تتكون القناعة يوماً بعد يوم بأن الثقافة هي المقوم الأساس، لتحقيق النجاح على أي صعيد، ومع تصاعد الأصوات للتحدث عن المرأة، وللدفاع عن حقوقها وحماية حريتها تستوقفنا إشكالية الثقافة عند المرأة العربية، فمن الملاحظ في السنوات الأخيرة من حياة أمتنا العربية ارتفاع نسبة التعليم عند المرأة، وفي هذا الموقع لابد من التمييز بين مصطلحين مختلطين في أذهاننا هما التعليم والثقافة، فتحصيل العلم لا يعني بالضرورة خلق إنسان مثقف، ولكن من البديهي أن الإنسان المثقف لا بد من أن يكون متعلماً، لكي تتكون لديه الأرضية اللازمة لتحصيل الثقافة، ولذلك ولكي تكون المرأة أكثر نجاحاً في مجتمعها فلا بد من أن يتضح هذان المفهومان في ذهنها بدقة. إن مجتمعنا يحتاج في هذه المرحلة الراهنة إلى أكثر من التعليم الأكاديمي للنهوض والتطور، فالعلم يساعد المرأة في الدخول من الباب الرئيس للحياة، إلا أنه غير كاف للتغيير، فالثقافة قادرة على التغيير لأنها مشتملة على جميع ميادين الحياة، ويعّرف أحد الفلاسفة المثقف بقوله:"إن المثقف هو من يعي ذاته أولاً ومجتمعه ثانياً"، وبناءً على هذا يجب أن تتجه المرأة لتثقيف نفسها، لكي تستطيع أن تعي جوهرها أولاً وأن تعي مجتمعها ثانياً بكل ايجابياته وسلبياته، فتكون قادرة على تعزيز الايجابيات والقضاء على السلبيات، ومن هنا يجب أن نعلم ما الركائز التي ترتكز عليها المرأة العربية لتحصيل ثقافتها؟ بناء على قراءتنا للواقع نجد أن المرأة العربية تعتمد في تحصيل ثقافتها على: أولاً الدراسة: إن ازدحام المعلومات في المناهج الدراسية، ووجود معلومات خارج إطار الاهتمامات الشخصية واختلاف بعض هذه المعلومات عن المنحى الذي ستأخذه المرأة في حياتها لاحقاً، إضافة إلى عدم توصيل بعض المعلومات بطريقة صحيحة، كل هذا يجعلها عرضة للنسيان، فتغدو ضئيلة لاستيعاب الحاجات الثقافية التي تمر بها، ولذلك فإن اعتماد المرأة على المعلومات المحصلة من خلال حياتها الدراسية يشكل ضعفاً في أرضيتها الثقافية التي تعتمد عليها لإدارة حياتها. ثانياً المجتمع: إن للمجتمع بأعرافه وتقاليده وحصيلته الثقافية، دوراً كبيراً في تكوين الثقافة لدى المرأة العربية، فهو يسهم في تكوين ثقافتها الدينية ويعطيها المعلومات التي تساعدها في التعامل مع أطفالها وأسرتها، ولكن هذه الثقافة لا تكون دائماً على المستوى المطلوب من الدقة، فالثقافة في مجتمعنا العربي تقوم على النقل وليس على البحث، وهذا ما يؤدي إلى وجود كم خاطئ من المعلومات، وبالتالي فلن تستطيع المرأة العربية في هذه الحال أن تطور نفسها على المستوى المطلوب، وفرق الأستاذ برهان غليون في كتابه"اغتيال العقل"بين نوعين من الثقافة الثقافة الشعبية، وهي ثقافة لا تهتم بالاتساق المنطقي وتحتوي على كثير من المتناقضات وهي مرنة تتكيف مع أي موقف ومع أي ظرف، كما أنها تملك مساحة حرة بحيث أن كل فرد يجد فيها مساحة لوجوده وتعبيره الذاتي، والثقافة العليا وهي ثقافة علمية تخضع لقواعد ومعايير وقوانين