التي تكتنف بعض الأعضاء. كنت أعتقد ان الطويرقي، وهو عضو مجلس الشورى وأكاديمي وإعلامي سعودي بارز، ممن يفهمون أبعاد وآفاق الرسالة الإعلامية جيداً كونه مارسها كاتباً ومسؤولاً واختلط بمنسوبيها، إلا أنه أصبح بقدرة قادر ممن ينادون بحمل السياط وتبني قانون لمحاسبة الصحافة إن انتقد الصحافيون المجلس وأداء أعضائه. الطويرقي رجل مهذب وصاحب طرح جيد، لكنه - وإن عمل في أروقة الصحافة ومطابخها التحريرية والفنية - تحول من إعلامي إلى"شوروي"يكتب مقالات"ملغومة"، لينشرها مرة في جريدة، وذات مرة في مجلة. تجنَّى الطويرقي في مقالتيه على الإعلام، معتقداً أن ما عبَّر عنه"تقدم شوروي"، وان المجلس الذي يدلي فيه برأيه"فوق النقد"بعدما حاول صبغ ادائه ب"الحصافة"وأعضائه ب"الحصانة". ليست مشكلة ان يدلي الشخص بآرائه من أجل المصلحة الوطنية، بل هو أمر"صحي"، لكن المشكلة تبدأ إذا اعتقد ان الإصلاح لا يتأتى الا بالتلويح بثقافة العقاب وسن قوانين"قمعية"، وهذا مؤشر على خطوات"خلفية"لا"تقدمية". من حق الصحافة متابعة أداء أجهزة الدولة وإبراز الإيجابيات ونشر السلبيات لإصلاح الخلل، طالما ان العمل الصحافي لم يمس نظام الحكم ودستور البلاد وعقيدتها وأمنها واستقرارها. وهذا أيضاً حق"مكفول"ل"طاش ما طاش"وأي عمل فني وطني صادق. خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ينشد الإصلاح بما يتواكب مع سياسته"الإصلاحية - الحصيفة"، ورجالات الشورى يتوخى فيهم المجتمع تنفيذ تلك السياسة و"الشفافية"، وإلا كيف لهم مساءلة الوزراء والمسؤولين عند استدعائهم إلى قبة"الشورى"باسم الشعب؟ لا أعرف سبباً"منطقياً"لهذا التشنج والضيق بالنقد في وقت تشهد البلاد"انفتاحاً إعلامياً"، إلا إذا كان هناك أمر"باطني"يرى أن قانوناً لمحاسبة الإعلام هو أقل ما يمكن أن يصدر عن مجلس الشورى بعد عرض حلقة"طاش ما طاش""ليبراليون ولكن"، والتي غمزت من أداء المجلس، وطالب على إثرها أحد اعضاء"الشورى"بضرورة اتخاذ المجلس موقفاً صارماً من عبث الإعلام وتطاولاته المتكرّرة التي لم تعد محتملة على الإطلاق. أليس من المفترض في أعضاء مجلس الشورى - والطويرقي واحد منهم - أن يكونوا مهمومين بقضايا المجتمع وهموم الناس وأزماتهم الحقوقية والمعيشية ومراقبة أداء مؤسسات الدولة بالشراكة مع الإعلام، وليس استثمار المواقع الوظيفية للتحريض على سن تشريعات وقوانين تمنع الصحافة من دخول المجلس ورصد جلساته ونقاشاته وأداء أعضائه؟ أليس الأعضاء يمثلون الشعب عبر اختيار ولي الأمر لهم ليصبحوا صوتاً وطنياً"مسموعاً"يساعد في حل الأزمات لا افتعالها؟ حمدت الله بعدما قرأت مقالتي الطويرقي على انه لم يكن رئيساً لمجلس الشورى أو أميناً عاماً له، أو مسؤولاً كبيراً في وزارة الإعلام أو مسؤولاً"مفوَّهاً"في جهة تشريعية. أختلف جملة وتفصيلاً مع دعوة الطويرقي إلى حصر دور الصحافة في نقل أخبار المجلس، عبر ما يبث على"واس"من أخبار مقتضبة، وتجاهل الدور المهني للصحافة. وهنا أجزم ان دعوة عضو"شورى"إلى وصد الأبواب في وجه الإعلام"خطيئة"كبيرة، لكون أدوار الصحافة كبيرة ومسؤولياتها أكبر، في مراقبة أداء المؤسسات الحكومية والأهلية، والمتابعة ورصد الآراء وإبراز الأخطاء وملاحقة كواليس جلسات"الشورى"وما ينتج منها وعرض ذلك على الرأي العام، مصحوباً بالقراءات الواقعية ووجهات النظر"التوضيحية"من الجهات المعنية لما فيه مصلحة الوطن والمواطن. عندما تتجاوز الوسائل الإعلامية مهنيتها وحرفيتها وتتعدى رسالتها، فلا داعي للخوف، فهنالك قوانين تحاسبها وتردعها كغيرها من المؤسسات الأخرى، وفق ما جاء في نصوص ولوائح انظمة المطبوعات والنشر. وليثق الطويرقي بأن الإعلام السعودي والصحافة الوطنية تنأيان بنفسيهما عن العبث الإعلامي الذي يتطاول على مكتسبات البلد ومنجزاته المؤسّسية، ومن يحاول ذلك سيُوقف عند حده، لكن ما المانع من النقد"النافع"؟! حاولت ان أجد مبررات لما خطت يدا الطويرقي، لكنني اقتنعت بأن تضامنه مع طرح عضو المجلس الآخر"فزعة شوروية"، خصوصاً ان عبارات مقالته كانت"غير دقيقة"وفي بعضها"مبالغة كبيرة"، كقوله ان مجلس الشورى اليوم لم يعد قادراً على أداء مهماته النيابية على الوجه المطلوب بسبب الطيش الصحافي المتواصل الذي شغل أجهزة المجلس عن بكرة أبيها وشتّت انتباهات الأعضاء وبدّد هدأةَ بالِهم وأربك أجندة أولويات العمل الرقابي والتشريعي للمجلس في الآونة الأخيرة. أخيراً، ليس بعض"الفزعات"إلا عواطف"وقتية"تُحلِّق ولا تطير بل ربما تسقط من الوهلة الأولى!