يعيد كبار السن في منطقة الباحة سبب تمتعهم ببنية قوية ومناعة عالية ضد الأمراض، إلى موروثهم الشعبي الذي يجعل الحليب واللبن أهم مصدر غذائي، كما يؤكدون أن جزءاً كبيراً من هذا الفضل يعود إلى أمهاتهم اللاتي أرضعنهم عندما كانوا صغاراً. ويعتبرون أن أهم عوامل صحة الأجساد وسلامة الحواس، تمسك السابقين بتواصلهم مع محيطهم والتزامهم بالموروث في طبيعة مأكلهم ومشربهم، فالخبز يصنعونه من القمح الذي يزرعونه في سفوح الجبال، و"التغميس"يكون في لبن أو حليب أو سمن درّ به ضرع شاة أو بقرة، إذ قلما كان يخلو بيت في السابق من شاة، ولأن"المنزل الذي ليس فيه إبقرة ما فيه إثمرة"كما في أمثالهم. وبهذه البساطة عاش الأقدمون من آباء وأجداد وهم في أكمل صحة وأتم عافية، مستغنين عن حقن وكبسولات الأطباء، ورافضين فكرة الدخول إلى مستشفى والتنويم بها، ولا يزال بيننا اليوم من كبار السن من يجاري الشباب في قوتهم وفتوّتهم مع ارتسام بشاشة قلما تفارق محياهم حين يقارنون بين ظروفهم البائسة وما انعكست به عليهم من صحة، وظروف أبنائهم وأحفادهم المترفين بالنعمة والمحرومين من العافية. ويشير أحد كبار السن في المنطقة إلى أنه عند مباغتة عارض صحي لأجسادهم لم يكن الدواء سوى جزء من غذائهم المنتج من بيئتهم والمصنوع بأكفهم المزدانة بالخشونة، لكنه يتحسر لأن الصحة والقوة التي توافرت لأبناء جيله لم تعرف طريقها جيداً إلى من جاء بعدهم، فتخلت الأمهات عن الإرضاع الطبيعي، واعتمدت الأجسام الغضة على الحليب المصنوع. وحين يسمع أحد كبار السن اليوم عن هشاشة العظام المنتشرة بين فئات مختلفة من الشباب والأطفال في الباحة، التي تحولهم إلى وليمة سائغة للكسور، ينظر إليهم بسخرية مردداً"إيه يا جيل النيدو". ولعل حملة وزارة الصحة من خلال اليوم الوطني لشرب الحليب يعيد شيئاً من التوازن إلى أبناء هذا الجيل. وبالأمس دشن وكيل إمارة منطقة الباحة الأمير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود الحملة الوطنية ل"يوم الحليب"للتعريف بفوائده ومشتقاته الذي تبنته إدارة الشؤون الصحية في المنطقة، وتم توزيع كميات من عبوات الحليب المبستر في خمس وثلاثين مدرسة للبنين والبنات مجاناً، متخذة من الدعاء المأثور"بارك لنا فيه وزدنا منه"شعاراً لهذه الحملة. وأوضح المدير العام للشؤون الصحية في الباحة الدكتور علي حامد الغامدي، أن التوعية بأهمية الحليب كعنصر غذائي من الضرورات، لكون كل لتر منه يمنح الجسم 600 سعرة حرارية، إضافة إلى وجود الأملاح المعدنية والحديد والصوديوم والسكر والمواد الدهنية وفيتامينات"أ ب ج"، مؤكداً حاجة مجتمعنا الماسة إلى هذا العنصر الغذائي بعد تنامي مرض هشاشة العظام. وأضاف الغامدي أن التوعية ستستمر طوال العام من خلال أنشطة مصاحبة وبرامج مقدمة في المراكز والمستشفيات والمدارس مع توزيع النشرات والمطويات التي تتضمن التعريف بفوائد الحليب كغذاء يمنح الجسم مناعة، وقوة تحمي من لين العظام الذي يفضي بالجسم لقابليته للكسور.