منطقية. ثالثاً الرجل: إن لوجود الرجل في حياة المرأة العربية، أهمية كبيرة فهو محاط بهالة من القداسة يكتسبها من كونه الراعي لرعيته، فهو الأب والأخ والزوج، ولذلك تنشأ المرأة العربية وهي ترتكز على فكرة أن الرجل قادر على تكوين ثقافتها الدينية والدنيوية، فمهما كان تعليمها إلا أنها لا تزال تؤمن في اللاشعور بأن الرجل يعلم ويعرف أكثر منها، وتكمن الخطورة في الاعتماد على هذا المرجع من جهتين: الأولى: أن هذا المرجع على رغم احتمال اتساعه وعمقه، إلا أنه لا يمكن أن يكون دقيقاً في أي موضوع يتم طرحه، ولا يمكن أن يحيط بكل شيء من كل جوانبه دفعة واحدة. والثانية: أننا معرضون لإنتاج ثقافة أحادية التكوين تتكون من طرف واحد فقط وهو الرجل، وأما الطرف الآخر الذي يشكل نصف عملية الإنتاج الفكري والثقافي فهو مغيب أو مشلول الحركة، وهذا ما يضعف التكوين الثقافي العربي. رابعاً الإعلام: لا شك في أن للإعلام دوراً كبيراً، في توسيع مداركنا، ولكن ومع ازدياد القنوات الإعلامية، لم يعد كل ما يقدم من هذا العالم صحيحاً وذات قيمة، فبعض هذه القنوات تسعى للربح المادي، ولذلك فالصدقية في ما يقدم تبقى نسبية، ولذلك فعلى المرأة أن تتسلح بالوعي والحكمة لانتقاء ما هو مجدٍ ونافع لذهنها، ونبذ ما يمكن أن يعمل على تسطيح عقلها وقتل أي حافز لديها للتطوير. إن المرأة في اعتمادها على هذه المصادر لتكوين ثقافتها، تقع تحت خطر الاكتساح الثقافي، الذي يتمثل في تكوين ثقافة مقررة ومجهزة لها خصيصاً، وبهذا تصبح المرأة بعيدة كل البعد عن الحركة الثقافية الفعلية، وما يدعم ضرورة أن على المرأة السعي لإعمال عقلها، ما أكدت عليه ثقافتنا الإسلامية التي نجد بين طياتها ما يؤكد أهمية العلم والثقافة، العلم الذي يقوم على إعمال الفكر وتحويله إلى أداة عاملة محللة قادرة على فهم مكنونات الحياة ونقلها بالطريفة الصحيحة للأجيال القادمة، والوقوف بوجه إماتته وتحويله إلى مجرد آلة تابعة ناقلة، ولذلك كانت الكلمة الأولى في القرآن الكريم هي"اقرأ"والمقصود بكلمة"اقرأ"هنا ليس مجرد القراءة السطحية الساكنة، وإنما القراءة العميقة المحركة للعقل والروح، ولذلك أيضاً فرق الله سبحانه وتعالى بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وبيّن مكانة العلماء في قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء. إن اعتماد الفكر العربي على النقل هو ما دفع إلى نشوء ما يسمى بالفرق الكلامية، التي أخذ بعضها بالدفاع عن العقل وأهميته في تحليل كل شيء وإعادته للمنطق أو منطقته بطريقة يقبلها العقل. إن المرجع الأمثل الذي يجب أن تعتمد عليه المرأة لبناء ثقافتها هو البحث، البحث الذي يؤمن لها مستوى عالياً من الثقافة الدقيقة القادرة على التغيير، التغيير على صعيد المرأة وعلى صعيد أسرتها ومجتمعها، وإلغاء تلك الثقافة الهشة الضعيفة القائمة على النقل، وإحلال ثقافة ذات ركائز علمية منطقية قائمة على البحث والتدقيق وإعمال العقل. * كاتبة وباحثة اجتماعية.